الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هيئة أبوظبي للثقافة والتراث تصدر ينابيع اللغة الأولى لسعيد الغانمي

هيئة أبوظبي للثقافة والتراث تصدر ينابيع اللغة الأولى لسعيد الغانمي
19 مارس 2009 01:14
تأصيلاً للبحث عن الجذور الأولى، جاء هذا الكتاب ليناقش اللغة والأسطورة والأدب لدى العرب منذ لحظة البدء الأولى حين تكونت الجذور وامتدت فروعها· إنه كتاب خطير، يخلخل الكثير من المفاهيم السائدة والمتعارف الخاطئ، في قراءته متعة وفي بحثه جهد وفي تأصيله للمعرفة حقيقة· كتاب لا يقول إن الحقيقة تستوطن هنا، بل يناقشها بين الصواب والخطأ، جهد لا يستند إلى الأيديولوجيا أو الانفعال العاطفي في مناقشة المفاهيم عبر اعتماد رؤية علمية تعتمد المنهج الدقيق· أصدرته هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، فاستحقت الثناء حين تطرح معارف متنوعة وحوارات المثقفين العرب لتاريخهم· يعرض الفصل الأول المعنون بـ ''دورات اللغات الأدبية'' فَرشة نظرية ومدخلاً إجرائياً لمفاتيح المفاهيم التي يتم بها تناول الآداب العربية القديمة، وبعد أن يعرض الفصل لأهم الحقب التاريخية التي أفلحت في تأسيس دول، وحرصت على تدوين لهجاتها الخاصة في نقوش تحمل طابعها اللهجي الواضح في الثقافات العربية الجنوبية مثل معين وقتبان وسبأ وحضر موت، وكذلك في الشمال مثل ثمود ولحيان والصفويين والأنباط والحضر وتدمر والحيرة، يعرض الكتاب لما يسميه بالحقبة التأسيسية وعلاقتها بالاستعارة الشمسية، ويعني مفهوم ''الاستعارة الشمسية'' ـ كما يشرحه الكتاب ـ أن المجتمع الوليد حين يفلح في بسط نفوذه على دويلات المدن، أو دويلات العصبيات القبلية، لابد لملكه أن يقدم نفسه بوصفه حاكماً للعالم كله، وحينئذ فإنه إما أن يزعم أنه سليل الآلهة التي اختارته حاكماً للعالم، أو أنه تجسيد للإله الأكبر، الذي غالباً ما يقترف بالشمس التي تغطي الأرض بأسرها· ومع سيادة الحقبة الثقافية، تظهر الحاجة إلى تسييد اللهجة الغالبة، وآلهة الحقبة التأسيسية وثقافتها كلها· ويشير الفصل إلى عدد من النقوش القتبانية التي تصف ملوكها بأنهم أبناء الآلهة، وإلى نقش ''عبادة'' النبطي الذي يعلن تأليهه عند الأنباط بعد موته· اللغة والجسد وفي محاولة لاستكشاف الصلة بين إيقاع اللغة وايقاع الجسد، يشير الفصل إلى إمكان مقارنة الأرجوزة العربية القديمة والشعر الشفوي بوجه عام بالهوسات والشعر الشفوي العربي في العصور العثمانية، ويعيد النظر في المصطلحات الأدبية كالقافية والشعر والمتن والنظم وغيرها، وخلافاً لبعض المستشرقين ممن رأى أن القافية كانت تعني شعر الهجاء بالتحديد، وهي مشتقة من ''تحطيم القفا''، يرى الكتاب أن القافية أقدم من ذلك، لأنها سمة مميزة للشعر العربي منذ أقدم عصور الصيد والرعي، وهي مشتقة من ''تتبع أثر الطريد''، ويحرص المؤلف في كل ذلك إلى الاستناد إلى النقوش المكتوبة، من دون فرض أي رأي لا تدعمه النصوص، وبسبب الطابع الشفوي للنصوص العربية القديمة، فيكرس الكتاب عدة فقرات لمناقشة آليات الشفاهية وفضاءاتها التي تنتج فيها نصوصها ينتهي إلى مناقشة مفهوم المؤلف فيها، وهل يتلاقى مع مفهوم الناسخ أو المنتج الأدبي بالمعنى الحديث· ويكرس الكتاب الفصل الثاني بعنوان ''شعرية النقوش الثمودية'' لاستشكاف السياق الثقافي والشعري في النقوش الثمودية، وهي يعرض لصورة ثمود في المخيال الجاهلي، وثمود في التاريخ، وعلاقتها بقيدار أو قدار، وخصائص اللهجة الثمودية كما تشف عنها نقوش ثمود· ويعرض لأهم سمات النقوش الثمودية، ثم أثر حملة الملك البابلي نبونيد، آخر الملوك الكلدانيين على شمال الحجاز في العرب الثموديين، فقد احتل نبونيد تيماء وفدك وخيبر حتى وصل إلى يثر، واستقر به المكان في تيماء، حيث اتخذها عاصمة لملكه ما يقرب من عشر سنوات بدلاً من بابل، وفي أثناء البحث، يعرض لطقوس الصيد عند الثموديين، وعلاقة الكتابة بالتحريم، ونظرتهم إلى الجمل باعتبار حيواناً مقدساً، يصفه أحد النقوش بأنه ''أقدس''، ربما لأنه كان على شكل أفعى في الفردوس الأول في تصورهم، ويعرض لإمكان انطواء بعض النقوش الثمودية على شذرات شعرية أفلتت من الشفوية إلى التدوين، ويشير إلى نوع من الأدب يسميه ''أدب الأوعية''· وكذلك إلى ''أدب القبوريات''، وقبل أن ينتهي الفصل، يلمح إلى نوع من التوحيد الديني تشف عنه النقوش الثمودية، فبرغم أن الجزء الأكبر من النقوش الثمودية يشير إلى آلهة مختلفة مثل ود ورضا ورضو ونهي واللات وغيرها من الآلهة، لكن هناك نقوشاً تشير إلى إله تسميه ''هئيل هأبثر''، التي يرى الباحث أنها عبادة توحيدية تدل على عبادة الله والواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد، وينتهي هذا الفصل بملحق عن وثيقة ثمودية حول الفرعون ''نيخو'' أو ''نيعوش'' في تسميته الثمودية، الذي هزمه الملك البابلي نبوخذ نصر الثاني· يقع الفصل الثالث المعنون بـ ''شعرية سبأ'' في ثلاثة أقسام يتناول القسم الأول الخصائص اللهجية في لغة سبأ كما يتضح في النقوش السبئية، ويعرض لبعض صورها مثل هاء التعدية، المقابلة لهمزة التعدية في العربية الصحى، وكاف المخاطب، وبعض أوجه التفاعل اللهجي بين اللهجات العربية الشمالية والجنوبية، ما يلم إلماماً سريعاً ببعض الخصائص الثقافية لدى سبأ مثل الايمان بمبدأ الاسم، وعبادة الملوك، والمعلومات المتوفرة عن الديانة التوحيدية الغامضة في عبادة (ذي سموي)، أي ربّ السماء، والبغاء المقدس، والنقوش النذرية، وينصرف القسمان الآخران لتحليل نصين شعريين سبئيين، يعيد الكتاب النظر فيهما، ويحللهما ويقدم لهما قراءة جديدة· أدب الأنباط وينصرف الفصل الرابع، ''الأنباط: اللغة والأدب'' إلى قراءة نقش يعرف باسم ''نقش الإله عبادة''، وهو نقش عثر عليه في صحراء النقب في أواسط الثمانينات، وبرغم أهمية هذا النقش الهائلة، فإنه لم يرد له ذكر في أي عمل عربي في السابق على الإطلاق، وتكمن أهمية هذا النقش في أنه يعطينا فكرة عن لهجة الأنباط المحكية فمن المعروف تاريخياً أن جميع نقوش الأنباط مكتوبة بآرامية تحمل طابعاً عربياً واضحاً، ولم يعثر مطلقاً على أي نص مكتوب بعربية الأنباط، حتى شكك بعض الباحثين بعروبتهم وهذا النقش الذي يتكون من ستة أسطر، تنطوي الأسطر الثلاثة الأولى منها على فاتحة لا تختلف في ميزتها اللغوية عن النقوش النبطية الأخرى، لكن الأسطر الثلاثة الثانية مكتوبة بعربية الأنباط، وهي نص شعري في تأليف الملك عبادة الثاني الذي حكم من (30-9ق م)· والمرجح أن النقش كتب في أواخر القرن الميلادي الأول أو بواكير القرن الثاني· والمفاجأة الكبرى التي يدخرها هذا النقش القصير هي أن عربية الأنباط كانت تتميز بوجود ''ال'' التعريف فيها، وفي رأي مؤلف الكتاب فإنها تشكل الرافد الأساسي للعربية الفصحى· ويتابع الفصل الخامس، ''تاريخية اللغة العربية''، السمات اللغوية للهجات العربية القديمة استناداً إلى ثلاثة عناصر أساسية: أداة التعريف، وأبنية الفعل، والبناء والإعراب، واستناداً إلى هذه السمات اللغوية، يراجع جميع اللهجمات العربية التي تنقلها النقوش القديمة، بدءاً من نقوش العربية الأولى، وهي مجموعة من النقوش العربية عثر على بعضها في أساسات قصر نبوخذ نصر الثاني، وربما أمكن ارجاعها إلى القرن التاسع أو السابع قبل الميلاد، وهنا يبحث الكتاب عن إمكان أن تكون آخر سلالة حكمت بابل، وهم الكلدانيون، من أصل عربي، دخلوا العراق من منطقة الخليج، كما يتطرق إلى خصائص اللهجة المعنية وصلتها بين البابلية واللهجات العربية اللاحقة عليها، مثل النقوش الحسوية ولأن نقوش العربية الأولى التي عثر عليها في العراق تمثل أقدم الكتابات العربية من الناحية التاريخية وتحمل شبهاً كبيراً بالنقوش الكنعانية أو السينائية فإن الكاتب يرى أن جميع كتابات المسند الشمالي والجنوبي مشتقة من نقوش العربية الأولى، وهكذا يعيد النظر في مخطط تاريخ الكتابة عن الدارسين الذين عنوا بالتأريخ للكتابة العربية· في الفصل السادس، ''حقبة الحيرة التأسيسية''، يرى الكتاب أن الحيرة استقبلت عدة لهجمات عربية جنوبية وشمالية معاً، وتمكنت من صهر هذه اللهجات في لهجة واحدة هي عربية ''ال'' التعريف، إذ يرى المؤلف أن ''ال'' التعريف هي من أصل نبطي أو لحياني منقلبة عن (هل) التعريف· وأن الحيرة تمكنت من نشر لهجتها منذ أواخر القرن الميلادي الثالث أو أوائل القرن الرابع، فصارت تستقبل الشعراء من مختلف القبائل العربية استجلاباً لولادة قبائلهم، لأن الشاعر كان شامان القبيلة وعرافها وكاهنها وقائدها ولسانها، فكان الفوز بولاء الشعراء فوزاً بولاء قبائلهم· ويتناول هذا الفصل تحليلات أدبية لعلاقة الشعر بالسحر، وتطواف الشعراء، والحكاية الشعرية في أدب الحيرة، وتاريخية بعض الأوزان الشعرية، وسؤال الأطلال· الملحمة الضائعة في الفصل السابع والأخير، ''الملحمة الضائعة'' يراجع المؤلف كيفية تكون الملاحم الأدبية المعروفة مثل محلمة جلجامش والإلياذة والأوديسة، ويجد أنها تطورت عن حكايات منفصلة تدور حول موضوعة أو موتيفة، واحدة وأنها تحتاج إلى حقبة تأسيسية جديدة تجمع هذه الحكايات المنفلة وتعيد صياغتها بعد أن تجعلها تدور حول بطل ثقافي واحد، وهذه الحكايات تتعلق في الأساس بموتيفات محددة مثل حيوان مقدس تهدر قدسيته وتنتهك بقتله مثل حصان طروادة أو ثور السماء أو سقب السماء أو ناقة السماء، واختطاف حسناء، مثل اختطاف هيلين الطروادية أو اغتصاب بنات أوروك على يد جلجامش، أو اغتصاب عميرة بنت غفار على يد عملوق الطسمي في الحكاية العربية· وفي جميع الملاحم توجد نبوءة ينبغي تكذيبها، كما في نبوءة زرقاء اليمامة، التي هي مثيلة كاساندرا الطروادية، وفي جميع الملاحم المعروفة فردوس مفقود، هو دملون في ملحمة جلجامش، أو أفيرنوس في الانياذة لفرجيل، وهو أرض وبار في الحكاية العربية، ولابد أن تنطوي الملحمة القديمة على عضن ذهبي، مثل العضن الذهبي عند إيناس، أو عشبة الخلود عند جلجامش، أو غصن من ذهب في الرواية العربي، وفي الملاحم جميعاً توجد امرأة تحاول ثني البطل عن القيام بمشروعه هي سيدوري في ملحمة جلجامش أو كيركي في الأوديسة أو العاذلة في الأدب العربي، ومثلما يوجد الرجال العقارب كعمالقة في محلمة جلجامش، وأسمهم في البابلية (عقربو عميلوت)، يوجد العمالقة ذوو العيون الواحدة في الأوديسة، كذلك يوجد العمالقة والجبابرة في الحكايات العربية، وفي جميع الملاحم لابد من وجود نازلة دمار شامل، تجتاح العالم على شكل طوفان أو جائحة أو زلزلة أو دمار مدينة أو إحراقها إعلاناً عن نهاية حقبة ثقافية وبداية أخرى، لكل موضوعة من هذه الموضوعات وظيفتها البنائية في الملحمة وشكلها الأدبي، وهي تستجيب للتقاليد الأدبية السائدة في المجتمع الذي ينتج الملحمة· يرى الكتاب أن هذه الحكايات المتفرقة جميعاً تشى بمنبعها في الحيرة، وبرغم أنها شأنها شأن الحكايات التي كونت الملاحم السابقة، كانت متفرقة ثم اجتمعت في الحيرة، لتشكل محلمة شفوية لم يتح لها أن تكتب ومع سقوط عصر السيادة عن الحيرة سارعت هذه الحكايات الى التفكك والانهيار، لأن الملحمة تدافع عن الحقبة التأسيسية التي تشكلها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©