الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المكتوب يقرأ من عنوانه

المكتوب يقرأ من عنوانه
9 نوفمبر 2011 22:39
تسميات عديدة أطلقت على العنونة الخارجية والداخلية وعلى المقدمات والشواهد والتصديرات، فقد سماها بعض النقاد بهوامش النص، وأطلق البعض عليها تسمية المحيط النصي أو عتبات النص لأن المرور إلى النص لابد أن يكون عبرها، في حين استخدم البعض الآخر مصطلحات النص الموازي أو النص الصغير الذي يحيل على النص الأكبر، ويقيم معه علاقة ارتباط عضوية. تعود بدايات هذا التحول في الممارسة النقدية من التمركز حول النص إلى هوامشه إلى بدايات ظهور النقد التفكيكي والسيمائي مطلع سبعينيات القرن العشرين، إذ عمل النقد التفكيكي على نسف سلطة المركز ورد الاعتبار إلى هوامش النص. إن الاهتمام بدراسة العنونة جاء من خلال شعريته والوظائف التي يقوم بها، والأدوار الذي تلعبها على مستوى العلاقة بين النص والقارئ، ومن الموقع الذي تحتله والوظائف التي تقوم بها، فهي التي تقدم العمل الذي تسميه مشكلة صلة الاتصال الأولى بين القارئ والعمل، حيث تقوم العنونة بعملية إكساب القارئ معرفة بالنص وتنظيم تلك المعرفة وتأويلها. وإذا كان العنوان يوضع عادة بعد الانتهاء من كتابة العمل، فإن اختياره ينطوي على مقاصد دلالية محددة، بحيث يشكل تكثيفا واختزالا لمضمون العمل أو فكرته الرئيسة أو يحمل اسم الشخصية المركزية فيه أو المكان الرئس الذي تجري فيه أحداث الرواية، فهو إما يكون على مستوى بنيته اللغوية متألفا من كلمة واحدة أو جملة اسمية أوجملة فعلية أو شبه جملة، أو قد يكون مؤلفا من أكثر من جملة واحدة، وغالبا ما تكون تلك البنية مرتبطة ببنية العمل اللغوية من خلال شعرية العنوان وعلاقته العضوية بالعمل الذي يتوجه. العنوان كمفتاح تأويلي يمثل العنوان نقديا واجهة إشارية دلالية، أو علامة دالة ذات بعد إيحائي يتسم بتمثيله الجزئي للنص أو شموليته له، وقد يحيل على خارج النص الذي يستمد منه بعض معناه، فيكون لابد من إحالته عليه لتفسير معناه، كما يحيل على داخل النص من خلال علاقته العضوية معه، الأمر الذي يجعل منه مفتاحا رئيسا للدخول إلى عالمه. وفي دراستنا لاستراتيجيات العنونة في الأدب الإماراتي سنحاول مقاربة مجموعة كبيرة من العناوين التي تتوج أعمالا شعرية وقصصية وروائية صدرت في مراحل زمنية مختلفة بغية الوقوف على أي تحول طرأ على تلك الاستراتيجيات، من خلال تناول تلك العناوين بالدراسة أفقيا بهدف التعرف إلى البنية التكوينية لتلك العناوين عبر تعالقاتها مع بعضها البعض، للوصول إلى اكتشاف ما يمكن أن يكون قد طرأ على بنية تلك العناوين من تبدل على مستويي البنية اللغوية، من حيث التكثيف والاقتصاد اللغوي الشديد أو العكس، والبنية الدلالية والرمزية لها: العنوان الذي يتألف من كلمة واحدة: تتميز العنونة على مستوى بنيتها اللغوية باقتصادها اللغوي الشديد فهي تتألف من كلمة واحدة هي في الغالب اسم للشخصية المركزية في العمل السردي، أو اسم للمكان الذي تجري فيه أحداث القصة أو الرواية الأساس وفي الشعر غالبا ما يكون الاسم لشخصية خاصة ذات بعد غنائي. ولعل ما تكشف عنه القراءة الأولية لتلك العناوين أنها وبحكم شعريتها ترتبط على مستوى بنيتها اللغوية بعلاقة عضوية مع العناوين الداخلية للنصوص الشعرية على وجه الخصوص، إذ يتمز كل منهم باقتصاده اللغوي الشديد والميل إلى الاقتصاد والاختزال في بنيته، كما سنجد ذلك في العناوين الشعرية التالية (مسارات، الترانيم، أضداد لحمدة خميس، شغف لظبية خميس، ميارى والملامح لحبيب الصايغ، رواحل والجرائر لنجوم الغانم، شتاء لخالد البدور، جدران للهنوف محمد). إن قراءة تلك العناوين من حيث بنيتها الدلالية تبين أنها قد تكون ذات دلالة مكانية (مسارات ـ جدران) أو دلالة نفسية أو فكرية (شغف ـ الترانيم ـ أضداد ـ الجرائر) أو اسم حيوان بصيغة الجمع (رواحل) أو اسم يحمل دلالة جزئية (الملامح لحبيب الصايغ ) أو دلالة زمنية (شتاء لخالد البدور). أما بالنسبة لعناوين الأعمال السردية فهي تتميز إما بجزئية تمثيلها للنص السردي عندما يكون العنوان اسما لشخصية البطل (طفول لسعاد العريمي، ميادير لناصر جبران، هاجر سلمى سيف مطر، شاهنده لراشد عبدالله، فيروز لمريم جمعه فرج، سلايم لعلي أبو الريش) أو لاسم المكان الذي تجري فيه أحداث العمل الرئيسة (خان لابراهيم مبارك) أواسما معنويا (الاعتراف لعلي أبو الريش). وقد غاب الفعل عن تلك العناوين التي جاءت في الغالب في صيغة نكرة على مستوى بنيتها النحوية بغية إعطاء معناها الدلالي معنى مفتوحا وعاما. العنوان الذي يتألف من جملة واحدة: كثيرة هي العناوين التي تتألف من جملة واحدة وتتسم أيضا بالاقتصاد الواضح في بنيتها اللغوية. تتميز تلك العناوين على مستوى بنيتها النحوية بالحذف فهي غالبا من تكون جوابا لمبتدأ محذوف كما سنلاحظ بعد قليل، حيث تتميز وظيفة الحذف هنا بخلق حالة من الغموض على المستوى الدلالي. أما السمة الثانية لتلك العناوين فهي هيمنة الجملة الاسمية على تلك العنونة في حين تظهر محدودية ظهور الجملة الفعلية في تلك العنونة، وعلى المستوى البنية الشعرية لتلك العناوين فهي تتميز لاسيما في عنونة الأعمال الشعرية بأنها ذات طبيعة مجازية تتناسب مع البنية التكوينية للغة الشعرية في تلك الأعمال، في حين أن تلك العناوين في الأعمال السردية، هي تدل غالبا على اسم المكان الذي يمكن أن يكون في الغالب هو المكان الذي يجري فيه الحدث المركزي في العمل السردي، كما في هذه العناوين (حقل غمران لسعاد العريمي، طوي بخيتة لمريم الغفلي، رياح الشمال لشيخة الناخي، تل الصنم ونافذة الجنون لعلي أبو الريش) أويكون ذا دلالة زمنية (ليل الدمى لحارب الظاهري) أو اسما للشخصية المركزية (زينة الملكة ومجبل بن شهوان لعلي أبو الريش) أو تقوم بنيته على التقابل الضدي (السيف والزهرة لعلي أبو الريش) أو صفة (علاقة خطرة ورجولة غير معلنة لباسمة يونس، ضجر طائر الليل لابراهيم مبارك) أو جملة تقريرية (الحياة كما هي لظبية خميس) أو ذات بنية غرائبية (بنت نارنج التارنج لسارة الجروان، أو يحمل دلالة رياضية (زاوية حادة). أما على مستوى العنونة الشعرية فهناك العنوان ذو البنية الاستعارية المجازية (مس من الماء ـ أوراق الماء ـ عزلة الرمان لحمدة خميس، وردة الكهولة لحبيب الصايغ، منازل الجلنار لنجوم الغانم)، أو العنوان الذي يحمل دلالة زمنية (مساء الجنة لنجوم الغانم، نحو الأبد لظبية خميس) أو اسم إشارة (هذا أنا لكريم معتوق، هذا هو الساحل.. أين البحر لمؤيد الشيباني) أو حرفا (هاء الغائب لخلود المعلا) أو اسم مكان (صحراء في السلال لابراهيم الملا، خطوة فوق الأرض، جنة الجنرالات لظبية خميس، الطريق إلى رأس التل لابراهيم محمد إبراهيم) أو صفة (انتحار هادئ جدا لظبية خميس، ذاهل عبر الفكرة لجمعة الفيروز، قلق ـ تفاصيل لإبراهيم الهاشمي). ويقتصر ظهور العنوان الذي يتألف من جملة فعلية في عدد من عناوين الأعمال الشعرية (يحدث هذا فقط لأحمد العسم، حدث في اسطنبول لكريم معتوق، تركت نظرتي في البئر لابراهيم الملا) أو في جملة تبدأ بحرف نفي (لا وصف لما أنا فيه لنجوم الغانم) أو بفعل طلب (ليجف ريق البحر لثاني السويدي). ومن العناوين الأخرى عناوين تحمل دلالة أدبية (قصائد حب لظبية خميس) أو دلالة وجودية (موت العائلة لظبية خميس). العنوان الذي يتألف من شبه جملة: يأتي هذا المستوى من العنونة في الدرجة الأخيرة نظرا لمحدودية استخدامه مقابل العنونة الاسمية ذات الطابع الوصفي، إذ استخدم في العنونة السردية مرة واحدة كعنوان لمجموعة الكاتب عبد الحميد أحمد (على حافة النهار)، في حين ظهر في العنوانة الشعرية مرتين (بانتظار الشمس لصالحة غابش، من أغاني العاشق القديم لأحمد محمد عبيد). العنونة الطويلة يتميز هذا النوع من العنونة بأنه ذات بنية لغوية تتسم بطولها النسبي، على خلاف العناوين السابقة التي تتميز بتكثيفها واقتصادها اللغوي الذي يكون شديدا في العناوين المؤلفة من كلمة واحدة. وعلى غرار العناوين السابقة فإن تلك العناوين تظهر في العنونة الشعرية أكثر مما تظهر في عنونة الأعمال السردية القصصية والروائية ما يشكل مفارقة غريبة، إذ يتميز الشعر عادة بلغته المكثفة الموحية، في حين أن الرواية على خلاف ذلك. إن اعتماد استراتيجية العنونة في الأعمال الشعرية على العنونة الطويلة يعكس الرغبة في التعبير عن الفكرة المحورية أو تجسيد صورة شعرية ذات طابع مجازي يضع المتلقي في مناخ التجربة المقدمة منذ البداية. ومن تلك العناوين عناوين ثلاثة من أعمال الشاعرة ظبية خميس هي (أنا المرأة الأرض كل الضلوع ـ السلطان يرجم امرأة حبلى بالبحر ـ صبابات المرأة العمانية) ففي العنوان الأول تسعى للتأكيد على العلاقة الرمزية بين المرأة والأرض على مستوى الإخصاب والولادة وعلى أنها تشكل بداية الخلق في محاولة لاستعادة قيمة المرأة المغيبة، في حين يحمل العنوان الثاني دلالة رمزية تدل على الثورة المختزنة في أعماق المرأة. وتظهر تلك الاستراتيجية في عنونة بعض أعمال الشاعر المعروف حبيب الصايغ (هنا بار بني عبس ـ التصريح الأخير للناطق باسم نفسه ـ قصائد على بحر البحر)، وكذلك في عنوان مجموعة مؤيد الشيباني (هذا هو الساحل.. أين البحر) وديوان نجوم الغانم (لا وصف لما أنا فيه)، وديوان عارف الخاجة (علي بن المسك يفاجئ قاتليه)، وديوان (العزف على أوتار الجرح) لشيخة الناخي، وأخيرا عنوان مجموعة الشاعر أحمد راشد ثاني الذي يتميز ببنيته المجازية (جلوس الصباح على البحر). وعلى مستوى استراتيجيات العنونة في الأعمال السردية هناك عنوانا عملين لعلي أبو الريش هما (ثلاثية الحب والماء والتراب/ وثنائية الروح والحبر والتمثال) وكما نلاحظ فإن بنية العنوانين تقوم على قاعدة التثليث على الرغم من تضمن العنوان الثاني لكلمة الثنائية، حيث تقوم العلاقة بينها على الربط من خلال واو العطف. وهناك عنوان رواية سارة الجروان (طروس إلى مولاي السلطان) وعنوان مجموعة فاطمة المزروعي (وجه أرملة فاتنة)، وإذا كانت تلك العنونة تتسم ببنية لغوية تحمل طابعا وصفيا تغيب عنه العنونة المؤلفة من جمل فعلية، فإن استخدامها في مجال الأعمال السردية يبقى محدودا مقابل العنونة الشعرية، كما تغيب عنه البنية المجازية الاستعارية كما ظهر ذلك في استراتيجيات العنونة الشعرية أيضا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©