الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

كينيا ·· أزمات الجيران تبيض ذهباً!

16 مارس 2007 01:35
تمثل كينيا حالة فريدة في شرق أفريقيا،فهي الواحة التي اصطفاها الغرب لنفسه، وجعلها نموذجا للاستقرار والديمقراطية، على الرغم من هشاشة الأوضاع فيها، ولعل ابرز مثال على الحرص الغربي على استقرار الاوضاع في هذه البلدان تدخل قوات مظلية بريطانية لإحباط محاولة انقلاب عسكري في ثمانينيات من القرن الماضي، ورفع ايضا أسهم الاقلية الصومالية في البلاد نظرا للموقف الحاسم لقائد القوات الجوية آنذاك الجنرال حسين من الانقلابيين والذي لعب دورا كبيرا في افشال المحاولة، وكوفئ بتعيينه وزيرا للدفاع في اعقابها· كينيا التي هي خليط من الاعراق والاديان اصبحت الوجهة السياحية المفضلة في افريقيا للغربيين الذين تستهويهم رحلات السفاري الى الادغال، وارتياد الشواطئ والجزر الجميلة على سواحل في المحيط الهندي· وفي مرحلة من المراحل نجحت كينيا في استقطاب الاستثمارات الاجنبية رغم الفساد الذي اشتهرت به وتردي الاوضاع الامنية، حيث ينصحك كل من تلتقيه الا تبارح فندقك عند حلول الظلام·وخلال العقود الاخيرة اصبحث الازمات التي عصفت بدول الجوار الكيني لا سيما في السودان والصومال منجم ذهب للاقتصاد والاسواق في كينيا قبل ان اتوجه الى القرن الافريقي ذهبت الى ادارة الطب الوقائي حيث اخذت تطعيمات ضد الحمى الشوكية والحمى الصفراء، و الحبوب الخاصة بالملاريا، وفي مطار العاصمة الكينية نيروبي رفضت مسؤولة الحجر الصحي اقوالي بأنني قد اخذت التطعيمات اللازمة ما لم ابرز لها الشهادة الصحية التي كنت قد تركتها في حقيبة امتعتي· وبعد جهد جهيد وافقت على اصطحابي الى الحقيبة للتأكد من وجود الشهادة، لأنهي بعد ذلك الاجراءات السريعة في المطار الذي يعد اكثر مطارات المنطقة ازدحاما· وعلى امتداد الطريق من المطار الى المدينة تلمس الاجراءات الاستثنائية المتخذة من قبل المحال والدور السكنية بسبب تدهور الاوضاع الامنية، وكانت لا زالت ماثلة في الاذهان مقتل اميركية وابنتها رفضتا الانصياع لتهديدات مسلح بأن يتركا له سيارتهما، فما كان منه بكل بساطة إلا ان أرداهما قتيلين وفر بالسيارة، وبعدها بأيام لقي عامل غربي في مؤسسة إغاثية مصرعه بالكيفية ذاتها في وضح النهار بالعاصمة· بعد أن آويت الى غرفتي في ذلك النزل الذي يحمل اسما بريطانيا تذكرت انني لم اقم بشراء مياه معدنية لزوم تنظيف الاسنان عند الاستيقاظ، فالتحذيرات الصحية تؤكد على عدم صحية وسلامة مياه الانابيب هنا، فقمت بتغيير مبلغ ضئيل وتوجهت الى محال بقالة قريب كان قد بدا في تصفيد محله بالسلاسل مع دنو موعد اغلاق المحال التجارية في الخامسة عصرا·في كل خطوة كان لساني يلهج بالحمد والشكر للخالق على ما انعم به عليه من نعمة الامان· الأزمات·· سرالازدهار قبل أكثر من أربعة عشر عاما كنت في انتظار طائرة صغيرة تابعة للصليب الاحمر في مهبط ترابي جنوبي العاصمة الصومالية مقديشو لتقلني عائدا الى نيروبي، عندما هبطت قال لي المسلح الصومالي الذي كان يرافقني انها تحمل مواد كمالية ورفاهية للموظفين الاوروبيين اكثر من الادوية للمحتاجين الصوماليين، كان الرجل يبالغ بعض الشيء ولكن ما قال عكس نظرته وكثير من الصوماليين للمنظمات الدولية الاغاثية والامم المتحدة التي اتخذت من كينيا المجاورة مقرا لها لإدارة عملياتها في الصومال· وبعد كل هذه السنوات لا زالت نظرة الصوماليين لكينيا لم تتغير بأنها الدولة الاكثر استفادة من كل المصائب التي حلت بهم، مما دفع بحسن ابشر نائب رئيس الوزراء الصومالي لاتهام الامم المتحدة علنا بأنها تعيق المصالحة الصومالية، وتفضل ادارة الشؤون المتعلقة ببلاده من كينيا، ونسي الرجل ان الحكومة الصومالية الحالية خرجت من شرعية مؤتمر نيروبي الذي استمر عامين كاملين، وان هذه البلاد تأوي أكثر من 50ألف لاجئ صومالي في المعسكرات، ناهيك عن آلاف آخرين أقاموا '' صومال صغرى'' في ضاحية من نيروبي ''ايسلي'' حيث التجارة المزدهرة في كل انواع الممنوعات والمهربات·ونسي الرجل ايضا ان صوماليي نيروبي يتحدثون عن فضيحة شراء رئيس الوزراء علي محمد قيدي لمنزل الزعيم السوداني الراحل جون قرنق واعادة تأجيره للامم المتحدة التي خصصته مقرا لقيدي نفسه عندما يتواجد في نيروبي التي اطلق منها الاربعاء الماضي نداء للمجتمع الدولي لتوفير42مليون دولار للمساعدة في تحسين الاوضاع الامنية المتردية في مقديشو· ويسعى قياديون صوماليون لنقل مركز الثقل في تعاملاتهم الدولية الى حلفائهم الجدد في العاصمة الاثيوبية اديس ابابا رغم ان الاخيرة تفتقر للمستوى التطور من البنية التحتية للخدمات المتوافرة في كينيا· ''يونبوص'' هذا هو اختصار اسم مكتب الامم المتحدة السياسي لشؤون الصومال، والذي يتخذ من نيروبي مقرا له جراء العنف الدائر في العاصمة الصومالية، وقد قرر اقامة هذا المكتب الامين العام السابق للامم المتحدة كوفي عنان في العام 1995 حتى يتيح للمنظمة الدولية انخراطا اشمل واوسع مع مختلف مكونات الشعب الصومالي ومنظمات المجتمع المدني لتحقيق المصالحة الوطنية، التي سئم الصومالي العادي الحديث عنها لكثيرة المؤتمرات التي عقدت لجل هذه الغاية البعيدة المنال بسبب تمسك اصحاب المصالح بمصالحهم، دونما ادنى اكتراث بالمعاناة الحقيقية لمواطنيهم· واسندت الامم المتحدة مسؤولية هذا المكتب للسفير فرانسوا لونسيني فال نائب رئيس وزراء وزير خارجية غينيا الاسبق· ويعمل المسؤول الاممي بتفاعل مع مبادرات دول الجوار و منظمة'' الايجاد'' للخروج من النفق المظلم الذي وجدت الصومال نفسها فيه منذ العام·1991 وترفض الامم المتحدة وكذلك بعض منظماتها الاخرى الكشف عن ارقام المبالغ التي انفقت على عملياتها في الصومال لوسائل الاعلام، الامر الذي يجد معه انصار نظرية''البيضة الذهبية'' من الصوماليين مبررا للغمز من قناة المنظمة الدولية· جولة جديدة من'' المصالحة'' في السادس عشر من ابريل المقبل تستضيف العاصمة الصومالية مقديشو احدث مؤتمر للمصالحة الوطنية دعا اليه الرئيس الانتقالي عبدالله يوسف، هذا المؤتمر ربما يعد المحاولة الخامسة عشرة او يزيد من مؤتمرات المصالحة الصومالية التي عقدت على امتداد الستة عشر عاما الماضية، منذ ان اختفت من الوجود الدولة الصومالية المركزية بانهيار نظام سياد بري وطاف الخلاف الصومالي من وقتها بعواصم عدة بدءا من جيبوتي 1 و2وانتهاء بنيروبي مرورا ببحر دار وسودري في اثيوبيا والقاهرة وطرابلس وصنعاء والخرطوم· ومؤتمرات المصالحة الصومالية نسيج فريد من المؤتمرات، فأول مؤتمر في جيبوتي استمر تسعة اشهر في منتجع عرتا اما المؤتمر الاخير في نيروبي والذي اسفر عن تشكيل الحكومة الانتقالية الحالية فقد استمر عامين فقط!!· ويبدو ان الفرقاء الصوماليين ليسوا في عجلة من امرهم، وهم يوزعون التهم ذات اليمين والشمال حول الجهات التي تقف وراء عدم تمكينهم من الاتفاق ولم يوفروا من هذه الاتهامات العرب الذين ''أداروا لهم الظهور''، وكذلك الامم المتحدة التي اتهموها هي الاخرى بعرقلة المصالحة الصومالية، لأن القضية الصومالية -بحسب الاتهام الرسمي الصومالي- اصبحت مادة لإثراء موظفي المنظمة الدولية الذين يديرون الشؤون المتعلقة بهذا القطر المنكوب على يد ابنائه من غرفهم ومكاتبهم الفخمة في العاصمة الكينية نيروبي بعد ان تحولت مدن جنوب ووسط الصومال الى كتل من نيران تحرق من يقترب منها بدءا من القوات الاثيوبية التي هرعت لنجدة الحكومة الانتقالية الهشة وحتى طلائع القوات الاوغندية التي كانت آخر الواصلين لأول عاصمة عربية تفتتت على يد أمراء الحرب، وفي اذهان جنود القوة الافريقية لحفظ السلام صورة هذه الارض ذات الرمال المتحركة التي ابتلعت150جنديا من رجال القبعات الزرقاء في التسعينيات من القرن الماضي· وليدير المجتمع الدولي ظهره لها بعد انتهاء عملية'' اعادة الامل'' التي شاركت فيها23دولة وسبع وكالات تابعة للامم المتحدة واكثر من 40منظمة غير حكومية· العرب موجودون قال عبدالله مبارك العريمي سفير الجامعة العربية للصومال ان العرب كانوا متواجدين مع الصومال منذ بدايه محنته ومأساته ، متطرقا الى المساعدات الكبيرة التي قدمتها الدول العربية في هذا المجال، ولا سيما من جانب السعودية والامارات وغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي· وقال ان افتتاح بعثة للجامعة العربية في الصومال يؤكد التزامها بمتابعةالتطورات التي يشهدها الصومال عن كثب، واضاف انه تابع جهود المصالحة الصومالية منذ بداية الازمة، التي قال إنه كاد ان يدفع حياته ثمنا عندما انفجرت قنبلة بالقرب منه خلال مهرجان خطابي لرئيس الوزراء الصومالي علي محمد قيدي في استاد مقديشو عندما وصل مقديشو، وقال ان الانفجار أودى بحياة سبعة اشخاص كانوا بالقرب منه· ورفض العريمي الاتهامات حول ما يسميه الصوماليون بالغياب العربي عن واجهة الجهود الاقليمية والدولية الهادفة لحل معاناتهم·ودعا الصوماليين للوحدة للخروج ببلادهم من المستنقع الذي ترزح تحت وطأته منذ اكثر من16عاما· وقال ان احدث مساهمة عربية كانت منذ ايام قليلة مضت حيث قدمت سلطنة عمان مبلغ مليون دولار نقدا الى جانب عدد من سيارات الدفع الرباعي لمواجهة احتياجات عاجلة للحكومة الانتقالية الصومالية·ناهيك عن المساعدات الانسانية الاخرى لمواجهة الكوارث التي تحل بهذا البلد الشقيق، وهنا نشير للتدخل العاجل للهلال الاحمر الاماراتي للتصدي لوباء الكوليرا الذي انتشر في بعض مناطق الصومال ومنها العاصمة مقديشو· إسرائيل على الخط! في كل مرة أريد معرفة اخبار الصومال المجاورة كنت اجلس في شرفة فندق نيو ستانلي في نيروبي، حيث لا يمضي وقت طويل قبل ان يظهر احد صفوة صوماليي الشتات في مقهى هذا الفندق من فئة الخمسة نجوم، فقد تجد الى جوارك وزيراً سابقاً ، جنرالاً اسبق، سفيراً صومالياً سابقاً في الولايات المتحدة وغيرهم من كبار المسؤوليين السابقين او اعضاء في البرلمان الانتقالي الحالي، المهم ان المعلومة تجيئك على طريقة'' ويأتيك بالاخبار من لم تزود''!· ذات مرة كنت في مقهاي المفضل هنا، واذا بشخص يجلس الى جواري بدا اوروبيا، وعندما لاحظت انه يدخن سيجارة اسرائيلية سارع ليقول لي انه اسرائيلي على وشك السفر، فلما سألته ولم هو باق حتى هذه اللحظة ورحلته وشيكة، قال ان السياح الاسرائيليين يتم انهاء إجراءات سفرهم في فنادقهم ويتوجهون الى طائرتهم مباشرة بدون التوقف في مبنى المطار كإجراء أمني· وقد جاء هذا الاجراء بعد ان تعرضوا و مصالحهم وفنادق كانت تأويهم لهجمات خصوصا على الشاطئ الكيني الذي يعد قبلة السياح الاوروبيين ، وبالذات في مدن ممباسا وماليندي ولامو· وخلال تواجدي كانت تتردد انباء عن دخول عناصر من ''الموساد'' الاسرائيلي إلى معسكرات اللاجئين الصوماليين في الأراضي الكينية تحت مظلة العمل الانساني · ولم تكن هذه المرة الاولى التي ترد فيها انباء عن دخول منظمات اسرائيلية الى مناطق اللاجئين الصوماليين في شمال كينيا، ففي زيارتي الاولى لكينيا مع بداية الازمة الصومالية اوائل التسعينيات تواجدت فرق اسرائيلية، الا ان الرفض الشعبي في اوساط اللاجئين اجبرها على الرحيل· وبعض الصوماليين يذكرون ان الفرق الاسرائيلية التي وصلت مؤخرا تعمل على اختبار عقار لعلاج الايدز وتستخدم بعض الكينيين واللاجئين الصوماليين كفئران تجارب بشرية ، علما بأن كينيا تعد من اكبر بلدان القارة الافريقية معاناة من انتشار مرض الايدز· وكانت صحيفة يديعوت احرونوت الإسرائيلية، قد نشرت عبر موقعها الالكتروني على الانترنت مؤخرا صوراً لإسرائيليين داخل معسكرات اللاجئين الصوماليين· ولا يستبعد الصوماليون في نيروبي حقيقة مثل هذه التقارير، فلهم تجارب مريرة مع من تصدوا للحديث باسمهم من سياسيين وامراء حرب، فلا زالت فضيحة الصفقة التي طبخت هنا في نيروبي منذ عدة سنوات لم تبارح ذاكرتهم، عندما اتفق عدد من امراء الحرب والمتنفذين مع شركة ايطالية للتخلص من النفايات السامة وجلبوا كميات من هذه النفايات تم دفنها في الاراضي والشواطئ الصومالية وقبضوا ثمنها، واكد وقوع هذه الجريمة بحق الصومال الدكتور مصطفى كمال طلبة المدير السابق لبرنامج الامم المتحدة للبيئة، وقد كان في مقدمة من حذروا من مخاطرها على البيئة هناك والاجيال القادمة· التأثير العربي ومنطقة الساحل الكيني بالذات تضم الغالبية المسلمة في البلاد ذات الاكثرية المسيحية والوثنية· كما ان هذه المدن الساحلية خير شاهد على التواجد العربي والاسلامي الذي استمر طويلا في هذه البقاع، خصوصا خلال الحكم العماني لشواطئ افريقيا الشرقية· وتلمس هذا التأثير جليا في اللغة الرسمية للبلاد وهي اللغة السواحلية التي تحوي في غالبيتها مفردات عربية صحيحة مع بعض التحريف جراء نطق غير العرب لها·ولا زال للعرب احياؤهم خصوصا في مدينة مومباسا الميناء الرئيسي للبلاد وثاني اكبر مدنها· وغالبية هؤلاء العرب ينحدرون من اصول عمانية وحضرمية· واسم فندق ستانلي لا علاقة له بالمستكشف البريطاني ستانلي الذي يعد من مكتشفي منابع النيل، وانما اكتسب الفندق المصنف ضمن فنادق الخمسة نجوم في المدينة، ويقع في القلب التجاري منها شهرته من شجرة عملاقة تتوسط حديقته وكانت تستخدم لتعليق الاخبار والعناوين عليها في الايام الخوالي، وظلت تقوم بهذه المهمة حتى اليوم ، ولكن فقط للسياح الغربيين الذين يحرص الفرد منهم على إبلاغ مجموعته بتحركاته في رحلات السفاري او الى مناطق داخلية أخرى·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©