الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

انتخابات أوكرانيا.. الديمقراطية الغامضة

1 نوفمبر 2015 23:04
بعد مرور أقل من عامين على إطلاق الأوكرانيين لثورة الكرامة، انتهت الانتخابات المحلية التي نظمت السبت الماضي إلى تركيز السلطات في الجنوب والشرق بأيدي مؤيدي الرئيس المعزول «فيكتور يانوكوفيتش»، وأفرزت أيضاً مجموعة من الكُتل والأحزاب القومية المتعصبة في عدد من المجالس التشريعية المحلية بما فيها مجلس العاصمة كييف، وكرّست التراجع المتزايد للثقة بأداء النخبة السياسية التي اتضح أن الثورة لم تغير من طبيعة ممارساتها إلا القليل، وكشفت عن أمة خائبة الأمل بالمستقبل، لا تزال تعاني من الانقسام عبر الخط الفاصل بين الشرق والغرب. وهذه الانتخابات ذات أهمية كبيرة بالنسبة لأوكرانيا. وكان الرئيس الحالي «بيترو بوروشينكو» يأمل بالتخفيف من قيود المركزية الإدارية في البلد عن طريق منح المزيد من السلطات والقوة السياسية للمدن والحواضر وتشجيعها على تحديد وتوزيع ميزانياتها المالية بقدر كبير من الاستقلالية. وتعمل أوكرانيا الآن على التخلي عن نظام التعيين الجائر لحكام الأقاليم من طرف الحكومة المركزية في كييف، وإعادة السلطة إلى المجالس التشريعية المحلية المنتخبة في محاولة منها للتخلّص من النموذج السوفييتي الذي يكرّس المركزية السياسية لحكم الدولة، والتحول إلى نظام الدولة الأوروبية العصرية التي يتم حكمها من القاعدة إلى القمة. وهي من دون شك فكرة جيدة لولا أن جماعات المتنفذين ومشاهير الفاسدين يصدّون عنها ويقفون حائلاً أمام تنفيذها. وتتعرض أوكرانيا الآن لمخاطر التحوّل إلى حالة الانقسام والتشرذم التي كانت سائدة فيها خلال العصور الوسطى بدلاً من نظام الحكومة التي تشجع الحكم الذاتي على الطريقة الأوروبية. ولقد زادت الانتخابات الأخيرة هذه المخاطر بروزاً ووضوحاً. وقبل عام مضى، حاز انتخاب أول برلمان لما بعد الثورة على الكثير من الترحيب. وبدا وكأن العصاة من فلول حزب «يانوكوفيتش» الذين كانوا يحكمون الأقاليم قد اختفوا عن المسرح. وفازت كتلة المعارضة بالأغلبية حتى في الأقاليم الشرقية الناطقة بالروسية، ولكن بفارق ضئيل لا يتعدى 10 بالمئة، وبما يدل على أن نفوذها هناك بقي محدوداً. وفشل حزب «سفوبودا» اليميني المتطرف في دخول البرلمان، بما يوحي بأن الناخبين الأوكرانيين يرفضون فكرة التعصب القومي. وأثبت النصر الذي حققه حزبا كل من رئيس الوزراء «أرسيني ياتسينيوك» و«بوروشينكو» أن الأوكرانيين يدعمون الإصلاحيين ويؤيدون التوجّه الأوروبي. ولقد كُتب للحماس الذي أظهره الأوكرانيون لثورة التغيير أن يتلاشى عندما اتضح أن اقتصادهم يعاني من الانكماش، وأن الاستغلاليين وأمراء الفساد ما زالوا يمارسون نشاطاتهم على الساحة، وأن معظم المناطق المجاورة لمدينتي «دونيتسك» و«لوهانسك» ما زالت في قبضة الانفصاليين المؤيدين لروسيا. وبات من الواضح الآن أن كتلة المعارضة الرئيسية، إلى جانب الأحزاب المعارضة الإقليمية الصغيرة، حققت نتائج أفضل من التي حققتها العام الماضي. ويبدو أن الأوكرانيين صوتوا في بعض المدن لمصلحة «النُخب الفاسدة» ذاتها التي حكمت أوكرانيا خلال السنوات الخمس والعشرين التي انقضت على استقلالها، وبما يوحي بأنهم لا يثقون بالأفكار الإصلاحية التي تطرحها الحكومة. وتبدو هذه الحقائق ماثلة بوضوح في المدن الأوكرانية التي تحتل المراتب الثانية والثالثة والرابعة من حيث عدد السكان والأهمية في ميدان العمل والتجارة وكمراكز صناعية، وهي: «خاركيف» و«أوديسا» و«دنيبروبيتروفسك». وهي التي حققت فيها كتلة «بوروشينكو» نجاحاً طفيفاً. ومن المتوقع أن يحظى حزبه بتأييد 18 بالمئة من أصوات الناخبين بعد أن كان يأمل بالفوز بنسبة 25 بالمئة من الأصوات، وكان قد فاز بنسبة 22 بالمئة في انتخابات العام الماضي. ورغم ما حدث، فقد كان لهذه «الديمقراطية الاعتباطية الأوكرانية» أن تقي البلد من التحول إلى دولة استبدادية قمعية على الطريقة الروسية. إلا أن الفساد ما زال يلعب دوره السلبي في تأزيم الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية في أوكرانيا. وقال مراقبون غربيون الاثنين الماضي إن الانتخابات أظهرت بشكل عام احترام الأوكرانيين للممارسات الديمقراطية فيما عدا بعض الحالات الشاذة، مثل تدخل المجموعات الاقتصادية القوية والنافذة في سير العملية الانتخابية، ودفع الأموال لتغطية تكاليف كل الحملات الانتخابية التي تكفلت بنقلها وسائل الإعلام. ولم يكن من المفاجئ للمحللين ألا تشهد تلك الانتخابات حماسة الناخبين في التوجه إلى مراكز التصويت رغم أن نسبة المشاركة التي بلغت 46.6 بالمئة تبدو معقولة وفقاً للمعايير الانتخابية السائدة في أوروبا والولايات المتحدة. ويبدو أن الأوكرانيين صوتوا في بعض المدن لمصلحة «النُخب الفاسدة» ذاتها التي حكمت أوكرانيا خلال السنوات الخمس والعشرين التي انقضت على استقلالها، وبما يوحي بأنهم لا يثقون بالأفكار الإصلاحية التي تطرحها الحكومة. ليونيد برشيدسكي* *محلل سياسي روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©