الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حكاية جنرال أميركي

حكاية جنرال أميركي
9 نوفمبر 2011 22:39
يقول جون رونسون مؤلف كتاب “عندما أصيبت النخبة الأميركية بالخبل” إن ما سيرويه هو قصة واقعية تدور أحداثها في صيف العام 1983، حيث جلس الجنرال العام ألبرت ستابلباين الثالث إلى مكتبه في أرلينغتون؛ فرجينيا، محدقاً إلى جدار الغرفة الذي علّقت عليه جوائزه العسكرية المتعددة، مفصلة لتاريخ طويل من الإنجازات المهنية المتميزة. إنه رئيس جهاز مخابرات الجيش الأميركي، ويعمل تحت إمرته 16000 جندي، وتقع تحت سيطرته الإشارات الاستخباراتية في الجيش من استخبارات تصويرية وتقنية، والوحدات السرية العديدة المضادة للاستخبارات المعادية، وأيضاً الوحدات العسكرية التجسسية السرية المنتشرة جميعها في شتى أرجاء الأرض. فضلاً عن كونه المسؤول عن استجواب أسرى الحرب. غير أن الحرب كانت باردة في العام 1983. بين فضاءين يميط المؤلف في النص التالي اللثام عما كان يفكر فيه الجنرال الأميركي، وكيف حاول تنفيذه، إذ ينهض، ويتحرك بتؤدة من خلف مكتبه ويبدأ بالمشي، محدثاً نفسه في تلك الأثناء: أعني مم تتكون الذرة بشكل رئيس على أي حال؟ من فراغ! وتتسارع خطواته. ومم أنا مصنوع؟ من ذرات!. وتكاد خطواته تستحيل هرولة الآن. وممّ يتكون الجدار؟ من ذرات! لذا، فكل ما ينبغي لي فعله هو أن أدمج الفضاءين. فما الجدار إلا وهم. وما هو القدر؟ هل هو مقدّر عليّ أن أبقى في هذه الغرفة؟ كلا!. ثم يرتطم أنف الجنرال ستابلباين بقوة بجدار غرفة مكتبه. اللعنة. يشعر الجنرال بالخزي من إخفاقاته المتكررة في السير عبر الجدار. فما خطبه حتى لا يستطيع القيام بالأمر؟ لعل هناك الكثير مما يثقل كاهله ويحول بالتالي دون وصوله إلى المستوى المطلوب من التركيز. إذ ليس لديه أدنى شك في أن القدرة على اختراق الأشياء المادية ستغدو يوماً ما أداة طيّعة في ترسانة جمع المعلومات الاستخباراتية. وعندما يحدث ذلك، حسناً... هل سيكون حينها من السذاجة الاعتقاد أن الشمس ستشرق على عالم من دون حروب؟ إذ من ذاك الذي سيرغب في العبث مع جيش بمقدوره الإتيان بأمر كهذا؟ لقد كان الجنرال ستابلباين، حاله كحال الكثير من القادة معاصريه، لا يزال يعاني بشدة مع ذكرياته في حرب فيتنام. إن هذا النوع من القوى يمكن حيازته، ويبقى السؤال هو: من قبل من؟ من في القوات المسلحة مهيأ على الفور لهذا النوع من العمل؟ أي قسم من الجيش تلقى تدريباً يؤهله للعمل في ذروة قدراته الجسدية والذهنية؟ وتبرق الإجابة في ذهنه: القوات الخاصة! ولأجل هذه الغاية، يتوجه الجنرال ستابلبان مع نهاية صيف عام 1983 بالطائرة إلى فورت براغ في نورث كارولينا. وفورت براغ هي بلدة ضخمة يحرسها جنود مسلحون، فيها مركز للتسوق، ودار للسينما، ومطاعم، وملاعب غولف، وفنادق، ومسابح، ونواد لركوب الخيل، وكل ما من شأنه أن يضمن رغد العيش لنحو 45000 جندي وأسرهم. تمضي السيارة عبر هذه الأماكن جميعها حاملة الجنرال إلى مقر قيادة القوات الخاصة. فأمر كهذا ليس من النوع الذي يمكن مناقشته على مائدة مسامرة مع الزملاء. إنه منوط بالقوات الخاصة وحدها، ولا أحد سواها. ومع ذلك فقد كان يتآكل قلقاً من جسامة ما يوشك على أن يطلقه من عقاله. وهناك، في مقر القوات الخاصة، يقرر الجنرال التمهيد لفكرته، فيبدأ حديثه قائلاً: لقد جئت إلى هنا حاملاً إليكم بذرة فكرة، فيومئ قادة القوات الخاصة برؤوسهم. ما الذي يحدث في حال كانت إحدى الوحدات تقوم بعملية بعيداً عن حماية الوحدات الرئيسة، وتعرض أحدهم للأذى؟ ما الذي يحدث إن أصيب بجروح؟ كيف تتعاملون مع ذلك الأمر؟. وينقّل بصره عبر الغرفة بين الوجوه الخالية من أي تعبير. ويتابع العلاج الروحاني، ويقابل بالصمت. فيقول الجنرال مشيراً إلى رأسه: هذا ما نتكلم عنه. فإن أنتم استخدمتم القوى الذهنية، فعلى الأرجح أنكم ستخرجون فريقكم كاملاً وهو حيّ لم يمس، ولن تضطروا إلى ترك أي فرد منهم خلفكم، ويأخذ هنيهة ليستطرد بعدها قائلاً: بمعنى حماية هيكلية الوحدة من خلال العلاج باللمس وعدم اللمس!. لم يبدُ على قادة القوات الخاصة الاهتمام بمسألة العلاج الروحاني. حسناً، قالها الجنرال بعد أن استشعر البرود الذي قوبلت به كلماته، لكن ألن تكون فكرة رائعة لو استطعتم تعليم أحدهم القيام بهذا؟. وتنطلق يد الجنرال ستابلباين منقبة في حقيبته ليخرج منها بزهو سكاكين قد انحنت نصالها. ماذا لو كان بمقدوركم القيام بهذا؟ ألن تجدوه مثيراً للاهتمام؟. لا يزال الصمت مخيماً. ويجد الجنرال نفسه متلعثماً قليلاً رغماً عنه، فيفكر في سرّه قائلاً: إنهم ينظرون إليّ كما لو كنت مجنوناً. لا شك في أنني لا أعرض الفكرة بشكل صحيح. ويرسل نظرة قلقة الى الساعة ويقول: فلنتحدث عن الزمن. ماذا لو لم يكن الزمن مكوناً من لحظات؟ ماذا لو كان للزمن أبعاد ثلاثة؟ ماذا لو لم يكن نقطة بل كان فضاء؟ أي في أي لحظة زمنية محددة يمكن أن نكون في أي مكان من الفضاء! فهل الفضاء مقيد بسقف هذه الغرفة، أم أن الفضاء هو عشرون مليوناً من الأميال؟ ويضحك الجنرال قائلاً: يطير صواب علماء الفيزياء عندما أتكلم على هذا النحو!. صمت ثقيل لا يزال، فيحاول مرة أخرى. الحيوانات!، عندها يتبادل قادة القوات الخاصة النظرات في ما بينهم، فيستطرد الجنرال قائلاً: إيقاف قلوب الحيوانات، بل تفجير قلوب الحيوانات. تفجير الحيوانات ويقول المؤلف الذي التقى ستابلباين: إن محاولة الجنرال المشي عبر جدار مكتبه، والتي كان مقدراً لها أن تمنى بالفشل، وكذلك رحلته إلى فورت براغ التي بدت ظاهرياً بأنها عقيمة، كلتاهما ظلّتا طي الكتمان إلى أن أماط الجنرال اللثام عنها أمامي، في الغرفة 403 من فندق تاريتاون هيلتون شمال نيويورك، في يوم بارد من أيام الشتاء، وبعد مرور عامين على بدء الحروب ضد الإرهاب. خاطبني قائلاً: لأكون صادقاً معك يا جون، لقد حجبت عن ذاكرتي بقية الحديث الذي جرى بيني وبين القوات الخاصة. نعم، لقد غيبته! وغادرتهم وأنا أجرجر أذيال الخيبة. صمت ونظر الى الجدار، ثم تابع: أتعلم؟ لقد وثقت حقاً بأنها كانت أفكار عظيمة، ولا أزال بذلك حتى الآن. إنني فقط لم أستطع اكتشاف السبيل إلى جعل الفضاء الذي أشغله يمر عبر ذلك الفضاء. فأخذت المرة تلو الأخرى أرتطم بالجدار. لم أقدر... لا، لم أقدر ليس هو التعبير الصحيح، بل إنني لم أستطع حمل نفسي على الوصول إلى الحالة الذهنية الصحيحة، وزفر زفرة حرّى، إن كنت ترغب في أن تعلم، فقد سبب ذلك خيبة أمل كبيرة بالنسبة إليّ، تماماً كما كان الحال مع محاولاتي أن أرتفع في الهواء. سألته لماذا؟ لأنك إذا غدوت تافهاً في عالم المخابرات، فسيكون الثمن باهظاً جداً. لا يمكن أن يفوتك أي أمر. إن كنت لا تصدق ذلك، فإذاً اعتبر من أولئك الإرهابيين الذين ارتادوا مدارس لتعلم كيفية التحليق بالطائرة ولكن ليس الهبوط بها. وأين عساها معلومات كتلك قد ضاعت؟ لا، لا ينبغي أن يفوتك أي شيء عندما تكون جزءاً من عالم المخابرات. كان هناك أمر يتعلق برحلة الجنرال إلى فورت براغ لم يكن أي منا على علم به في يوم لقائنا. وهو عبارة عن معلومة سرعان ما ستقودني الى ما يمثل الزوايا الأكثر ظلمة وجنوناً في حرب جورج دبليو بوش على الإرهاب. فما كان الجنرال يجهله أي ما أبقته القوات الخاصة طي الكتمان هو أنها في الواقع عدّت أفكاره ممتازة وعلاوة على ذلك، ففي الحين الذي عرض عليهم برنامجه السري لتفجير قلوب الحيوانات وأجابوه بأنه لا سبيل لديهم للوصول الى حيوانات، كانوا لا يخفون عنه حقيقة احتفاظهم بمئة رأس من الماعز في حظيرة لا تبعد عن مقرهم أكثر من بضع ياردات. حقيقة وجود أعداد الماعز هذه كانت معروفة لدى قلة منتقاة فقط ممن هم من خارج القوات الخاصة. وقد ساعد على الحفاظ على طبيعة وجودها السرية كونها قد حرمت من قدرتها على الثغاء. لقد كانت تقف هناك وحسب، تفتح وتغلق أفواهها من دون أن يصدر عنها أي صوت. بل إن العديد منها كذلك قد وضعت قوائمها في جبائر جصية. والمعلوم إن حكاية هذا الجنرال الأميركي قد تحولت إلى فيلم سينمائي من بطولة جورج كلوني بعنوان “الرجال الذين يحدقون في الماعز”. الكتاب: عندما أصيبت النخبة الأميركية بالخبل المؤلف: جون رونسون ترجمة: مهى عز الدين الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©