الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

ميكاييل جين ·· إطار بلا صورة

12 مارس 2007 02:34
السعد عمر المنهالي: عندما تختزل بعض الحقوق الإنسانية في صورة طفل يبتسم أو امرأة مهندمة في طريقها للعمل تصبح هذه الحقوق سخيفة، بل أكاد لا أجد كلمة أشد تقييما للوضع أكثر من هذه الكلمة، ولو وجد أحدكم مفردة أكثر مناسبة لن أمانع إطلاقا في استخدامها· ويبدو اليوم العالمي للمرأة الذي يوافق الثامن من مارس أحد هذه الصور السنوية التي تصيبني بتوتر شديد، لاسيما عندما أرى احتفالية العالم به، ففي القاهرة أطلقوا أول مهرجان لهم لأفلام المرأة، أما في الأراضي الفلسطينية المحتلة فقد احتفلت جمعية المرأة العاملة الفلسطينية باليوم بأن أقيمت مباراة كرة قدم نسوية في احتفالية خاصة، وفي الفلبين تظاهرت النسوة أمام السفارة الأميركية وألقين القمامة· يأتي كل هذا وغيره في ظل تقارير دولية تؤكد كل عام تردي وضع المرأة على الصعيد العالمي وتزايد ظاهرتي العنف والفقر والتمييز بين نساء العالم· وبين كل تلك الصورة وجدت الحاكمة الكندية العامة ''ميكاييل جين'' إطارا مختلفا لصورتها التي أرادت بثها للعالم بإصرارها على زيارة أفغانستان في اليوم العالمي للمرأة لتشيد -حسب قولها- بصبر وشجاعة وبطولة ومقاومة النساء الأفغانيات· ولم تكتف بذلك فقط، بل استطاعت أن تجني نقاطا عديدة داخل المجتمع الكندي بعد أن نشرت وكالات الأنباء صورة لها في ''قندهار'' وهي تتوسط عددا من الجنديات الكنديات العاملات في الجيش الكندي في أفغانستان، بل وأجبرت الرجال -مازحة- على الانحناء تقديرا لجهود النساء العاملات معه· قد تكون ''ميكاييل جين'' أكثر نساء الأرض حظا في هذه الذكرى، لقدرتها العالية على استغلال المناسبة بما يحقق لها حظوة خاصة لدى الكنديين الذين بهروا بشجاعتها التي أبدتها للذهاب إلى أفغانستان أكثر مناطق العالم غير الآمنة، بل والظهور بشكل إنساني وظريف رغم المكانة الملكية التي تحظى بها كحاكم عام لكندا· ولدت ''ميكاييل جين'' في السادس من سبتمبر عام 1957 في هايتي إحدى جزر البحر الكاريبي -وهي مستعمرة فرنسية استوطنها العبيد المستوردون من إفريقيا- ولكنها غادرتها هربا بعد أن أكملت العاشرة من عمرها مع والديها اللذين فرا من حكم الدكتاتور فرانسوا دوفاليه عام ،1968 استقرت بعد وصولها كندا في ''كويبيك'' إحدى المقاطعات الكندية· درست ''ميكاييل'' في جامعة ''مونتريال'' الأدب في اللغات الإيطالية والأسبانية، وفي اللغة الإيطالية والأدب المقارن أكملت دراستها العليا، كما درست الفرنسية وأتقنتها، كما أجادت قراءة البرتغالية· الكتابة عن المرأة شُغلت ''ميكاييل'' أثناء دراستها الجامعية بالعمل في ملجأ للنساء وذلك لمدة ثماني سنوات حتى عام ،1987 ولاحقا ساعدت في تأسيس شبكة ملاجئ للنساء والأطفال في كندا، كما ركزت نشاطها الإنساني على العمل في المنظمات التي تقدم مساعدات للمهاجرين القادمين إلى كندا، ثم عملت في إدارة التوظيف والهجرة الكندية في ''كويبيك''، وذلك قبل أن تبدأ بالكتابة عن معاناة المرأة المهاجرة· يبدو أن هذا النوع من الكتابة كان بوابة ''ميكاييل جين'' الصحفية، ولذا فقد استخدمت من قبل الإذاعة الكندية عام 1988 التي لديها كمراسلة قبل أن تصبح ضيفة ومذيعة في البرامج والأخبار في عدد من القنوات الكندية، في الوقت نفسه شغلت بإنتاج البرامج الوثائقية بالإنجليزية والفرنسية للتلفزيون الكندي، وذلك مع زوجها الفرنسي منتج الأفلام الوثائقي ''جين دانيال لافوند'' وحصلت معه على عدد من الجوائز على أعمالهما المشتركة· ساهمت ''ميكاييل'' في إشراك الكنديين في شؤون الجاليات المتعددة التي تعيش على أرضهم، وبالتالي مد يد العون لمعالجة قضاياهم الملحة لاسيما الشباب، فأصبحت أحد الوجوه الفاعلة في المجتمع الكندي· كان لهذه الأسباب وغيرها دور كبير في اختيار ''ميكاييل جين'' في السادس من سبتمبر عام 2005 من قبل الملكة ''إليزابيث'' كمندوبة سامية لها، وهو ما اصطلح على تسميته ''الحاكم العام'' في كندا· اضطرت ''ميكاييل جين'' الى الاستغناء عن جنسيتها الفرنسية التي كانت حصلت عليها من زوجها بناء على ما تفرضه مستلزمات المهام الجديدة، وبالرغم من اعتراض البعض على هذا الاختيار لأسباب مختلفة، إلا أنها حصلت على تأييد الأغلب منهم خليفها ''أدريين كلاركسون''، في حين قال زعيم حزب المحافظين عن حياتها إنها قصة كفاح عظيمة ومثال يحتذي به الكنديون، بينما انتقدها آخرون لقبولها لهذا المنصب الفخري في مؤسسة ليست ديموقراطية -كما قال زعيم حزب ''كيبك'' الذي يدعو إلى استقلال المقاطعة- وذلك رغم تأييد 71 بالمائة من سكان المقاطعة لها-، في حين اعتبرها ''بول مارتين'' رئيس الوزراء الكندي أنه لا يوجد شيء في حياتها ليس استثنائيا، فهي نموذج يجب أن يمثل الكنديين في العالم· وبالفعل أدت الصحفية الإذاعية الكندية، اليمين الدستورية لتصبح الحاكم العام السّابعة والعشرين، وثالث امرأة تتقلد هذا المنصب، ووجهت في خطاب تعيينها نداء لتقارب الكنديين، مؤكدة أن عهد العزلتين، عزلة كندا الناطقة بالإنجليزية، عن تلك الناطقة بالفرنسية قد انتهى· صورة بعيدة استطاعت ''ميكاييل جين'' أن تجذب وسائل الإعلام الكندية إليها في زيارتها التي قامت بها إلى أفغانستان في الثامن من مارس الجاري، للشد من أزر المرأة الأفغانية التي لاتزال تستقر في أعلى القائمة التي تضم أكثر أوضاع المرأة سوءا في العالم، وهو الأمر الذي استثمرته أيضا في رفع نسبة مؤيديها من الكنديين الذين لا يزالون يطلقون الملاحظات حول تعيينها سيما وأنها أول امرأة سوداء تتولى منصب الحاكم العام· ويبدو سعيها لمرتين سابقتين الحصول على إذن لزيارة أفغانستان ورفض رئيس الحكومة الكندية لهذه الزيارة، ومن ثم نجاحها في ذلك في يوم المرأة العالمي، وظهورها في صورة جماعية مع الجنديات الكنديات العاملات في قندهار، دليلا على أهمية الصورة للتأثير على الرأي العام، لاسيما إذا كانت هذه الصورة في الثامن من مارس، ليؤكد من جديد رؤيتي في تحويل هذه المناسبات لنجاحات صورية لازلت أبحث عن كلمة مناسبة لوصفها· صحيح أن اختيار هذا التاريخ يعود إلى حادثة مشهورة جرت عام 1857 عندما نظمت مئات النساء -العاملات في مصانع النسيج في مدينة نيويورك الأميركية- إضرابا في احتجاج على أجورهن المنخفضة وساعات عملهن الطويلة والظروف غير الإنسانية المحيطة بعملهن، إلا أن هذا الحدث الذي اعتبر أول الأنشطة النسائية والأهم في العالم، فرصة سنوية للاحتجاج على الأوضاع السيئة التي تعانيها المرأة بكل أشكالها الإنسانية سواء الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية· وتبدو الطبيعة العامة لهذه الأشكال تتماشى تماما مع العولمة التي أخذت توابعها تصيب العصر في كل جوانبه، والتي توقع الكثيرون منه أثرا مختلفا على المرأة بشكل خاص، لاسيما وأن القيم الديموقراطية التي تحملها العولمة وتعمل على نشرها في العالم كنموذج رائد وصالح لمختلف دول العالم· صحيح أن الهدف الاقتصادي هو الأهم لأن نشر شكل اقتصادي واحد في العالم سيسهل على القوى الاقتصادية الكبرى تسهيل عملها إلى أبعد الحدود دون الاصطدام بقوانين ونظم مختلفة لكل ارض تدخل فيها، ولكن لتحقيق هذا تبدو أهمية عولمة نظام سياسي واحد، وهو ما أثر على وضع المرأة· إن عولمة شكل نظام حكم واحد في العالم سيكون له الأثر السياسي على وضع المرأة وان كان بطريقة غير مباشرة، فالواقع الدولي سيفرض على الدول نمطا ثانويا عالميا ستسعى لأجله الى وضع دساتير جديدة أو إدخال إصلاحات على دساتيرها القديمة، لذا ستصبح الديموقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة مفاهيم عامة ومشتركة بين مختلف الدساتير على الرغم من احتمال اختلاف مضمونها الذي لن يكون على الأرجح موضع إجماع تام· وعلى أي حال ستنال المرأة في العالم وضعا مغايرا لما كانت عليه في الماضي، ولكن هل فعلا تحقق ذلك؟! استطاعت هذه القوانين أن تحدث نقلة كمية في ممارسة المرأة لاسيما في الحق السياسي على مستوى العالم، غير أن هذا لم يحقق أي نقلة نوعية حقيقية في وضع المرأة بشكل عام في العالم، فلازالت التقارير الدولية تؤكد على الوضع المزري الذي تعانيه النساء في العالم، والذي يزداد يوما بعد آخر، والذي كان آخره ما أكده الأمين العام الجديد في الأمم المتحدة ''بان كي مون'' بأن ''العنف ضد النساء والفتيات يترك آثاره الرهيبة في كل القارات والبلدان والثقافات''، داعيا إلى تعزيز هيئات الأمم المتحدة التي تعمل في قضايا متعلقة بالمرأة واقترح أن تخصص الدول الـ192 الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة كل سنة موضوعا مرتبطا بالعنف الذي يمارس ضد المرأة· ويأتي هذا في وقت تزداد فيه التقارير الواردة من القارة الافريقية والتي تؤكد على ارتفاع نسب الفقر بين النساء بشكل خاص، وبين هذا وذاك ظلت المرأة تعاني العنف والفقر في حين يحتفل العالم ويتباهى بأخريات وصلن إلى مكانة سياسية في دولهن وكأن مشاكل نساء العالم تكمن في الوصول إلى القرار السياسي، أو حصولها على منصب فخري حتى لو كان في قارة أخرى·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©