الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

50 مليون «يورو» على الطريق إلى «الإليزيه»

50 مليون «يورو» على الطريق إلى «الإليزيه»
6 نوفمبر 2013 19:18
صدر هذه الأيام بباريس كتاب جديد عنوانه: Sarkozy-Kadhafi Histoire secrète d’une trahison “ساركوزي ـ القذافي: قصة سرية لخيانة” لمؤلفته الصحفية الفرنسية Catherine Graciet كاترين جراسييه. وقد أعاد هذا الكتاب للواجهة قضية الدعم المالي الكبير من معمر القذافي للحملة الانتخابية للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي عام 2007. وتجزم المؤلفة في كتابها ـ اعتماداً على ما جمعته من وثائق ومعلومات ـ بتلقي الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من العقيد معمر القذافي مبلغ 50 مليون يورو لتمويل حملته الانتخابية التي قادته عام 2007 إلى قصر الإليزيه. وهذه المعلومة في مجملها ليست جديدة، فقد سبق لسيف الإسلام القذافي قبل سقوط نظام والده بقليل أن أعلن في شبكة “يورونيوز” التلفزيونية أن ساركوزي تلقى أموالاً من ليبيا، مؤكداً أن لديه الوثائق التي تثبت ذلك، والجديد في هذا الكتاب أن مؤلفته قامت بعمل استقصائي استمر ثمانية أشهر بأكملها، واتصلت بالعديد ممن لهم صلة بهذه القضية، ومن بينهم ليبيون من المقربين من العقيد القذافي، وكان البعض منهم شهود عيان على المفاوضات السرية التي جرت في طرابلس وباريس لإتمام عملية تسليم الأموال وأمدوها بمعطيات تصفها في كتابها بأنها دقيقة وزودوها بمعلومات تقول إنها مؤكدة لأنها تستند إلى أدلة دامغة عن تحصل نيكولا ساركوزي فعلاً على مبلغ 50 مليون يورو لتمويل حملته الانتخابية، بل إن البعض منهم ـ وفق ما ذكرته المؤلفة ـ عبروا لها عن استعدادهم، إن توفرت لهم الضمانات الكافية لسلامتهم، للإدلاء بشهاداتهم أمام القضاء الفرنسي. شاهد عيان وتؤكد كاترين جراسييه ـ وهي في الأصل صحفية ـ أنها التقت بمسؤول كبير سابق في اللجان الثورية في عهد معمر القذافي واسمه “الطاهر” كان حاضراً وشاهد عيان في مناسبتين اثنتين هامتين مرتبطتين بعملية المفاوضات بشأن تسليم الأموال: الأولى أثناء زيارة سرية لوفد فرنسي كان من بين أعضائه رجل سياسة فرنسي معروف، وأقاموا بفندق “كورنيتا” بمدينة طرابلس، حيث تمت المفاوضات والمشاورات السرية مع رجال معمر القذافي المكلفين بهذا الملف، والمناسبة الثانية التي كان نفس الشخص حاضراً فيها تمت في ديسمبر 2006 بباريس لتسليم الأموال بعد أن صدر قرار القذافي بصرف المبلغ. ورغم أن المؤلفة الفرنسية كاترين جراسييه تكتمت أحياناً على بعض تفاصيل العمل الاستقصائي الذي قامت به، ولم تذكر مثلا أين التقت بمصادرها، إلا أننا علمنا أنها قامت بزيارات لتونس التقت خلالها ببعض الليبيين المتنفذين في عهد معمر القذافي، كما التقت أيضاً ببعض من لهم إلمام بهذا الملف الملغم، وليس مستبعداً أن تكون اتصلت ـ على سبيل الذكر لا الحصر ـ بالمحامي التونسي البشير الصيد، وهو رجل سياسة تونسي من الاتجاه القومي وكانت تربطه علاقات متميزة بالنظام الليبي السابق ورجالاته، وهو الذي تولى الدفاع عن البغدادي المحمودي آخر رئيس حكومة في عهد القذافي. كما أن مترجم معمر القذافي الرسمي أكد بصفته شاهد عيان أمر تسليم الأموال.. وقال مفتاح ميسوري المستشار الدبلوماسي والمترجم الخاص لمعمر القذافي في شريط بثه موقع “ميديا بارت” الفرنسي إن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي تلقى 20 مليون دولار من القذافي لتمويل حملته الانتخابية في 2007. وتفيد المؤلفة بأن هناك فيديو لم تطلع عليه يسجل ويوثق بالصورة والصوت المفاوضات السرية بين الوفدين الفرنسي والليبي التي جرت بفندق بمدينة طرابلس، وأن الفيديو كان محفوظاً لدى سيف الإسلام، وقد سلمه قبل القبض عليه لأحد الثقاة من أصدقاء طفولته، وهناك معلومات تفيد أن جزءاً من هذا الفيديو قد تم تسريبه، وتهريبه إلى بعض الأشخاص في أربع دول أوروبية مختلفة. وتكشف الكاتبة أنها تحصلت على معلومات تؤكد أن طائرة حلت في مطار “بورجيه” الفرنسي قادمة من طرابلس كانت تحمل جزءاً من المبلغ نقداً وهو 30 مليون يورو لتمويل الحملة الانتخابية لنيكولا ساركوزي. الكتاب يدخلنا إلى عالم غريب هو عالم أشبه بأفلام الجوسسة ويسميه السياسيون “عالم الدبلوماسية الموازية”، وفيه مفاوضات ولقاءات سرية ووسطاء وتجار سلاح وعمولات، فبعد نجاح ساركوزي في حملته الانتخابية التي انتهت بدخوله إلى “قصر الإليزيه” رئيساً جديداً لفرنسا خلفاً لجاك شيراك، بدأت المفاوضات لبيع ليبيا أسلحة وطائرات حربية فرنسية، وجاء في الكتاب أنه عندما يتعلق الأمر ببيع فرنسا لطائرات حربية هي طائرات “رافال” إلى ليبيا بمبالغ مالية خيالية، فإن كل شيء يصبح مباحاً وترمى بمسألة حقوق الإنسان في سلة المهملات، وتصبح ما يصطلح على تسميته “سياسة فرنسا العربية” مجرد كلمات للتسويق. واللافت أن كل هذا كان يجري في أعلى هرم السلطة. ومن الوسطاء الذين جاء ذكرهم في الكتاب رجل الأعمال الفرنسي اللبناني زياد تقي الدين، والذي سبق ـ في عملية تصفية حساب مع ساركوزي ـ أن أكد هو أيضاً أنه يمتلك أدلة على تمويل ليبيا للحملة الانتخابية لساركوزي عام 2007. بين تاريخين إن الكل يذكر أنه خلال شهر ديسمبر 2007 استقبل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي استقبالاً رسمياً في جو من الأبهة والفخامة والبهرج العقيد معمر القذافي في زيارته الرسمية إلى فرنسا الفرنسية. وفي شهر مارس 2011 قرر الرئيس الفرنسي نفسه نيكولا ساركوزي الدخول في حرب في ليبيا لإسقاط معمر القذافي ونظامه. والمؤلفة تحلل الفترة الفاصلة بين التاريخين متسائلة: ما الذي جرى لينقلب ساركوزي على القذافي؟ ولماذا تنكر لمن ساعده بالأموال للوصول إلى كرسي الحكم؟ وتجيب مؤلفة الكتاب كاترين جراسييه بأن ذلك يتلخص في كلمة واحدة هي: الخيانة. وتشير كاترين جراسييه في نفس هذا السياق إلى أن الحرب التي جرت في ليبيا أسفرت لحد الآن عن موت 160 ألف مواطن. ومن الأشخاص الذين يتكرر ذكرهم في الكتاب بوريس بوالون وهو مستشار نيكولا ساركوزي الذي كان يلقبه بـ”العربي الصغير” في حين أن القذافي كان يناديه بـ”يا بني”، وهذا الرجل الذي يتكلم اللغة العربية بطلاقة لعب دوراً في المفاوضات التي جرت لإطلاق سراح الممرضات البلغاريات المتورطات في قضية الدم الملوث الذي تسبب في وفاة عدد كبير من الأطفال الليبيين، ورغم أن سيسيليا الزوجة السابقة لساركوزي أرادت في كتابها الصادر قبل أيام أن تظهر في مظهر البطلة الوحيدة التي قامت بمفردها بالتفاوض مع معمر القذافي لإطلاق سراحهن فإن مؤلفة هذا الكتاب تؤكد أن سيسيليا لم تكن إلا مجرد كومبارس وديكور وواجهة لعملية تم إعدادها وترتيب تفاصيلها من بعض المقربين من الرئيس ومن بينهم مستشاره بوريس بوالون. وجزاء له على نجاحه في المهمة الدقيقة التي كلفه بها الرئيس، فقد عينه بعد ذلك سفيرا لفرنسا في العراق ثم في تونس قبل أن يصبح رجل أعمال، وتم يوم 31 يوليو 2013 ضبطه وهو يستعد لكي يستقل القطار من باريس إلى بروكسل محملاً بمبلغ مالي صخم نقداً من فئة اليورو والدولار، وهو ما يمثل مخالفة للقوانين المعمول بها، وقد علل فعلته بأنه يعمل مستشاراً لشركات عراقية وأنه يغنم سنوياً مبالغ كبيرة، واعتباراً لوضع العراق فإن هناك صعوبة في تحويل مستحقاته عبر البنوك، وأنه بسبب ذلك يتسلمها نقداً، وهو تعليل لم يقنع كثيراً والتحقيق لا يزال مستمراً. والمؤكد أن الوسطاء في مسألة الأموال المسلمة إلى حملة ساركوزي ومن بينهم لبنانيون وفرنسيون قد نالوا نصيبهم من “الكعكة”، وصرفت لهم مكافآت مالية مجزية جداً، والمؤلفة تفكك في كتابها الشبكة وتذكر الأسماء أو بعضها على الأقل كما تكشف لأول مرة عن وثائق لم تنشر من قبل حول مفاوضات لبيع أسلحة فرنسية إلى ليبيا عام 1999. وتجدر الإشارة إلى أن مسألة تمويل معمر القذافي للحملة الانتخابية لساركوزي قد وصلت في بعض جوانبها إلى القضاء، وأن نيابة باريس قد فتحت تحقيقاً قضائياً ضد “مجهول” بتهمة الفساد والتزوير و.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©