الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

فكر طه حسين يكتسب راهنيته من عقلانيته وحيويته المستمرة

فكر طه حسين يكتسب راهنيته من عقلانيته وحيويته المستمرة
5 نوفمبر 2013 23:33
محمد وردي (دبي) ـ اختتمت فعاليات اليوم الثاني، من الندوة التي أقامتها “مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية”، بمناسبة مرور أربعين عاماً على رحيل عميد الأدب العربي طه حسين مساء أمس الأول، برؤى استقرائية جديدة، تستلهم تجربته الإبداعية في مختلف الأجناس الأدبية . وقال عبد الحميد أحمد عضو مجلس أمناء مؤسسة العويس الثقافية رداً على سؤال لـ“الاتحاد” عن دواعي استعادة طه حسين في الوقت الراهن، إن المنجز الإبداعي لعميد الأدب العربي مازال يكتسب راهنيته من حيويته، في مسألة النزاع الثقافي بين التقليديين والمجددين، لجهة طرح الأسئلة العقلانية، التي تتناول الأزمات العربية بالصميم. لذلك لا بد من تقديمه من جديد بقراءات جديدة لإرثه التنويري في ذكرى رحيله الأربعين، ليطلع جيل الشباب على أحد الرموز المضيئة في حركة التنوير العربي. وأدارت الجلسة الأولى الدكتورة نورية الرومي مؤكدة على حيوية البحث في إرث طه حسين، لما ينطوي عليه منجزه الابداعي، من مقاربات علمية ونقدية فذه، لأزمات المجتمع العربي، فضلاً عن الجماليات الفنية والأسلوبية والفلسفية في نصوصه الأدبية مثل “الأيام” و”دعاء الكروان” وغيرها. ثنائيات متقابلة وتناول الدكتور مدحت الجيار، الجانب السجالي بمسيرة العميد، في بحث بعنوان “معركة العقاد وجماعة الديوان”، مؤكداً أنه امتداد للمنازلات الفكرية، التي وسمت القرن التاسع عشر، واستمرت حتى جيله برقي، نفتقده اليوم في الساحة الثقافية العربية. ومع ذلك يلاحظ الجيار أن طه حسين ثابر على التوليف أو التوفيق بين ثنائيات عدة متناقضة، فإلى جانب التقابل في مجال النقد الأدبي بين ماهو موضوعي وماهو ذاتي، كانت هناك ثنائيات أخرى مثل الفرد مقابل المجتمع، والشرق في مقابل الغرب، والعلم في مقابل الدين. واستمر على ذلك خلال مراحل حياته، سواء التعليمية في الأزهر الشريف، أو أوروبا، أو ما تلاها من تجاربه العملية والإبداعية المختلفة. ويقول الجيار إن معارك المازني تميزت بسمتي التنوع والحِدة على العموم، في حين تميزت معاركه مع طه حسين بخصائص: المداورة والامتداد والحدة، ولكنها على الدوام لم تصل إلى السفاهة أو القطيعة. أما معركة” السكسونية واللاتينية”، بين العقاد وطه حسين، فلم تخرج عن الرقة والمنطقية والإعجاب المتبادل، الذي أبداه كل منهما بالآخر على صفحات الجرائد والمجلات، رغم المناوشات النقدية، وتبادل “اللكمات” الثقافية بين الحين والآخر. أما الدكتور محمد شاهين فاستهل دراسته المعنونة “الأيام وموقعها في أدبيات العمل الروائي” بالمآخذ التي سجلت على “الأيام”، معتبرا أن دراسة إبراهيم عبد الدايم “ترجمة ذاتية” نموذجاً مكتملاً عن النقاد الذي يبخسون حق طه حسين في التجديد والإبداع، حينما وسم “الأيام” بأنها لم تحقق أهم متطلبات الترجمة الذاتية، وهي صيغة الحاضر بدل الغائب. فعالج شاهين هذا الرأي نقدياً، مستدلاً بأول تجربة روائية بهذا الجنس Wilhelm Meister لغوتة، فاعتبر أن مصطلح BILDUNGSROMAN يعني في المقطع الأول BUILDING التطور، أو النمو، أو التحول، أو النضج من خلال التجربة، والمقطع الثاني رواية. وهذا ما فات عبد الدايم، ولو عاد إليه لوفر على نفسه هذا العناء. الوصفي والتقويمي في حين تناول الدكتور صالح الغامدي في دراسة بعنوان “الوصفي والتقويمي في رؤية طه حسين للثقافة العربية” فيقول إن الأسئلة التي تثيرها كتابات طه حسين، تقصد الكشف عن الثقافة من حيث هي مادة معرفية، ومن حيث هي فعل ثقافي. ويرى أن مادة المعرفة التي تنتج عن الثقافة كامنة لدى طه حسين في جهد التأريخ لها والوصف والتحليل، أي أنها مادة لمعرفة المؤلفين وبيئاتهم وعصورهم ولمعرفة الثقافة في قيمها ونماذجها ومعانيها وأشكالها. أما مادة الفعل الثقافي فهي ما ينطوي عليه وصف طه حسين وتاريخه وتحليله للمنتجات الثقافية من قيمة تتمايز بها الثقافات ويتمايز بها المثقفون وتتمايز بها العصور والبيئات. ويعتبر الغامدي أن الأهمية التي يشكلها طه حسين في هذا الصدد يمكن حسابها بكثافة جهده واتساعه، وبإلحاحه على المنهجية، وبجرأته وصلابته في مواجهة بيئة تقليدية كسولة وعدوانية تجاه المقولات المغايرة للمألوف في دراسة الثقافة والأدب. من جهتها، تتناول الدكتورة عفاف البطاينة بدراستها موضوعة “المرأة بفكر طه حسين” فتنطلق من أربعة مرتكزات، هي: مقالات “الهداية” خلال المرحلة الأزهرية، وكتب “المعذبون في الأرض” و”دعاء الكروان” و”ما وراء النهر” و”من بعيد” و”الأيام”، وكذلك من مواقفه خلال عمادة كلية الآداب ولاحقاً في وزارة المعارف، وأيضاً مما كتبه عن شخصيات نسائية التقى بها أو عرفها مثل مي زيادة ونبوية موسى وسارة برنار وبينلوب ملكة جمال العالم وغيرهن. الأخطاء الملهمة أما الجلسة الثانية التي أدارها عبد الإله عبدالقادر، فتحدث فيها الدكتور مجدي توفيق عما سماه “الأخطاء الملهمة لطه حسين” مستهلا بحثه بتوضيح مفهوم القراءة بصورة علمية، ليميزها عن القراءة “الحاجزة” التي تضع الحدود والحواجز النفسية بين النص والمتلقي، تحت دثار ديني أو اجتماعي، مثلما فعل إبراهيم شكري بكتاب “في الشعر الجاهلي”، ما أدى إلى طرح القضية في البرلمان، عبر النائب عبد الحميد البنان وتبين لاحقاً أنه هو من دبر ذلك بغرض تدمير طه حسين اجتماعياً وطرده من وظيفته وقطع مصدر رزقه. بينما أكد الروائي طالب الرفاعي بدراسته أن “طه حسين وصل بأفكار معاصرة” إلى مفهوم العولمة، مستندا بذلك على كتاب العميد “من حديث الشعر والنثر”، الذي يتطرق به إلى أهم العناصر التي تحدد علاقة اللغة بالشعر والنثر، شكلاً ومضموناً، جاعلة من نصٍ ما نصاً إنسانياً عالمي النكهة، كما يأتي على بيان قدرة اللغة الحية على احتواء ثقافة الآخر. وبلغة العصر الراهن، عصر ثورة المعلومات والاتصال والفضاء المفتوح، يرى الرفاعي أن عميد الأدب العربي يقرر أن أهم قيد يقيّد الفكر والأدب شعراً ونثراً إنما يكمن في حبس وتقييد حرية العقل والتفكير. أسئلة العلمنة من جهته يتناول الباحث محمد جمال باروت في دراسة بعنوان “طه حسين وأسئلة العلمنة إبيستمولوجياً ـ قراءة في مقالة العلم والدين” للعميد، ما سماه “الترسيمة الإصلاحية الإسلامية”، معتبراً أن حسين قاربها بقدر ما مثَّل قطيعة معها. ويعتقد باروت أن القطيعة تمثلت في تقويض نزعة أسلمة المعرفة المبكرة، التي عبرت عنها “توفيقية/ تلفيقية تلك الترسيمة” بين الدين والعلم، وإرساء أسئلة أولى في منهج النظر الإبيسمولوجي للعلاقة بينها، بوصفهما ينتميان ليست إلى طبيعتين مختلفتين لكل منها قوانينها الذاتية المعرفية المستقلة فحسب، بل متعارضتين ومتناقضتين أيضاً، ولاسيما حين يتم تدخل السياسة في النزاع بينهما. وقالت الدكتور فاطمة الصايغ عضو مجلس أمناء مؤسسة سلطان العويس الثقافية رداً على سؤال ل”الاتحاد” لماذا طه حسين الآن؟ إن عميد الأدب العربي هو أحد أهم رواد حركة النهضة، واستحضاره بهذا الوقت، يعني أننا نواجه ردة إلى الوراء، وخصوصاً لجهة تصاعد الأصوليات والتطرف، الذي يدفع بواقعنا العربي لإلى حافة الهاوية. وحول انطباعاتها عن جلستي اليوم الأول من الندوة قالت الصايغ إن الإضاءات الجديدة على فكر طه حسين كانت غنية من دون شك، وتشعر أن مؤسسة سلطان بن علي العويس تضيء على الرموز والقضايا، التي تمثل علامة ثقافية في الواقع الراهن، وتقوم بدور كبير في رسالة التنوير والتخلص من كل المعيقات في مسيرة المجتمعات العربية عموماً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©