الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عن الكتب وكتّابها

عن الكتب وكتّابها
9 نوفمبر 2011 22:38
صدر للروائي والناقد والدبلوماسي المغربي عبد القادر الشاوي كتاب “ثاني الجوارات”، في طبعة جميلة وفاخرة. وهو الكتاب الذي يسير على نهج “الجوارات” الصادر قبل هذا العمل، وهو سلسلة من المقالات والدراسات التي لم تنشر من قبل إلا على نحو جزئي، كما يقول مؤلفه في التمهيد، مضيفاً أن “أغلبها يرمي إلى التعريف بما يمكن الاصطلاح على تسميته، عفويا، بالمسارات والحيوات، مسارات كتب وتجارب واهتمامات، وحيوات كتّاب وأدباء أسهموا من خلال الكتابة، إبداعية وغير إبداعية، في تهذيب الأذواق الإنسانية وتلطيف الشعور المأساوي بالوجود”. كما يضم هذا الكتاب أيضا بعض التأملات التي عنت للمؤلف موضوع الكتابة والكاتب وما يحيط بهما من إشكاليات وقضايا... إلى جانب موضوعات أخرى على صلة باهتماماته الثقافية والفكرية. يؤكد الشاوي، على أهمية الدور الذي يمكن أن يضطلع به المثقف كعامل في سبيل إنتاج المعرفة الإنسانية، من خلال الكتابة والتعبير، في بلورة الوعي الذاتي بأهمية العمل الثقافي من جهة، في مقابل أشكال أخرى من الوعي الإنساني، وفي التعبير عن القضايا الجوهرية وغير الجوهرية التي ترتبط بالوجود الاجتماعي والإنساني بعامة. وبصرف النظر عن الجدل الذي غالبا ما يثار حول سبل مشاركة المثقف بدور في الحياة العامة، إلى جانب ما قد يثار، في الغالب، حول العلاقات الممكنة لهذا المثقف بالسلطة الدنيوية المفترضة. حالة الوعي المركّب وقرّب الشاوي معنى “حالة الوعي المركب” من القارئ ويصفها بقوله “إنها وثيقة الصلة بمستوى ودرجة التطور الثقافي في المجتمع، وعلى علاقة مباشرة أيضا بالتطور التاريخي والحاجات الموضوعية العامة والخاصة التي تتبلور فيه، ويتساءل: “هل يجب بالتأكيد على أن وجود المثقف لا يستقل عن وجود بنية ثقافية لأنه فرع منها؟، بل إن المثقف، بمعنى آخر، لا يكون واعياً بذاته إلا بالقدر الذي يكون فيه المجتمع الحاضن لوجوده واعياً، وعياً ثقافياً، بصفته كذلك وباختصاصاته والأدوار التي قد تكون له ضمن التقسيم العام للأدوار على صعيد البنيات القائمة فيه”. ويعتبر المثقف، بالدرجة الأولى في ارتباطه بالمشاركة في الحياة الثقافية لا في التزامه، حسب الاعتقاد الرائج الذي رسخته بعد العقائد، بالنظام أيا كان هذا النظام معرفياً، سلطوياً، اعتقادياً أم أخلاقياً إلخ... وأجده أكثر في الوعي الذي قد يتبلور على صعيد البني الثقافية من زاوية الاختصاص (بوصفه منتجا للمعرفة) لا الحاجة أيا كانت هذه الحاجة مؤكدة أو موجبة أم مقررة أم مفروضة. فوجوده إذن محكوم بالتفاعل الذي يتوالد باستمرار على صعيد البنيات القائمة في المجتمعات. شكري: حياة الصعلكة يتساءل الشاوي: كيف تحولت حياة محمد شكري إلى “مركب” رمزي من المواقف والأوضاع التي قد تعكس، إن هي خضعت للتأويل، مسارا فريدا من المعاناة ووجودَ ذاتٍ خبرت جميع الأهوال وأسلوبَ ممارسة لها الفرادة والاختلاف؟، ثم: كيف أمكن لذلك “المركب” الرمزي المفترض أن ينتشر بين الناس، أو على الأقل في أوساط ودوائر معينة ولم تكن قليلة، إلى أن أصبح بياناً دالاً على وجود فردي وممارسة واختيار؟. يتعلق السؤال الأول بالوسائل، أما الثاني فبالوسائط، وسوف أتدرج في تحليل ذلك من خلال بعض النقط التي قد تضيء الجانبين مَعًا، حددها الأستاذ عبد القادر الشاوي ثلاث نقاط هي: الكتابة: ربما كان صدور “الخبر الحافي” في طبعته الفرنسية في أوائل الثمانينيات أول تعبير نصي عن وجود إنساني مختلف، وبالنتيجة عن الوجود الخاص لكاتب مختلف، وربما أضيف إلى ذلك: عن شخصية رمزية سيكون لها، فيما بعد، أثرها البعيد في الدلالة على شيء كثير من التميز في المجال الذي ارتبطت به في عالمي الكتابة والإبداع الأدبي. ولا يتعلق الأمر فقط بكتاب ألفه صاحبه بالعربية ونشر أساساً مترجماً إلى الفرنسية، بل وكذلك لأنه عُدَّ في مختلف القراءات التي تناولته منذ البداية كتابا ملعونا أتى من خلال سروده العامة على ذكر الممنوع والمرفوض والمحرم بطريقة مباشرة تثير الاستفزاز في معظم الأحيان، ودون مواربة كذلك من حيث تعيين القصد وذكر الهدف ووصف الضرورة. أما وأن الكتاب أخرج إلى الوجود الأدبي كما يجب أن نقول، حياة ممنوعة، أوظلت لسنوات متواصلة في ذات صاحبها كما من الناحية الاجتماعية في علاقة بالمواضعات الأخلاقية طي الكتمان، فكان في إخراجها ذلك البعث العجيب الذي تحول بفضل الكتابة الأدبية إلى رمزية متداولة تثير الإعجاب. القراءة: ويمكن اعتبار القراءات المنتجة، المنشورة أو المذاعة، حول “الخبز الحافي” من بين الوسائل المفترضة التي أثارت الانتباه إلى وجود حياة استثنائية، حياة كاتب استثنائي أيضا، تستحق القراءة، فضلًا عن الاعتبار لما في تجاربها الخاصة من فرادة، ولما في أطوارها من تحديات، وكذا لما في اللغة التي أحاطت بمختلف أنحائها من ايحاءات ومباشرَة. ويرى عبد القادر الشاوي أن كتاب “الخبز الحافي” يتضمن بطبيعة الحال مسرداً شاملاً بالعناصر البيوغرافية، المباشرة والموحية، منذ النشأة الأولى إلى مرحلة التعليم، التي قد تحمل القارئ، بحكم ثقافته العامة، على كثير من الاشتباه. والحال أن “الخبز الحافي” قد يكون غير ذلك لطبيعته الأدبية، بل وقد لا توجب القراءة المتمعنة أي استنتاج قد يدعو إلى تفسير النص على أنه صورة صاحبه. المنع: أما الوسيلة الثالثة التي ضمنت شيئاً كثيراً من الانتشار وأوجبت قدراً لا يستهان به من الإدراك للنص ولحياة صاحبه فهي المنع. ذلك أن “الخبز الحافي” تعرض بُعيد صدوره لمنع إداري (لا قانوني) لم يكن يبرره إلا تعبيره الأدبي المباشر عن الممنوع، وربما أيضا عن الرياء المجتمعي السائد على صعيد الأخلاق والاعتقادات والشعور الديني. الترجمة: التي يمكن اعتبارها، فيما يعنينا، أسلوباً آخر لإخراج النص من لغته الأصلية (العربية) إلى لغات أخرى، وأعني أيضا إلى عينات من القراء المحتملين الذين قد يتفاعلون مع النص المترجم في ظل سياق ثقافي مختلف، وانطلاقا من حساسية مغايرة. ومن المعروف أن “الخبز الحافي” ترجم، كما أشرنا إلى ذلك، إلى لغات مختلفة ومتعددة، بعضها ليس له أي انتشار. أما ترجمته إلى الفرنسية والإنجليزية والإسبانية بالخصوص فقد حملته إلى أقاصي المعرفة الممكنة التي قد تتحقق لنص مترجم. الاهتمام الإعلامي: وقد ترتب عن هذه الترجمات أيضا اهتمام إعلامي ونقدي متنوع ومتواصل تداوله القراء من خلال الصحف والمجلات المختصة وغير المختصة بالإبداع الأدبي والممارسة الثقافية بعامة. ولو اقتصرنا على ذكر الاهتمام النقدي في جانبه المكتوب بالعربية لوجدنا فيه إدراكا مؤكدا من قبل كثير من القراء الذين وقع الكتاب بين أيديهم، لأهمية النص، وقد تجلى ذلك في الغالب ن خلال الإشادة بأسلوب الكتابة وفرادة العوالم المسرودة والطبيعة الاستثنائية لمجراها الإنساني، كما يمكن أن نجد فيه ما قد نعبر عنه بالمماثلة المفترضة التي انطلت على القراء بين الحياة المشكلة في النص وحياة كاتبه المعروف كشخصية ثقافية عمومية. الاستجوابات: وإلى جانب هذا وذاك فقد أسهم الكاتب نفسه من خلال كثير من الاستجوابات التي أجريت معه، مكتوبة أو مسموعة أو مرئية، باللغات العربية والإسبانية والفرنية أيضا، في التعبير عن علاقته المباشرة بنصه “الخبز الحافي” وبنصوصه الأخرى، وكذا في إعادة سرد مراحل وأطوار معينة من حياته الشخصية، وربما أيضا في ذكر وتأويل جوانب أخرى غير معروفة من تلك الحياة. ولعلي أحيل بهذا على الاستجواب المتميز الذي أجراه معه الصحفي الإسباني خابيير بالينسويلا فجاء، ربما بسبب التواطؤ الذي حصل بين الكاتب والصحفي في جلسة حميمية خاصة، مختلفا تماما عن باقي الاستجوابات الأخرى من حيث الإحاطة والطرافة. مقبرة الكلاب كما أفرد الشاوي للراحل محمد شكري مقالة أخرى في نفس الكتاب خصها لرواية “السوق الداخلي” حيث سيهتم الشاوي بالرواية مُحَدِّدًا فضاءها الداخلي وهو الفضاء الطنجاوي الذي تدور فيه أحداث الرواية وهي أمكنة معروفة في طنجة منها: مقهى باريس، القنصلية الفرنسية، بوبانة (مقبرة الكلاب)، حي مرشان، مطعم فلوريان، حانة كيوبيد، مقهى سنطرال، فندق لاكريير، طريق رأس سبارتيل، قرية مديونة، شارع محمد الخامس، مرقص فستبال بان، بولفار باستور، السوق الداخلي، مقهى فوينطس، قهوة طنجيس، زقاق قلايين الحوت، حي السقاية الجديدة، مرقص كوسبيل، طريق سرفانتيس، سيدي عمار. ويرى الشاوي أن فضاء طنجة الذي يتحدد فيزيقيا بمجموعة من الأمكنة المذكورة، يتحدد أيضا بالإحالات الرمزية لهذه الأمكنة. أضف إلى ذلك أن كل مكان، في علاقته بالسارد والأحداث والشخوص، يحمل في حد ذاته سمات عالمه الخاص. ولا تبرز هذه السمات إلا من خلال المعايشة (الفعل)، أي أن الشخصية هي التي تسبغ على المكان صفاته الدلالية والرمزية. يجرنا هذا إلى القول إن المكان في الرواية ليس هو المكان في الواقع المعطى، لأن الفني هو إنجاز لغوي قبل كل شيء، بينما يرتسم الواقع كحقيقة عيانية. ومعنى أن مكان الرواية يجب أن يدرس، بالمفاهيم الإجرائية المتحصلة من تحققه النصي، كفضاء رمزي لتحرك الشخصية. على أن نضيف أن هذه الدراسة يجب أن تتم من خلال اللغة الواصفة لأنها أداة للتحقق المذكور في أبعاده ولا نهائيته. والفضاء الطنجاوي في الرواية هو فضاء المدينة كمجال حضري حصرا. ولكنه يتبدى أفقيا كأمكنة دالة (فنادق، مقاهي، شوارع، أحياء..) وكمحيط بشري (المغاربة، الأجانب، الهيبي..) وكمجال نفسي وذاتي يخص السارد (الوحدة، الفراغ، الزحام..). وهو، مع هذا التداخل، ولربما بصورة مميزة، فضاء هامشي، شعبي، شطاري إذا جاز التعبير. وتعريف هذا الفضاء، بالمقابلة التأويلية إذا شئنا، يمكن في عدم ذكر الأحياء الراقية أو الأماكن الفخمة... وهي مسألة لها دلالتها اللغوية في النص. نزعة الشك ويعود بنا عبد القادر الشاوي إلى مقالته التي كانت موضوع محاضرة له، “الكتاب أصرة الوهم” حيث يقول: “لست أدري لماذا جعلت الكتابة في هذا العنوان الافتراضي آصرة للوهم، وأحسب أنني قادر على تفسير ذلك أو تبريره نظرياً، بل وأعتبره من العناوين الإشارية التي قد تكون خالية من الدلالة، تلك التي تصدر لحظة ما، غالبا ما تكون لحظة بحث عن المعنى، لحصر الأكوان التي تتملك الشعور وتسيطر على الذات لغاية معينة. اما الغاية، في هذه الحالة، حالتي، فهي أن أعبر عن أهمية الكتابة لا أن أضفي عليها أي دور، لأنني لا أدركه على وجه اليقين. على وجه اليقين أقول لأن الإدراك مستويات، ومستواي منه فيما يرجع لمعنى الكتابة، أنها آصرة للوهم. ويضيف الشاوي: مازلت أكتب منذ أزيد من سبع وثلاثين سنة ولما لم أجد بعد، وخصوصا عندما أتجرد من جميع المفاهيم والأقانيم الجاهزة التي تقولب الذهن، تعريفا يشرح لي معناها وضرورتها والشروط التي تكلفها عندما تتحقق في تناول البحث أو في إنشاء المعاني. وقد تكون الكتابة في حقيقة الأمر، حتى حين يتكلم عنها المتكلمون من خلال المعاني التي يتصيدونها لبناء الشخصية المؤسسة للأوهام، حالة تتحقق أو لا تتحقق إذا ما اجتمعت لها جمعيات كثيرة لا تكون إلا بها، ومن ضمنها على سبيل المثال الوعي بأن من يقوم بها هو فاعل يصدر عن معرفة ويتناول معرفة ويتوخى المعرفة. وقد يكون من أعقد حالات الوعي، فيما يخيل إلى من غير تقدير حقيقي لهذا الأمر، أن يحدد كاتب ما علاقته بالكتابة: كيف تولد في الفكر وتصدر عن معرفة وتتخلق في صور وتتداعى في أشكال تيبوغرافية معينة فتتجانس وتتشاكل وتتفاعل وتتصادى في ذهابها نحو المعنى، في خروجها للتعبير، في قولها الذي هو بيانها وبيان كاتبها في نفس الوقت... فذلك كمن يحدد علاقة غير مدركة لأنها ذهنية. لست أعني اننا أمام حالة سديمية او غامضة أو متعالية أو عصية على الفهم، إنما أعني ان علاقة الفرد بالكتابة من خلال وعيه بها لا تتأسس فقط على إدراكه في لحظة ما من لحظات تخلقها كأداة للتعبير، بل وكذلك على السياق الذي يحدد وجود الفرد في غالب الأحيان، فضلا عن مجموع الشروط التي تكون وعيه كالتربية والتكوين الثقافي... إلخ. وما زلت أعتبر أن من يصل بفكره إلى تحديد بيان كتابته قد يكون عاقلا بالفعل لموقعه ككاتب ولكنه يسقطه، أي هذا الموقع، على كتابة لا يدرك قطعا، ضمن حالة من العلائق والشروط، أي معنى يمكن أن يسبغه عليها. فهو يقول عادة في الرد على مستجوبيه، أي هذا الذي يحدد بيان كتابه، إن الكتابة بالنسبة إليه هي الحياة، أو أنه يكتب للتعبير عن ذاته أو لتغيير واقعه وقس على ذلك من الاجوبة التي لا تفلح إلا التعبير عن المواقف التي يتصنعها كاتب لمداراة سائل. كلاهما يتلاعبان أو يلغوان لأن أحدهما يسأل عن شيء لا يغنيه الجواب عنه، والآخر يجيب عن سؤال لا يدرك فحواه. الكتاب: ثاني الجوارات المؤلف: عبد القادر الشاوي الناشر: منشورات الموجة ومنشورات مرايا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©