الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

تعثر نظام الابتكار الأميركي يهدد تفوق «سيليكون فالي»

28 يناير 2011 20:44
عكس التقييم الأخير لموقع “فيس بوك” بنحو 50 مليار دولار أن النشاط التجاري في سيليكون فالي “وادي السيليكون”، لا يزال يسير في مجراه الطبيعي. وتدل النجاحات التي حققتها بعض من هذه المواقع الاجتماعية على حدة المنافسة التقنية في أميركا، ولكن هذه النجاحات ساعدت في إخفاء الإخفاقات الذريعة التي تهدد نظام الابتكار في أميركا. وبينما نجحت قطاعات الانترنت سريعة الأرباح في جذب مستثمري قطاع التقنية، فقد هؤلاء الرغبة في المشاريع الهامة التي تساهم في دعم الصناعة الأميركية بوصفها أكثر الصناعات تطوراً في العالم. واجتاح قطاع التقنية الأميركي قلق عميق في أعقاب خروج البلاد من الأزمة المالية، وإذا أرادت أميركا خلق وظائف جديدة ذات أجور عالية، فعليها التركيز على العلوم الرائدة والمشاريع القوية، ولكن لا تتوفر الثقة الكافية لدى العديد من مديري قطاع التقنية لإنتاج السلع المطلوبة بالرغم من أنه القطاع الذي يعول عليه الاقتصاد الأميركي كثيراً. ويعيش “سيليكون فالي” مؤخراً حالة من انتعاش الطاقة “الخضراء”، وذكرت شركة “بريدج لوكس” التي تعمل في صناعة مصابيح الكهرباء الاقتصادية التي تستخدم انبعاثات ضوء الصمام الثنائي المعروفة اختصاراً بـ “أل إي دي”، أنه وبالرغم من النجاح الذي تحققه، إلا أن التقنية في طريقها نحو آسيا. وتظل أميركا الرائدة في التكنولوجيا والعلوم في كل مناحيها تقريباً ويشكل نصيبها 40% من الأبحاث والتطوير العالمية، كما أنها توظف 70% من الحائزين على جائزة نوبل، بالإضافة إلى أنها تملك 15 جامعة من ضمن أفضل 20 في العالم. ولكن هذا التوازن تحول لتشير آخر الأرقام المتوفرة في 2007، إلى أن نصيب آسيا من الأبحاث والتطوير العالمية بلغ نحو 32% بزيادة 5% في الأعوام الخمسة الأخيرة. كما تساوى عدد الباحثين الصينيين بزملائهم الأميركيين بالرغم من قلة عائدهم. وتراجعت قوة جذب المواهب العالمية التي كان يتميز بها “سيليكون فالي” بشكل ملحوظ. يذكر أن 25% من الشركات المدعومة برؤوس أموال المشاريع في أميركا في غضون الخمس عشرة سنة الماضية، تعود ملكيتها إلى مهاجرين من ذوي التوجهات التقنية الكبيرة. لكن لا يبدو أن هذه الهجرة دائمة ومستقرة، حيث تغيرت وجهة استثمارات المشاريع إلى آسيا مدعومة باستثمارات أميركية، حيث تفوقت إدراجات شركات الانترنت الصينية الجديدة في وول ستريت في العام الماضي على الأميركية. وتشير البيانات إلى أن معظم رواد الأعمال الأجانب يحزمون أمتعتهم للعودة إلى أوطانهم. وليس بالضرورة أن يكون ذلك بمثابة الأنباء السيئة للشركات الأميركية التي أصبحت بارعة في عبور الحدود الأميركية للاستفادة من الأسواق الجديدة واستهداف العمالة الرخيصة والمواهب الهندسية المنتشرة في أماكن أخرى من العالم مما أضعف قوة ارتباطها بموطنها أميركا. لكن بالنسبة لأميركا نفسها، فإن مخاطر الخسارة في تقنيات المستقبل ستكون كبيرة جداً. ويقول بيل واتكينز أحد خبراء الكمبيوتر في أميركا “ما يصب في مصلحة حاملي الأسهم الأميركيين ليس بالضرورة أن يكون في مصلحة أميركا نفسها”. وكان تدفق رؤوس أموال المشاريع بمثابة شريان الحياة للابتكارات التقنية في أميركا خلال نصف القرن الماضي، حيث أصبح رواد أعمالها محسودين من رصفائهم حول العالم الذين لا يملكون من الأموال ما يكفيهم للبدء في مشاريع جديدة. ولكن هذه الصورة تغيرت الآن، حيث تواجه رؤوس أموال المشاريع في أميركا أكبر تحد لها منذ انهيار الفقاعة التقنية قبل عقد من الزمان. ولم تتعد رؤوس أموال المشاريع التي تم استثمارها في أميركا في العام الماضي سوى 12,3 مليار دولار، أي أقل من نصف ما كانت عليه قبل عامين. وبالتراجع الواسع النطاق في معدلات الأسهم الخاصة، من المنتظر أن يشهد تمويل المشاريع الأميركية الجديدة انكماش تاريخي. وفي ذات الوقت، تشكل الصين والهند جاذبية كبيرة لأموال المشاريع الجديدة التي تعود لأصحاب رؤوس أموال المشاريع الأميركيين الذين يبحثون عن الأرباح في مناطق أخرى، حيث يُوجه معظم هذه الأموال نحو رواد الأعمال العائدون لأوطانهم بعد ركود السوق الأميركية. واتجهت شركات المشاريع الأميركية بكل ثقلها نحو الاستثمارات في الصين في قطاعات مثل التقنية النظيفة حيث البيئة التشريعية في أميركا ليست مواتية لدعم الشركات المحلية. وقامت “فانتاج بوينت” واحدة من أكبر الشركات المستثمرة في هذا المجال، باستثمار نحو 100 مليون دولار في الصين في العام الماضي. وبدأ التحول يأتي ثماره بالفعل، حيث قامت شركة “سكويا كابيتال” الأميركية التي تعمل مع شركات مثل أبل وسيسكو وجوجل، بمزاولة نشاطها الاستثماري من خلال الصناديق المحلية في الصين والهند وغيرها. وبعدد الشركات الأميركية القليلة التي تسعى لإدراج أسمائها في البورصة، أصبحت الشركات الصينية وغيرها من الشركات الأخرى هي التي تقوم بالطرح المبدئي العام للشركات التي تدعم “سكويا كابيتال”. ويبدو أن ريادة أميركا في قطاع التقنية، أصبح فطرياً في وجدان الشعب الأميركي. وبفقدان الريادة في صناعة الالكترونيات لصالح آسيا في ثمانينات القرن الماضي، وتحول تقنية المعلومات إلى الهند في العقد الماضي، فإن الأبحاث والتطوير وأعمال التصاميم ذهبت هي الأخرى لمختلف دول العالم. وفي أسواق جديدة تماماً مثل الطاقة “الخضراء” بغض النظر عن استثمارات “سيليكون فالي” الكبيرة والشهادات العلمية الأميركية القوية، فقد بدأ مركز الجاذبية في التحول صوب آسيا. ويحذر خبراء القطاع من العرف السائد في أن الفرد الأميركي وملكة الإبداع التي تتحلى بها أميركا تضمن الريادة الأميركية في المستقبل، ليست سوى عرض واضح للغطرسة الإمبراطورية. وبتخلص الاقتصادات الناشئة من آثار الثراء المدمرة، فإن عزيمتها على النجاح تتفوق على أميركا بنسبة لا يمكن مقارنتها. كما لا تتميز هذه الدول عن غيرها بمصادر كامنة وتنساب فيها المعلومات والمواهب بحرية كاملة. يجدر بالذكر أن الأسباب التي أدت لفقدان أميركا للريادة مثل تراجع حصة إنفاقها على الأبحاث والتطوير العالمية، وعدم مقدرة نظامها التعليمي على تخريج عدد كاف من الطلاب القادرون على تلبية الطلب المحلي، استمرت لعدد من العقود. ويعود سبب القلق الحالي إلى الشعور بالتراجع في الوقت الذي يتقدم فيه الآخرون. كما لبزوغ نجم الصين على وجه التحديد، آثار نفسية جسيمة. لكن ولأسباب عدة ليس هناك ما يبرر هذا القلق. ويتساءل ناتان ماي هارفورد أحد الرؤساء السابقين في “مايكروسوفت” الذي يملك حالياً شركة “إنتيليكشوال فينشرس” واحدة من أكبر الشركات التي تملك محفظة استثمارية في براءات اختراع التقنية في العالم “لماذا الانزعاج إذا تطورت بلدان أخرى سواءً كان ذلك التطور حسياً أم فكرياً؟”. وبالرغم من كل هذه المخاوف، لا تزال أميركا تحتل موقعاً ريادياً من بين دول العالم، لكنه ليس بالكافي ليبدد تلك المخاوف. ويجد الأميركيون الآن أنفسهم في وضع غير المعتاد في ظل تطور الدول الآسيوية. وبما أن التراجع النسبي في حقيقته لا يزال متراجعاً، إلا أن هناك تخوفا متزايدا من أن يحل تراجع كلي في الوقت الذي تؤم فيه قطاعات عديدة من صناعة التقنية في أميركا، صوب الدول الأخرى. وينشأ التخوف من الرابط القوي بين التصميم والتصنيع الذي يميز تطور التقنيات الحديثة. ويصبح من الصعب تطوير النماذج ومراجعة العمليات الصناعية بدقة، عندما يتم تصميم وتصنيع المنتجات في مناطق مختلفة من العالم كل على حدة. ونتيجة لذلك، فقدت أميركا المقدرة على صناعة منتجات أكثر أهمية وتعقيداً. وفقدت آلة التصنيع الأميركية قوتها بالفعل لحساب دول أخرى. وفاجأت “أبلايد متيريالز” أكبر شركة للمعدات المستخدمة في صناعة الرقاقات في العالم، منافسيها الأميركيين في العام الماضي بإعلانها انتقال مديرها للتقنية إلى الصين ليكون قريباً من مصانعها هناك. كما يمثل فشل أميركا في تخريج عدد كاف من المهندسين ومن ذوي الخلفية الفنية المطلوبة، تهديد آخر مباشر والذي أصبح موضع شكوى متكررة لشركات التقنية. ويقول براد سميث المستشار العام لشركة “مايكروسوفت” “يمكن ملْ الشواغر من خلال المهاجرين على المدى القريب، لكن السؤال ما إذا كان ذلك سيدوم وأنه الصواب”. ولم تعد مقدرة أميركا لجذب المواهب مضمونة، خاصة أن الوظائف ذات الأجور المغرية متوفرة في البلدان الأخرى. وتركزت مخاوف المنافسة بشكل رئيسي على الصناعات الجديدة التي لم تؤل ريادتها العالمية لبد من البلدان حتى الآن. وتتركز هذه الضغوط بشكل ملحوظ على ما يسمى بالتقنية “الخضراء”. وتبنت الصين ودول أخرى سياسات تهدف إلى السيطرة على هذه الصناعات حتى قبل رسوخها. لكن أميركا لم تخسر الرهان حتى الآن، حيث نشرت حزمة من هذه الصناعات الجديدة في “سيليكون فالي”. كما وطنت نفسها في صناعات مثل السيارات الكهربائية وصناعات الطاقة الشمسية المتطورة وتخزين الطاقة. واستجابت إدارة الرئيس الأميركي أوباما للأصوات التي تنادي بمراجعة السياسة الخاصة بمثل هذه الصناعات، بالرغم من أنه لم يتضح بعد ما إذا كانت شركات التقنية الكبيرة مثل “إنتيل”، ستحصل على ما تطلبه. وربما في استطاعة “سيليكون فالي” الاستمرار كقوة جاذبة للمواهب الهندسية ورواد الأعمال في العالم. وأنه المكان الذي لا تزال تجتمع فيه أفضل العقول من دول مثل الصين والهند وأوروبا. وما نجاح موقع “فيس بوك” إلا دليل قاطع على أن الابتكارات الأميركية لا تزال بخير، وأن أميركا هي البوتقة التي ينصهر فيها الجميع. لكن للبلاد ككل، ليس من السهل ضمان ما يحدث في “سيليكون فالي”. نقلاً عن: فاينانشيال تايمز ترجمة: حسونة الطيب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©