الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصينيون قلقون بشأن المستقبل

5 نوفمبر 2013 22:34
فريد حياة محلل سياسي أميركي نظراً لأنني سافرتُ إلى العاصمة الصينية بكين الأسبوع الماضي بعد الإغلاق الجزئي للحكومة الفيدرالية الأميركية، وفي وقت كان فيه شبح التخلف عن تسديد الدَّين يلوح في أفق واشنطن، كنتُ أتوقع أن أجد شعوراً عالياً بالثقة في صعود الصين الحتمي في النهاية كأعظم قوة في العالم. ولكنني لم أجد شيئاً من ذلك. هنا، بعض الناس يجدون متعة في متاعب وصعوبات الديمقراطية في الولايات المتحدة؛ وبعضهم يذرف دموع التماسيح على تراجع أميركا وفشل أوباما في المشاركة في قمة عقدت في آسيا مؤخراً. ولكن بغض النظر عن آراء الناس حول أميركا، فإن اللافت في حالات كثيرة هو حالة عدم اليقين التي تستبد بهم، وأحياناً التشاؤم بشأن مستقبل الصين نفسها. وأنا لا أقصد هنا طبعاً اللازمة المعروفة التي تقول إن الصين على رغم أنها حلت محل اليابان كثاني أكبر اقتصاد عالمي ما زالت بلداً نامياً. فذاك لطالما كان موقفاً ثابتاً للجهات الرسمية في الصين؛ وهو موقف يمتاز بكونه صحيحاً ومناسباً في آن معاً. فهو صحيح لأنه حتى بعد وقت طويل على تجاوز الاقتصاد الصيني للاقتصاد الأميركي، سيظل الناس هنا أكثر فقراً في المتوسط؛ وهو مناسب لأنه يمكن أن يُستعمل لصرف الدعوات التي توجه للصين من أجل مساهمة أكبر في مهام حفظ السلام، ومواجهة معضلة تغير المناخ، وقضايا عالمية أخرى. ولكن ما أقصده هنا هو شعور مترسخ بالقلق بشأن اجتياز المراحل المقبلة للنمو. ففي مقابلات وحوارات غير رسمية نُظمت لي برفقة ثلاثة صحفيين آخرين من قبل «لجنة المئة»، وهي منظمة أميركية غير ربحية تعنى بالتفاهم الأميركي - الصيني المتبادل، طفا على السطح موضوعان رئيسيان: الأول مؤداه أن «الجزء السهل انتهى»، والثاني أن: المراحل المقبلة من الإصلاح الاقتصادي ستتوقف على الإصلاح السياسي الذي قد لا يكون البعض مستعداً لاجتراحه أو قادراً عليه. وإحدى نتائج ذلك هي حقيقة أن مليارديرات الصين، ولكن أيضاً، وبشكل متزايد، الطبقة الوسطى الجديدة، أخذوا يتحوّطون تحسباً للمستقبل، حيث يفكرون في الحصول على جوازات سفر أجنبية وكذلك تحويل الأموال إلى الخارج. والواقع أن التحديات الراهنة مفهومة جيداً. فبعض الناس يضطرون لتقديم رشاوى لمعلمي أطفالهم من أجل تأمين مقعد في مقدمة الفصل الدراسي ورشاوى لرؤسائهم في العمل من أجل الحصول على ترقية. وربما أصبحت السلطة السياسية تذكرة للاستفادة المادية، حيث أفادت مجلة «ذي إيكونوميست» البريطانية مؤخراً أن أغنى خمسين عضواً في الكونجرس الأميركي لديهم ثروة تبلغ 1,6 مليار دولار، في حين راكم نظراؤهم الصينيون الخمسون ثروة تناهز 95 مليار دولار. صحيح أن الحزب الشيوعي تعهد باجتثاث الفساد. ولكن الشرطة والقضاء يخضعان للحزب. وفي يوم الثلاثاء الماضي، اتخذت الشمس، عندما كانت مرئية، شكل قرص ضوء برتقالي غريب خلف الضباب الدخاني. يذكر هنا أن الناس في بكين ومدن أخرى كثيرة يرفضون ترك أطفالهم يلعبون في الخارج خوفاً من الهواء الملوث، كما يخافون من الأنهار الملوثة والمواد الغذائية المغشوشة. ومرة ثانية، يتعهد الحزب بالإصلاح. ومرة أخرى، تصعب معرفة ما إن كان هذا الإصلاح سينجح طالما أن الملوِّثين الذين لديهم علاقات مع الجهات النافذة ليسوا مضطرين للخوف من القانون. والأكيد أن الصين في حاجة إلى الانتقال من اقتصاد مقلِّد يسعى للحاق بالاقتصادات المتقدمة إلى اقتصاد يقوم على الابتكار. ولكن هل من الممكن أن يكون لديك ابتكار حقيقي في مجتمع يخضع فيه الإعلام للتحكم، والكتب للرقابة، والمدوِّنون، وإن كانوا يتمتعون بحرية أكبر، يعاقبون أو يتم إسكاتهم إن هم حادوا عن الخط المرسوم لهم؟ كما أن الصين في حاجة إلى نظام تنمية وتخطيط حضري أكثر عقلانية في وقت يتدفق فيه أكثر من 10 ملايين نسمة على المدن القديمة والجديدة. ولكن بدون حقوق الملكية، فإن نزوات بعض المسؤولين المحليين يمكن أن يلعبا دوراً أكبر من التخطيط الحضري أو الاقتصادي في تحديد أين وكيف تحدث التنمية. ثم إن هناك شعوراً لدى البعض بانعدام المساواة. وهناك التحديات الديموغرافية غير المواتية: فنظراً لتحسن الظروف المعيشية وطول أمد الحياة وسياسة الطفل الوحيد المفروضة، سيكون لدى الصين عدد أقل من العمال لإعالة مزيد من المتقاعدين. والواقع أنه منذ انتهاء ثورة ماو تسي تونج الثقافية الصعبة في عام 1977، حقق زعماء الحزب أشياء مذهلة. ذلك أن عدداً كبيراً من الناس خرجوا من إسار الفقر خلال فترة قصيرة من الوقت، على نحو غير مسبوق في تاريخ العالم الحديث. كما أن الصينيين باتوا أيضاً يتمتعون بحريات شخصية ورخاء اقتصادي إلى درجة لم يكن ماو تسي تونج نفسه ليتخيلها أبداً. وتمكنوا كذلك من بناء اقتصاد عملاق، بكل المقاييس. ولذلك، فإنه من غير الإنصاف وصف كل ذلك بأنه «الجزء السهل» من القصة. ولكن من الإنصاف أيضاً، يقول كثير من الصينيين، التساؤل حول ما إن كانت سلطة الحزب الوحيدة التي أوصلتهم إلى هذا المستوى ستستطيع التعاطي مع التحديات الأكثر تعقيداً التي يواجهونها اليوم. وهذا لا يعني أنهم يرغبون في ديمقراطية فورية متعددة الأحزاب؛ ذلك أن الخوف من زعزعة الاستقرار مترسخ في البلاد، وعلى نحو يمكن تفهمه بالنظر إلى تاريخ الصين. غير أن كثيراً من الناس يقولون إنه ينبغي أن يكون ثمة نظام للفصل بين السلطات ومراقبة بعضها لبعض، والمحاسبة، والشفافية، وحكم القانون. وزعماء الحزب، الذين يتذكرون انهيار الاتحاد السوفييتي، يخشون أن يؤدي سحب خط واحد إلى حل كل شيء. وقد حاول «شي»، خلال عامه الأول في الرئاسة، الضبط سياسياً وتوسيع الإصلاحات اقتصادياً. ولكن لا أحد يعرف ما إن كان هذا هو الطريق الذي اختاره للعقد الذي سيمضيه في الحكم على الأرجح أم أنه مجرد مقدمة، ريثما يعزز سلطته، لاجتراح مقاربة مختلفة. وفي هذا الأسبوع، سيعقد زعماء الصين اجتماعاً من المتوقع أن يقدم بعض العناصر المساعدة على الفهم. والأكيد أن الشعب الصيني، سيراقب باهتمام وقلق لرؤية ترجمة لما يدور في أذهانهم. ينشر بترتيب خاص مع خدمة واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفيس
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©