الأربعاء 8 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

جيبوتي·· فن الطفو فوق قرن ملتهب

15 مارس 2007 03:02
عدت من جديد الى جيبوتي، بعد زيارتي الاولى لها قبل اكثر من عشر سنوات، ففي تلك الرحلة لم تكن ترتبط جيبوتي بخط طيران مباشر من دبي إلا من خلال رحلة يتيمة للطيران التنزاني حينها، وكانت هذه الشركة تخصص المقاعد الخلفية للطائرة لوجبات المسافرين التي تجلبها معها من مسقط قبل ان تتوقف في دبي لتواصل رحلتها باتجاه جيبوتي، وكانت المقاعد غير مرقمة بحيث يمكنك الجلوس اينما يحلو لك، هذا اذا وجدت مقعدك ولم يتطلب الامر تدخل الطاقم· فغالبية الركاب كان يضعون امتعتهم الاضافية فوق المقاعد تهربا من دفع رسوم العفش الزائد· تغير هذا الوضع الآن فهناك نحو ثلاث رحلات أو اربع اسبوعيا تربط المدينة حاليا بدبي· هذه المرة توجهت للسفارة الجيبوتية في ابوظبي لطلب تأشيرة دخول، فما كان من السفير إلا الرفض بحجة ان أي صحفي بحاجة الى موافقة مسبقة، فما كان مني الا التوجه مباشرة الى المطار والسفر الى هناك، ودخول جيبوتي اربع مرات من دون موافقة سعادة السفير، لعلمي بالاجراءات المتبعة في مطار بلاده· بل ان مؤمن بري رئيس تحرير الصحيفة العربية الوحيدة التي تصدر مرتين في الاسبوع ابدى استياءه من موقف سفير بلاده''البيروقراطي'' الذي فوت عليها فرصة الاستفادة مرور اعلامي عربي بأراضيها وهي تؤسس لشراكة تجارية مع الامارات، حيث تتولى هيئة موانئ دبي العالمية ادارة ميناء ومطار جيبوتي والجمارك فيها· حارس بوفيه المطار! في المرة الاولى لتوقفي في جيبوتي، كانت فترة الانتظار طويلة جدا ومملة امتدت لنحو تسع ساعات بانتظار الطائرة الاريترية التي ستقلني الى اسمرا، ولما كان ذلك اليوم خفيف الحركة ولا توجد طائرات قادمة او مغادرة، لم تنقض ساعة على وصولي حتى بدا المطار خاليا من الموظفين الذي هرعوا الى السوق للحاق بوصول القات الى الاسواق· ولم تمض دقائق اخرى حتى دب الملل في عاملة بوفيه المطار بصالة التزانزيت التي طلبت مني الاشراف على المكان لحين عودتها من مشوار سريع جدا استغرق اكثر من ساعة!· كانت تسليتي الوحيدة متابعة حركة الطائرات العسكرية الاميركية المروحية بعد مغادرة طائرة كبيرة من طراز جلاكسي، بينما ظلت طائرة ركاب فرنسية جاثمة في المطار، وعلمت من موظفة المقصف ان الطائرة كانت قد وصلت فجرا من باريس وستبقى حتى منتصف الليلة قبل ان تعود ادراجها الى باريس· يبدو ان فترة التزانزيت الطويلة للطائرة الفرنسية تجسيدا للعلاقة القديمة والطويلة لفرنسا في هذه البلاد التي عرفت قديما بأرض الصومال الفرنسي، حيث بقت فرنسا فيها لأكثر من150عاما في ذروة سباق النفوذ والمصالح بين بريطانيا التي كانت في عدن وفرنسا في هذه البلاد· مع اقتراب وصول الطائرة التي ستقلني وقد كانت الوحيدة في تلك الليلة دبت الحركة من جديد في المطار وعادت موظفة السوق الحرة لفتح الكشك المجاور والذي يمكن اطلاق سوق حرة عليه تجاوزا·كما دبت الحركة في بقية اوصال المطار الذي غادرناه تحت جنح الظلام مع عدد من الركاب لم يتجاوز اصابع اليد الواحدة على الطائرة التركية المستأجرة لحساب شركة الطيران الاريترية التي قيل انها قامت بدورها بتأجير واحدة من طائرتيها الاثنتين للخطوط الجوية السودانية!· بعد اربعة ايام من توقفي في مطار جيبوتي، عدت اليه هذه المرة لدخول البلاد '' ترانزيت'' لمدة يومين في انتظار الرحلة التالية التي ستقلني الى ارض الصومال·كان علينا تعبئة استمارات باللغة الفرنسية لدخول دولة عضو في الجامعة العربية، وبعد انتظار الضابط المخول بالتوقيع ودفع رسم التاشيرة المقرر وقدره20دولارا اميركيا او ثلاثة آلاف فرنك جيبوتي، سمح لي بالدخول، كان معي بريطانيا بحاجة هو الآخر الى تأشيرة مزودجة الدخول قيل له ان جوازات المطار لا تمنح إلا تاشيرة فردية الدخول، وكل ما عليك فعله دفع الرسم في كل مرة!· سحبت حقيبة امتعتي واتجهت الى بوابه الخروج من دون ان يعترضني احد،وعند البوابة الخارجية وجدت سيارة اجرة مهترئة زحفت بي نحو المدينة التي بدا كما لو أنها استيقظت للتو، في الطريق كان مجموعة من الجنود الفرنسيين يركضون وهم يمارسون تمارينهم الصباحية، عند تقاطع مغبر لمحت سيدة اوروبية واقفة مع صغيرها في انتظار حافلته المدرسية· ابلغت السائق رغبتي المرور بأحد محال الصرافة لتغيير بعض العملة، قال لا مشكلة اقبل بأي عملة لديك من دولار او يورو او حتى بر اثيوبي، فقلت له بل انا في حاجة لتغيير العملة لسداد اجرة غرفتي ايضا بالفندق الذي سأبيت فيه، كانت السيارة ترتجف وهي تسير بنا بسبب كسر قال سائقها انه ضرب احد مفاصلها· وبين الطرقات المزدحمة توقف بي في سوق صاخبة تفترش النساء حوافها وهي يقمن بتبديل كل العملات الصعبة والسهلة في العالم· قمت بتغيير حاجتي من العملة المحلية لنواصل سيرنا نحو الفندق الذي يقع وسط الحي التجاري القديم، والذي كنت قد اقمت فيه خلال زيارتي الاولى· وقد كانت من مزاياه وجود محطة لسيارات الأجرة أمامه تجعل أي جهة في المدينة في متناولك، ناهيك عن سيارة كبيرة للشرطة تتواجد على مدار الساعة يلقى الى داخلها كل من تسول له نفسه اقلاق راحة عشرات الجنود الفرنسيين والاميركيين والالمان الذين تعج بهم المنطقة التي تزخر بالمطاعم والحانات والاندية الليلية· أكثر ما يضايق الزائر لجيبوتي الى جانب طقسها الحار هو هذا الغلاء الجنوني الذي تتميز به، ويجعل الفرنك والدولار يتبخر من بين يديك·طلبت من سائق احدى سيارات الاجرة من امام الفندق ان يقلني الى احد المطاعم العربية فأوصلني عبر دروب المدينة القديمة الى مطعم يقدم السمك المشوي الذي عليك ان تشتريه بعد تفاوض مع البائع الذي سيضيف قيمته الى الفاتورة بعد ان يبلغ الجالس خلف الخزينة· كان المطعم يعج بعشرات الرواد من الاهالي وغيرهم من باقي الجنسيات، وقد بدا الجميع في عجلة من أمرهم للحاق بساعات تخزين القات الذي يردهم بالطائرة مباشرة من اثيوبيا المجاورة· تناولت وجبتي بتأن فقد طلبت من السائق ان يعود بعد نصف ساعة ليعيدني للفندق عبر تلك الدروب المتربة والمغبرة وعند احد الجوانب اجتزنا سوق القات بصعوبة وسط الازدحام الشديد· وامضيت بعد الظهر في غرفتي ادون مشاهداتي وقد قررت تناول العشاء في مطعم مجاور لأكتشف ان كل الابواب المغلقة التي مررت بها نهارا لم تكن سوى مطاعم واندية ليليلة، وان المدينة عاشقة لليل ورواده الذين كانوا من مختلف الملل والاجناس في صدارتهم الفرنسيون والاميركيون والالمان والاثيوبيات!· عدت ادراجي ماشيا الى غرفتي بعد ذلك العشاء الايطالي الدسم، فرحلتي صباح اليوم التالي كانت مبكرة، حيث استيقظت مبكرا لأترك حقيبتي في امانات الفندق واصطحب حقيبة اصغر الى محطتي التالية في القرن الافريقي، على ان اعود الى جيبوتي بعد يومين او ثلاث· مقر القيادة الأميركية ومنذ استقلالها عن فرنسا حرصت جيبوتي سواء في عهد اول رئيس لها الراحل حسن جوليد ابتدون، والرئيس الحالي الذي خلفه اسماعيل عمر جيله على البقاء على مسافة واحدة من كل الفرقاء والدول المتنافرة في هذا الاقليم المضطرب ، ونجحت بصورة لافتة في اجادة فن الطفو فوق ازمات المنطقة والابحار بعيدا عن توتراتها بل والاستفادة من هذه الازمات كونها الوحيدة ذات الاقتصاد المنفتح على الكل· المرة الوحيدة التي اقتربت فيها من المستنقع الصومالي كان من خلال مؤتمر عرتا الذي افرز الآلية التي اوصلت الرئيس الصومالي السابق عبدالقاسم صلاد للحكم لفترة انتقالية عجزت حكومته عن السيطرة على خارج الحي الذي اقامت فيه في العاصمة مقديشو، وذلك بفعل سطوة أمراء الحرب· وابرز عرقيتين في جيبوتي هم الصوماليون من قبائل العيسى وقبائل العفر، وبحكم تقسيمات الحكم فالرئيس يجب ان يكون من العيسى ورئيس الوزراء من العفر· والى جانب القاعدة العسكرية الفرنسية التي يعود تاريخها لنحو مئتي عام، وتعد الاضخم خارج فرنسا تحتض جيبوتي مقر القوة الاميركية المشتركة مع ألمانيا وعدد من الدول الاوروبية الاخرى، وكذلك القيادة العسكرية الاميركية الخاصة التي قررت اميركا اقامتها في هذه البلاد· وعلى الرغم من الترتيب المسبق مع وحدة العلاقات العامة في القيادة المركزية للجيش الاميركي لزيارة هذه القاعدة التي تحمل اسم''كامب ليمونيير''، واتصالاتي المسبقة مع مسؤولة العلاقات العامة في المعسكر الرائد كيلي ثيوبوديو ،الا اننى لم اتمكن من زيارة القاعدة بعد ان ابلغني النقيب توني ويتمان من القسم ذاته في القاعدة ان قائدها الجنرال ريتشارد هنت ، ومسوؤلته النقيب المباشرة الرائد كيلي قد تم نقلها هي الاخرى في اطار تغييرات شاملة في قيادات الجيش الاميركي· وان علي العودة مرة اخرى الى جيبوتي ان كنت راغبا في لقاء القائد الجديد· نشرت الولايات المتحدة قوة صغيرة في البداية في منطقة القرن الافريقي، اطلقت عليها قوة الواجب لمنطقة القرن الافريقي، وامام توسع وتشعب المهام قامت بتوسيع مهام القوة ورفع عديدها، وبعد ان كانت مرابطة قبالة سواحل جيبوتي، اقامت قاعدة كبيرة في المعسكر الذي اطلقت عليه'' كامب ليمونيير'' وانتقلت اليه عام ·2003 وفي معرض تبريرها لإقامة هذه القوة قالت وزارة الدفاع الاميركية '' البنتاجون'' ان هذه القوة ستعمل بالتعاون مع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة على منع النزاعات وتعزيز الاستقرار الاقليمي وحماية مصالح الحلفاء والعمل معا للتصدي للتطرف· واعلنت انها ستعمل من خلال التدريبات العسكرية بين الجيوش والعمليات المدنية العسكرية من اجل تنفيذ مهام القوة المشتركة· ولكسر الحواجز مع شعوب المنطقة تقوم القوة ببعض المهام الانسانية كتوفير المياه الصالحة للشرب، وترميم وصيانة المدارس وةالطرقات والعيادات الصحية· والعمل في الوقت ذاته على المدى البعيد لصون الامن القومي للشعوب· واعلنت ''البنتاجون'' ان الفلسفة التي تقف وراء انشاء هذه القوة تكمن في توفير اجواء آمنة ومستقرة للشعوب الشريكة حيث يكون لكل هذه الشعوب حرية الاختيار والتعليم وتحقيق الرخاء للافراد لمنع وقوعهم فريسة للمنظمات والافكار الارهابية· وتعمل القوة على ضمان رفع قدرات الدول المشاركة من اجل تأمين سلامتها وأمنها الوطني لمافيه مستقبل وامن واستقرار منطقة القرن الافريقي· وضمت القوة في البداية1800عنصر من مختلف افرع القوات المسلحة الاميركية الى جانب عناصر مدنية، واخرى من البلدان الحليفة، وتتركز مناطق عملياتها في جيبوتي واثيوبيا واريتريا وكينيا وسيشيل والصومال والسودان· كما تمتد مهامها كذلك الى جزر القمر وموريشيوس وتنزانيا واوغندا· وتقوم القطع البحرية التابعة للقوة بتمشيط السواحل المقابلة للصومال بحثا عن عناصر ارهابية قد تسلل من والى الصومال، وبعضها تتهمه واشنطن بالوقوف خلف تفجير سفارتيها في دار السلام ونيروبي العام ·2000 كما شاركت طائرات القوة في توجيه ضربات جوية ضد عناصر ارهابية جنوبي الصومال في يناير ·2007 الاقتصاد·· والجغرافيا يرتبط اقتصاد جيبوتي بتجارة الترانزيت ونشاط الخدمات، بحكم موقعها الإستراتيجي المشرف على باب المندب وكونها منطقة تجارة حرة، كما أن اقتصادها يتأثر بحجم المساعدات الخارجية التي تقدمها المؤسسات الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ووكالة التنمية الدولية وبنك التنمية الأفريقي والدول المانحة خاصة: اليابان وفرنسا والمملكة العربية السعودية)· من جهة أخرى يعتمد الاقتصاد الجيبوتي اعتمادا كبيرا على وجود القوات الفرنسية، إذ تقدر المساهمة غير المباشرة لهذه القوات في الاقتصاد الوطني بحوالي 53 مليون دولار سنويا في بلد لا يتعدى دخله القومي 500 مليون دولار، ويستأثر قطاع الخدمات فيه بنسبة 75% من إجمالي الدخل القومي· تبلغ مساحة جيبوتي 23,200 كلم·2 عاصمتها مدينة جيبوتي التي حلت محل أوبوح كعاصمة للساحل الصومالي الفرنسي· وقامت بدور المنفذ التجاري الأهم لأثيوبيا· إلى جانب جيبوتي هناك أيضاً: مدينة علي صبيح: التي تضم نحو 50 ألف نسمة ومدينة تاجورا·يبلغ عدد سكان دولة جيبوتي حوالي 675 ألف نسمة· ويتوزع السكان بين قبيلتين كبيرتين: العفر أو الدناكل وهؤلاء يمتون بصلة إلى الإثيوبيين· والعيسى الذين يمتون بصلة الى الصوماليين· شىء من التاريخ علاقات القرن الأفريقي مع جنوب غربي شبه الجزيرة العربية علاقة موغلة في القدم · فقد نزحت قبائل سامية من جنوبي الجزيرة العربية في موجات متعاقبة عبر البحر الأحمر· انصهرت لتسهم في اقامة حضارة أكسوم· ومع مجيء الإسلام، كانت هذه االمنطقة احدى أول المحطات لنشر الدين الجديد بين القرن الثامن والعاشر حيث شكلوا سلطنات وممالك إسلامية منها إمارة عدل التي يفخر أهالي جيبوتي بها لكونها إمارة أجدادهم بعد ان كانت دولة مسيحية قبطية قد تكونت على المرتفعات عرفت بـ الامبراطورية الحبشية · بقيت هذه المناطق معزولة لمدة قرون إلى أن بدأ التوسع الأوروبي الاستعماري يتجه نحوها· وبعد افتتاح قناة السويس عام 1869 أصبحت هذه السواحل محط تنافسً الأوروبيين· وكانت بريطانيا قد ظهرت كقوة بحرية كبيرة بعد هزيمة نابليون في معركة واترلو ·1815 و بدأت بتدعيم المواقع والنوافذ التي تتحكم بالبحر الأحمر وطريق الهند فأسرعت إلى شراء جزيرة في مدخل خليج تاجورا بجيبوتي· وبعد احتلال بريطانيا لمصر بعامين 1884 احتلت ميناءي زيلع وبربرة وأتبعتهما بمحمية الصومال 1827م· وفي العام الذي احتلت فيه بريطانيا عدن ارسلت فرنسا إحدى بوارجها بهدف السعي لشراء قطعة أرض على ساحل أفريقيا الشرقي· وقد تمكنت في عام 1862 من اقناع زعماء العفر (الدناكل) في جيبوتي ببيع ميناء أوبوح على الساحل الشمالي لخليج تاجورا· وتوسع الفرنسيون بعد ذلك نحو بقية الأراضي التي تشكل جمهورية جيبوتي الآن· وفي عام 1892 اتخذ الحاكم الفرنسي للمستعمرة قراراً بالبدء في تشييد مدينة جيبوتي التي أصبحت مقراً للإدارة الاستعمارية الفرنسية· وأصبحت هذه المستعمرة تعرف باسم الصومال الفرنسي منذ عام 1896م· وبقي هذا الإسم متداولاً حتى 3 يوليو 1967 حين أطلقت الادارة الفرنسية عليه اسم الاقليم الفرنسي للعفر والعيسى ·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©