الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بيتهوفن.. أنّى لأصم أن يفعل هذا؟

بيتهوفن.. أنّى لأصم أن يفعل هذا؟
9 نوفمبر 2011 22:33
بالنسبة للبعض فإن أعظم المؤلفين الكلاسيكيين هو يوهان سباستيان باخ. وهذا رجل وصفه الفرنسي كلود ديبوسيه ـ وهو مؤلف مثله ـ بأنه “إله الموسيقى”. وبالنسبة لآخرين فهو موزارت الذي يُتفق على أنه صاحب الموهبة “الطبيعية” الأعظم على الإطلاق. لكن هناك من يقول أيضاً إن الأعظم هو بيتهوفن. ومن هؤلاء عظيم آخر مثل برامز الذي لم يخف أنه استوحى سيمفونيته الأولى بأكملها من تاسعة هذا الأخير. ولهذا كله صار حريا بنا أن نبدأ سلسلة عباقرة الموسيقى الكلاسيكية بأحد هؤلاء الثلاثة. وليكن بيتهوفن. فما أن تذكر عبارة “الموسيقى الكلاسيكية” أمام القارئ العربي حتى يقفز اسمه وسيمفونيته الخامسة النارية الى الذهن... فكأنه المؤلف الكلاسيكي الوحيد، وكأنه لم يؤلف غير السيمفونية الخامسة. كان من أوائل المؤلفين الذين ابتدعوا تطوير البناء الموسيقي من “طوبة” أو جملة موسيقية واحدة. واشتهر ايضا بتجديده سائر الأشكال الموسيقية التي مستها يداه. وشملت هذه السيمفونية والكونشيرتو وسوناتا البيانو وسوناتا الكمان والرباعي الوتري وموسيقى الصالونات والموسيقى الكنسية... الى آخره. وتأثر في انتاجه الغزير هذا ـ خاصة في مرحلته المبكرة ـ بهايدن وموتسارت رغم أنه لم يكن مقلداً لأي منهما. بل أنه فرد جناحيه في عالمه الخاص وألف أعمالا لا تحمل غير بصمته الفريدة. وبلغ به الأمر في هذا الشأن انه يعتبر جسرا بين الموسيقى الكلاسيكية والموسيقى الرومانسية التي تمردت على “القوالب الحسابية” الصارمة التي تميزت بها تلك الأولى. ولد لودفيج فان بيتهوفن في ديسمبر عام 1770 في بون، الثاني وسط سبعة أبناء مات منهم أربعة في طفولتهم المبكرة. والده هو يوهان فان بيتهوفن ووالدته ماريا ماغدالينا كيوريتش وكانا يحتفلان بعيد ميلاده في السادس عشر من الشهر رغم ان يوم ولادته ليس معروفا على وجه التحديد. كان معلمه الموسيقي الأول هو والده يوهان الذي احترف الغناء الأوبرالي في بلاط بون. وكان معلما قاسيا اضطر ـ حين لاحظ نفور ابنه منه ـ لأن يطلب الى صديق له يدعى توبياس فايفر توليه مهمة تعليم الصبي. وكان يوهان، مثل صديقه هذا، مدمنا على الكحول. وقيل إن الرجلين كان، بعد جلسات شربهما، يقتلعانه من سرير نومه ويجبرانه على المران على البيانو حتى مطلع الشمس. كانت موهبة الصبي جلية للعيان. ففي سن الثامنة كان يدرس الأورغن والفيولا (الكمان الكبير) إضافة الى البيانو. وكان أهم معلميه في هذا الوقت هو كريستيان نيفه الذي كان عازفا للأورغن في البلاط الامبراطوري. ومع بلوغ بيتهوفن سن الحادية عشرة صار نائبا لمعلمه. والعام التالي ساعده هذا الأخير على نشر بعض مؤلفاته الموسيقية. وفي عام 1787 سافر بيتهوفن الى فيينا، لكونها عاصمة الموسيقى وقتها وقبلة المؤلفين، ولكن بالنسبة له فقد كان الدافع الأكبر هو سعيه الدؤوب الى التتلمذ على يد موتسارت. لكنه لم يحقق أمنيته هذه. ذلك انه لم يمكث أكثر من أسبوعين في المدينة واضطر للعودة الى بون بسبب الأنباء التي أوردت اليه مرض والدته ووقوفها على شفا القبر. وبعد وفاتها وجد الفتى أنه مسؤول عن تربية أخويه الصغيرين بسبب أن إدمان والده على الخمر صار خارج نطاق السيطرة فكان في حالة سكر دائمة لا تسمح له بالعمل. بعد خمس سنوات سافر بيتهوفن الى فيينا مجددا مستقرا فيها ومتلقيا العلم من أنتونيو سالييري. وكانت في هذا الأمر مفارقة كبيرة لأن ساييري كان ألد خصوم موتسارت الذي سعى اليه بيتهوفن في المقام الأول. وعاش الفتى حياة رخوة نسبيا إذ وجد حظوة لدى الطبقة الارستقراطية في فيينا وكان يكتفي لعيشه بإحيائه حفلات علية القوم الخاصة بلا اضطرار للعزف للعامة. وقيل إن عزفه البيانو كان “في سخونة النار وسطوع الشمس مليئا بالفرح وبالشجن وحاملا على الدوام شيئا من آفاق جديدة”. وشهدت هذه الفترة المسماة “المرحلة المبكرة” (أو الكلاسيكية) في حياته الموسيقية (1799 ـ 1802) مولد بعض أهم أعماله مثل سوناتا البيانو الثامنة “باتيتيك” وسوناتا البيانو الرابعة عشرة “ضوء القمر” إضافة الى ثلاثة كونشيرتات للبيانو وسيمفونيتيه الأولى والثانية وستة مؤلفات للرباعي الوتري. منذ العام 1796 بدأ بيتهوفن يسمع رنينا في أذنيه أفسد عليه تمتعه بالموسيقى وأبعده عن التخاطب. وشيئا فشيئا، راح يفقد قدرته على السمع. وبحلول العام 1802 كان الصمم قد لفه تماما فكتب ما يشبه وصيته الأخيرة لأخويه إيمانا منه باقتراب أجله. لكنه سرعان ما استعاد رباطة جأشه مقتنعا بأن خلاصه من أشجانه إنما يكمن في التأليف الموسيقي بغض النظر عن العوائق. فألحق بالبيانو رقاقة كان يعض عليها حتى ينقل ذبذباته الصوتية الى فكه. وتسمى الفترة من 1802 إلى 1815 من حياته الموسيقية “المرحلة الوسطى” (أو البطولية) التي ألف فيها سيمفونيته الثالثة “ايرويكا” (البطولية) والخامسة الشهيرة بمطلعها المسمى “القدر يطرق على الباب” والسادسة والسابعة. أضف الى هذا كونشيرتو البيانو الرابع والخامس وكونشيرتو الكمان وأوبراه الوحيدة “فيديليو”. وكانت هذه أعمال أكدت مقامه الرفيع وسط عظماء المؤلفين. على أن السنوات القليلة التالية للعام 1812 تميزت بقلة انتاجه. فقد عانى من الاكتئاب ليس بسبب صممه وحسب وإنما لإخفاقه في آماله العاطفية ومعارك قانونية أجبر على خوضها حول مساعيه لرعاية ابن شقيقه ايضا. لكنه استطاع الصمود ليبدأ في العام 1815 مرحلته الثالثة المسماة “المتأخرة” (أو الرومانسية). هذه هي الفترة التي جعلت من بيتهوفن ذلك الجسر بين الكلاسيكي والرومانسي وتميزت أعمالها بالعاطفة العميقة واللوعة وعمق التراكيب الموسيقية وسعيها للتمرد على قبضة التقاليد الموسيقية القديمة. تشمل هذه المرحلة مجموعة جديدة من سوناتا البيانو وعددها سبع ومزيدا من الرباعيات الوترية إضافة الى سيمفونيته التاسعة التي يذهب البعض الى اعتبارها أهم أعماله على الإطلاق. ويذكر انه خرج فيها على التقليد المتبع في السيمفونيات إذ أدخل الكورال في حركتها الأخيرة. ويذكر انه لما قدم سيمفونيته التاسعة هذه للجمهور لأول مرة، دوت القاعة بالتصفيق والهياج في ختامها. ولما أدير مقعده حتى يتمكن من رؤية رد فعل الحضور، راح يجهش بالبكاء بسبب عجزه عن سماع الضجيج الذي كان يعلم انه يملأ المكان. رغم النجاح المدوي الذي ناله بيتهوفن وعبور صيته حدود فيينا الى أطراف أوروبا من سنت بيترسبرغ الروسية الى لندن، فقد عاش سنوات عمره الأخيرة كسير القلب خاصة بعدما افقده القضاء الحق في رعاية ابن أخيه. وراحت حالته الصحية تتدهور حتى لفظ أنفاسه الأخيرة في 26 مارس 1827. وسار في جنازته أكثر من عشرة آلاف شخص، في حدث لا سابقة له مع أي شخصية عامة أخرى مهما علا شأنها. لقطات في حياة بيتهوفن ? لودفيج فان بيتهوفن لم يتزوج مطلقا، لكنه كتب رسالة غرامية عام 1812 الى امرأة مجهولة أشار اليها فقط بـ”محبوبتي الخالدة”. ? استمع موتسارت الى موسيقى بيتهوفن عندما كان هذا الأخير في السابعة عشرة من العمر فقال: “انتبهوا لهذا الفتى إذ سيأتي يوم يجبر فيه العالم على الحديث عنه”. ? سيمفونيته التاسعة هي الأخيرة التي ألفها قبل مماته. وقيل إن العديد من المؤلفين صاروا يتشاءمون من هذا الرقم وأن المؤلف الروسي الكسندر غلازونوف بلغ حد أنه أوقف العمل في سيمفونيته التاسعة خوفاً من موته بسببها. ? أهدى بيتهوفن سيمفونيته الثالثة (البطولية) لنابليون إيماناً منه بأن القائد الكورسيكي سينشر العدالة في أوروبا. لكنه نقض إهداءه لاحقا قائلا إن الرجل “أثبت أنه مجرد دكتاتور آخر”. أعماله ? تضم مؤلفات بيتهوفن للأوركسترا تسع سيمفونيات وهي الأعمال الموسيقية الكبرى، وخمس مقطوعات موسيقية على البيانو، ومقطوعة واحدة على الكمان، كما قام بتأليف العديد من المقطوعات الموسيقية المقدمة للأوبرا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©