الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إسرائيل: تدمير العدو... لا تقليل العداوة!

إسرائيل: تدمير العدو... لا تقليل العداوة!
19 مارس 2009 00:45
تعتبر قوة إسرائيل العسكرية وجهودها الدبلوماسية حيوية لبقائها، لكنها في هذا الوقت غير كافية لاستمرار أمنها، وهذا أمر واضح· فمنذ عملية ''الرصاص المسكوب'' الأخيرة في غزة والتزايد المصاحب لها، بحسب التقارير المختلفة، في معاداة الصهيونية والسامية حول العالم، لم يعد سكان جنوب إسرائيل هم الوحيدون الذين يشعرون بالتهديد، وإنما كذلك الإسرائيليون واليهود الذين يعيشون في أجزاء أخرى من العالم· وبغضّ النظر عما إذا كانت شرعية أم لا، فإن استراتيجياتنا الحالية تخلق المزيد من الأعداء والقليل من الأماكن الآمنة لنا· هناك أمر ما فيما نفعله يعطي مردوداً سلبياً بشكل مؤلم· لقد أشعلنا مزيداً من الغضب والثأر والضرر لأمننا على المدى البعيد· فأعمالنا وسياساتنا ترتكز على فرضية أنه لا خيار لنا غير ذلك؛ إذ لا يوجد لدينا شريك في السلام· وهكذا فالتحدي الذي يواجهنا يكمن في إيجاد، وبشكل ابتكاري، خيارات حتى في وجه واقع يبدو أنه محدود ويهددنا بشكل متزايد· يرنو الناس إلى التطمينات والنظام في وجه التهديدات والفوضى· توفر تعابير مثل ''لا يوجد عندنا شريك'' أو ''كل ما يفهمونه هو القوة''··· توفر شعوراً بالنظام، لكنها تحرمنا من نوافذ فرص توفّرها وجهات نظر معينة· هناك تداعيات هائلة حول كيفية تعريفنا للواقع وأين نختار أن نضع اهتمامنا· ولعل السؤال ''كيف نضعف عدونا وندمره؟''، يقود إلى سياسات مختلفة جداً عن تلك التي يقود إليها السؤال ''كيف نشجع ثقافة تحدُّ من العداوة ويزدهر فيها السلام والتعاون؟''· لكننا دائماً ما نركز على السؤال الأول ونتجاهل الثاني· الواقع أن ضرب العدو بشدة أكثر، لن يؤدي هذه المرة إلا إلى إيجاد فترة هدوء مؤقتة في سياق المعركة الدائرة، والتي سوف تشتّد أكثر في الجولات القادمة· ونادراً ما يستمر السلام في ثقافات يسودها شعور بالظلم والاستثناء والتهميش، بينما ينتعش السلام ضمن أوضاع يستفيد فيها الجميع· وإذا أخذنا بالاعتبار أن التهديد الحقيقي هو العداء النفسي وانعدام الثقة بين الشعوب، فإن ما يثير الصدمة هو هذا العدد القليل من الموارد المالية والأدمغة في إسرائيل التي استُثمرت في البعد النفسي لبناء السلام، مقارنة بتلك المستثمرة في الخيارات العسكرية على اختلافها· فالخيار العسكري لا يتعامل إلا مع الأعراض، لكنه لا يشفي الثقافة التي تشكّل أعراض العنف وتصنعها، فيما يمكنها العمل باتجاه بناء الثقة والنية الحسنة بشكل نشط· ولا تكفي دبلوماسية المفاوضات حول الأرض والأسرى، لبناء سلام دائم، بل يجب دعمها بدبلوماسية تؤكد على المكاسب الحقيقية لكلا الطرفين، الناتجة عن التعاون المتبادل والتي تعمل باتجاه بناء الثقة والنية الحسنة· يتوجب على هذه الدبلوماسية أن تعمل على تفكيك الصور النمطية والتعميمات وزيادة فرص علاقات ذات معنى وتعاون مالي واجتماعي حول مصالح مشتركة· وهي تحتاج لأن تتعامل مع القضايا الأعمق المتعلقة بالاحتلال والاستيطان والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وأن تزرع الوعد بمستقبل يشعر فيه الجميع بالأمل والفرص· لا ترتكز علاقاتنا مع الفلسطينيين على نموذج الهيمنة والإخضاع فحسب، بل سياساتنا الداخلية أصبحت هي أيضاً مبتلاة بنماذج القوة والتسلط على الآخر: الفوز والخسارة، الامتياز والتهميش، الاحتواء والاستبعاد· وبالطبع لا يمكن لهذه السياسات إلا أن تولّد الكراهية والغضب والنزاع· فمحلياً، تخاطب الأحزاب المختلفة القاعدة الانتخابية بناءً على أطر الهوية، مثل الدين والوضع الاجتماعي الاقتصادي والتبعية السياسية والبلد الأصلي، إضافة إلى الجنسية بالطبع··· لذلك نتوقع أن تشهد إسرائيل قيام مجتمعات هوية صغيرة تشبه أحياء الأقليات، تتفرق حول كثير من الخلافات والصدوع بينها· لم نبلغ بعد حداً من النضج لإنجــاح زعيم غير حزبي على استعداد لخدمة جميع أفراد الشعب الذي يتحمل في نهاية المطاف المسؤولية أمامهم، والذي يملـــك سلـــطة جامعـــة عليهم· وهذا يعني أنه بغض النظر عن نتيجة الانتخابات، فإن مجموعات معينة ستشعر بالاحتواء بينما تشعر أخرى بالاستبعاد والاستثناء· بدأ الرئيس الأميركي باراك أوباما يقدم إلى العالم سبيلا مختلفاً· لقد بدأ ينتقل إلى ما وراء الأنماط التي يديرها الخوف، مثل اللوم والتهديد والعدائية في وجه النزاع، وباتجاه نموذج شمولي يولّد الثقة ويزرع السلام، من الأمن والمساءلة المتبادلة، هدفه المعلن الازدهار والنجاح للجميع· تمكّنت الولايات المتحدة، والتي كانت إلى وقت قريب تواجه كراهية متنامية في العديد من الدول نتيجة لسياساتها، تمكنت في لحظة تاريخية من التسامي فوق النماذج القديمة والتحامل والمخاوف، من أن تتّخذ خياراً شجاعاً· من خلال ذلك، وفي أيام قليلة، انتقلت من كونها مكروهة من قبل الكثيرين إلى الترحيب بها وبأبنائها كمواطنين يتمتعون بالشجاعة والعطاء قدموا للعالم الإلهام والأمل· وإن كان من الواضح أن أوباما لن يكون من السهل عليه أن يشجع هذه القيم في عالم تسوده النماذج العدائية، فإن ذلك قد يكون فاتحة لسبيل عالمي جديد· يستطيع المرء أن يستبعد نوع القيادة التي يمارسها أوباما في المضمون الإسرائيلي، من خلال التأكيد على فروقات الواقع السياسي في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، لكن ذلك سيكون سهلا بشكل كبير· من المجدي تعلّم ما هو الأنسب من بين العمليات التي ساهمت في نجاحه العالمي في أوقات تسودها التهديدات والأزمات· ولا يمكن لأعمال لا ترتكز على رؤية حقيقية من الاحترام والشمولية، أن تساهم في أسلوب جاد لعكس دوامة الصدمة، والشفاء من الماضي وبناء القواعد والأسس الاجتماعية والنفسية والمادية لمستقبل مختلف· يجب أن يرتكز مستقبل كهذا على المساءلة المتبادلة والاستقلالية المتبادلة والمسؤولية الاجتماعية في أوسع مفاهيمها· تلك هي أحجار الزاوية للحوار الحقيقي والأعمال الصحيحة نحو سلام بنّاء ودائم داخل إسرائيل ومع جيرانها· شيللي أوستروف - القدس ينشر بترتيب مع خدمة كومون جراوند الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©