الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«فن أبوظبي».. امتحان البصر

«فن أبوظبي».. امتحان البصر
20 نوفمبر 2014 03:10
لم يكن «فن أبوظبي»، الذي استمر لأربعة أيام، بدءاً من الخامس ولغاية الثامن من نوفمبر الجاري، معرضاً عادياً، بل بازاراً كبيراً للفن ومفتوحاً أمام الذائقات والاتجاهات الفنية المختلفة، سواء للفنانين التشكيليين أم لصالات العرض أم للمقتنين، من أفراد ومؤسسات، وللجمهور أيضاً. إن الفكرة الأساسية من «فن أبوظبي» أن يكون في أيامه الأربعة «مختبراً» لتلك الذائقات والاتجاهات الفنية إذ تُعرض جميعاً معاً قادمة من مختلف أرجاء العالم بأعمال فنية تعبّر عن مشاغل الفنانين، وما يجري إنتاجه من أعمال فنية في هذه اللحظة الراهنة، وإلى أي حدّ من الممكن تقبله من الجمهور والناقد وصالات العرض. إن المرء يكاد يحسب أن «فن أبوظبي» يشكل، نوعاً ما، تساؤلاً عن مستقبل الفن مثلما عن ماضيه، وكذلك التساؤل عن جوهره ودوره الاجتماعي، وما إن تبقى دور لهذا الفن أم لا؟ وذلك بحسب الأعمال ذاتها وما تقترحه على المتلقي من جماليات، وموقفه منها، وإلى أي حدّ سوف تتصادم مع مواقف جمالية مسبقة أو غير مسبقة في هذه اللحظة من عمر الفن، وذلك على مستوى عالمي وليس على مستوى محلي أو عربي حتى. «تفويض» ثقافي بداية، فإن واحداً من الشروط الراسخة في الفن، الحديث منه على الأقل، ومنذ أن بدأ يتشكل له جمهور ومقتنين، ثم صالات عرض إلى أن أصبح مدار جدل فكري وفلسفي واتفاق واختلاف من جهة، وجانباً مهماً من اقتصاد الثقافة وصناعتها من جهة أخرى.. هذا الشرط الراسخ في الفن يمكن القول بأنه على النحو التالي: ثمة «تفويض» ثقافي مضمر أو معلن من قبل الجمهور للفنان، أي فنان بالمطلق، من قبل الجمهور والنقاد، على أن يُنتج ما يشاء من أعمال فنية بوصفها كذلك، أي بوصفها فناً، ومن حق الجمهور والنقد أن يرفضها، رفضاص نسبياً أو مطلقاً، أو يتقبلها كذلك نسبياً أو بالمطلق. وهو الأمر الذي بات حقاً للفنان والناقد والجمهور. وما قدّمته الصالات الأربع والأربعين في «فن أبوظبي» يأتي في صلب هذه المسألة. غير أن مسألة التلقي هذه هي اشكالية معرفية بكل تفاصيلها وتعقيداتها، وليس هنا مقام الخوض فيها. لقد اقترح «فن أبوظبي» هذا العام ثلاثة أسماء لفنانين إماراتيين وقفت أعمالهم إلى جوار أعمال العديد من كبار الفنانين في العالم الآن: عبد القادر الريس، والدكتورة نجاة مكّي، ومحمد كاظم. قدم الثلاثة آخر أعمالهم تقريبا سواء اللوحات المسندية لعبد القادر الريس ونجاة مكّي أو العمل التركيبي لمحمد كاظم فضلا عن إسهامات فنية إماراتية أخرى لم تكن قد دخلت إلى صُلب فكرة «فن أبوظبي» بوصفه سوقاً ثقافية للعرض والطلب. إنما قبل الحديث عن الحضور الإماراتي في دورة هذا العام، هناك ما ينبغي الإشارة إليه بصدد «فن أبوظبي» وطبيعة الحضور الفني فيه. إذ كان واضحاً أن دور العرض لم تأت بأعمال جديدة كلياً، بمعنى أنها منتجة خلال السنوات العشر الأخيرة على سبيل المثال لا الحصر، إنما كانت هناك أعمال لفنانين كبار من العالم ومن المنطقة العربية أيضا مرّ على البعض منها عقود كثيرة، حال أعمال فريد بلكاهية التي قدمتها صالة العرض «لو فيولون بلو» وعملي بول غيراغوسيان، الأرمني اللبناني والفلسطيني أيضاً، التي عرضتها صالة العرض «جاليري سلوى زيدان» إلى جوار أعمال أخرى حديثة، وكذلك هناك الكثير من الفنانين الآخرين من ثقافات أخرى من العالم جاءت بأعمالهم دور عرض أجنبية من بينهم مَنْ هم معروفون عربيا في أوساط معينة، وأيضا مَنْ هم غير معروفين وكانت أعمالهم مفاجأة لمتابعي «فن أبوظبي» بمخيلتها الغريبة والاستثنائية التي تدفع المرء إلى التأمل في الحال التي بلغها الفن المعاصر اليوم في العالم، بالفعل. وأول ما يخطر على بال المرء، بصدد هذا الكم الهائل من الأساليب والاتجاهات الفنية التي جرى تقديمها في «فن أبوظبي»، أنه بات من غير الممكن للفنان، سواء أكان إماراتيا أم عربيا، أن ينجز عملا فنيا ينتمي للحظة التي نحيا فيها دون الانتباه للتجارب التي يجري اقتراحها في العالم الآن، سواء أكانت قادمة من الغرب أم من آسيا، التي جاء منها فنانون مدهشون مثل الفنان التايواني ليو غوسونغ بأعماله التجريدية اللافتة حقا للانتباه وذكائه الخاص في التعامل مع فكرة التجريد في لوحاته التي تحمل عناوين شعرية: نسيم فوق بحيرة المرآة، ورقصة الريح والثلج، والكون هو قلبي، وسواها من الأعمال. بالتأكيد، يقول المرء ذلك في حين ينبغي الانتباه إلى تجارب عربية باتت عالمية الآن، من طراز الفنان الجزائري رشيد قريشي الذي في تعدده وتنوعه ومقدرته على الاشتغال الفني في سياق الثيمات الأساسية التي ينقلها إلى أعماله ومن ثم إلى الناس، يذكّر بأولئك الفنانين الكلاسيكيين الذين نقلوا الفن إلى الأمكنة العامة بكل أشكالها، الدينية منها وغير الدينية. وبهذا المعنى فإن رشيد قريشي فنان عربي إنما بروح تشبه تلك الروح التي لدى فناني عصر النهضة الأوروبي. وتلك هي فضيلة «فن أبوظبي»، أنه يجلب إلى الإماراتي أعمالا تثير الجدل حولها في صدد ما إذا كان ممكنا، أو صعبا، التعامل معها بوصفها أعمالا تنتمي للفنون التشكيلية. فضيلة «فن أبوظبي» أنه يخلخل القناعة الراسخة والموقف المسبق من الفنان ويجعل المرء يعود إلى أسئلته الأولى. الريّس ومكّي وكاظمفي هذا السياق الثقافي والفني وداخل «سوق» تحتكم، أولا وأخيرا، إلى العرض والطلب، جاء هذا الحضور للفن التشكيلي الإماراتي متجسدا في أعمال ثلاثة من الفنانين الإماراتيين بتجاربهم الملحوظة. ويمكن القول هنا، أن العمل التركيبي «الدائرة» الذي أنجزه الفنان محمد كاظم من الألمنيوم وتشكيل ضوئي وقدمته صالة العرض «إيزابيل فان دن إيند»، مقرها دبي، يتابع فيه الفنان مشروعه الفني في التقاط أفكار من الواقع المُعاش، السياسي منه على مستوى المنطقة العربية، وكذلك البيئي على المستوى المحلي، في مسعى منه لتجسيد تلك الأفكار بأعمال فنية تجهيزية من الممكن عرضها في مكان عام أو حيّز خاص بحيث يتفاعل الجمهور مع فكرته؛ بدءا من المفهوم الذي يطرحه. وفي سياق «فن أبوظبي» وجملة الأعمال التركيبية التي جرى تقديمها من «آفاق»، وكانت ستة عشر عملا، يمكن القول بأن عمل محمد كاظم كان أكثر قربا من سواه إلى الناظر إليه، حيث أُدخل إلى أحد العروض الأدائية التي تمّ تقديمها خلال الأيام الأربعة، ما يعني أن «الدائرة» قد حظي بفرصة مشاهدة معقولة جدا في هذه السوق الضخمة للفن، خاصة وأنه كانت هناك أعمال تركيبية كبيرة أيضا حظيت باهتمام الزوار. أما أعمال عبد القادر الريّس ونجاة مكّي فدخلت في جدل آخر، إذ قدّمت لهما صالة العرض المحلية «غاليري هنر» أعمالا أنجزاها مؤخرا وطالعة بالفعل من «روح» تجربة كل منهما على حدة. قدّم الفنانان، الريّس ومكّي، تنويعا على الثيمات الأساسية التي تميزت بها تجربتهما، وكان اللافت هنا في الأعمال هو الجانب التقني، أو الأسلوبية التي نفّذ الفنانان بها أعمالهما التي انحازت لدى كل منهما إلى التجريد- نسبيا لدى نجاة مكي بتعبيريتها الخاصة وبالمطلق لدى عبد القادر الريّس. وقد بدت أعمال نجاة مكّي أقرب إلى حسّها الأنثوي الغريزي في ذلك الجانب من الأعمال الذي يتعلق بالتجريدية التعبيرية التي تحمّلُها رسالتها بمشاعرها العميقة، في حين نزع عبد القادر الريّس إلى قَدْر من «الصوفية» اللونية سواء لجهة اللون الذي يستخدمه وشدة إضاءته، أم لجهة توزيع الكتل اللونية على السطح التصويري، فبدت الأعمال كما لو أنها تعود إلى أسئلة «قديمة» طرحها إنسان هذه المنطقة فأنتجت أساطيرها وخبرتها القديمة، أيضا، في التعامل مع فكرة العالم. ساعات..وألوان على مدى أيامه الأربعة قدم «فن أبوظبي» فعالية بعنوان: «ثلاثة ألوان وثلاث ساعات»، وكانت عرضاً أدائياً يجمع الفن التشكيلي إلى المسرح والموسيقى والرقص التعبيري المعاصر، وذلك بهدف خلق تناغم بين الزمن والموسيقى واللون بتحولاته من: الأزرق إلى البرتقالي ثم البنفسجي. وتضمن عرضاً لفيلم: «الأزرق، هو اللون الحقيقي في الفن» مصحوباً بموسيقى من تأليف نيلس فرهام، وفيلم «الطريق القاتل» من تأليف موسيقي للفنان جاتي سميث، وهو واحد من العروض الأدائية التي يُنظر إليها في العالم بوصفها استكشافاً صوتياً وتأملاً لفكرة الأبدية ودورة الحياة والموت.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©