الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

هل كان عبد الرحمن بدوي فيلسوفاً؟

17 مارس 2007 01:41
القاهرة - حلمي النمنم: بعد مرور خمسة أعوام على وفاة الفيلسوف المصري عبدالرحمن بدوي (1917 ـ 2002) يحاول الكثيرون انتزاع لقب فيلسوف منه لأنه لم يقدِّم إسهاماً ذا قيمة أو نظرية جديدة في الفلسفة، لكن تلاميذ ومريدي بدوي مصممون على أنه فيلسوف كبير، وأن له إبداعات وإسهامات وبصمات واضحة في هذا المجال، وقد كانت تلك المشكلة أو الإشكالية، إن صحَّ التعبير، هي محور الندوة التي اقامتها ''لجنة الفلسفة'' في ''المجلس الأعلى المصري للثقافة'' لتكريم عبدالرحمن بدوي بمناسبة مرور تسعين عاماً على مولده· بدوي توفى في صيف 2002 بعد فترة مرض طويلة قضاها بـ ''مستشفى معهد ناصر''، وكان قد خرج من مصر عام ،1969 وظلَّ بعيداً عنها متنقلاً بين ليبيا والكويت وإيران ولبنان إلى أن استقر نهائياً في فرنسا حتى حُمل الى مصر بعد أن أصابه المرض في باريس· الندوة كانت للإشادة بعبد الرحمن بدوي ''فيلسوفاً'' لكن الدكتور سعيد توفيق، أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة، شكَّك في أن بدوي فيلسوف، لأنه لم يقدِّم إبداعاً فلسفياً، وأن بعض مريديه وتلاميذه من أمثال أنيس منصور هم الذين أشاعوا أنه فيلسوف عربي· وقال بدوي ذلك عن نفسه فيما بعد في كتابه ''موسوعة الفلسفة'' التي صدرت طبعتها الأولى في مجلدين ببيروت نهاية العقد الماضي ثم أضاف إليها مجلداً ثالثاً في طبعتها الثانية، خصَّ نفسه فيها بمادة تعد الأطول في الموسوعة، متحدثاً عن نفسه باعتباره فيلسوفاً، ولم يضم أحداً من زملائه ومعاصريه العرب إلى الموسوعة؛ فهو يرى أنهُ الفيلسوف العربي الأوحد في عصرنا· وإذا فهمنا الفيلسوف على أنه من يقدِّم مذهباً جديداً في ''فلسفة الوجود'' أو في ''نظرية المعرفة''، فإن بدوي ليس فيلسوفاً، فقد استند هو وتلاميذه على أن كتابه ''الزمان الوجودي'' وهو رسالته للدكتوراه من جامعة القاهرة ونشر عام ،1945 يحمل مذهباً فلسفياً، والواقع أن ''الزمان الوجودي'' تأثر إلى حدٍّ كبير بكتاب الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر ''الزمان والوجود''، وقد سار بدوي على نهج هيدجر والوجوديين الألمان عموماً، لكن ذلك لا يدفعنا إلى تجاهل الدور المهم الذي قام به بدوي في الثقافة والفكر العربي المعاصر، ويمكن أن نرصد هذا الدور في تعريف القارئ العربي بالتيار الوجودي وبعدد من الشخصيات الكبرى في الفلسفة الغربية مثل: أفلاطون، وأرسطو، ونيتشه، وشوبنهور، وشبنجلر، وكانط، وهيجل، وغيرهم· والاهتمام بتحقيق عدد كبير من النصوص الفلسفية العربية والاسلامية، وترجمة أبحاث ودراسات المستشرقين حول الحضارة الاسلامية بشخصياتها وأفكارها، ومحاولة المزج بين بعض الأفكار الغربية وأفكار الحضارة الإسلامية· إلى جانب ذلك، كان بدوي قد توقَّف عند من سمّاهم شخصيات قلقة في الإسلام، كذلك أمام ما أطلق عليه ''تاريخ الإلحاد في الإسلام''، ولفت انتباه الدارسين العرب إلى أهمية تلك الشخصيات والدور الذي قامت به في تراثنا وثقافتنا القديمة مثل الحلاج، وسلمان الفارسي، والرازي، وأبي حيان التوحيدي وغيرهم· وفي تناوله لتلك الشخصيات لم يتوقَّف أمام خصومات مذهبية وكان متجاوزاً تلك المسألة، ولعل الذي يتابع موجات التكفير الراهنة في عالمنا العربي والفتنة المذهبية التي يحاول البعض الترويج لها واشعالها بين السُّنة والشِّيعة يدرك كم كان عبد الرحمن بدوي وعدد من مجايليه يتمتعون بأفق واسع، وهو في النهاية تلميذ طه حسين صاحب كتاب ''الفتنة الكبرى'' والتي أنصف فيها علي بن أبي طالب· حاول بدوي أن يغرس الفكر الوجودي في قلب الفكر الإسلامي، وله في هذا السبيل محاولة مهمة في ذلك من خلال كتابة ''الانسانية والوجودية في الفكر العربي'' الصادر عام ،1947 حيث سعى إلى التركيز على النزعة الإنسانية كما عرفها الفكر الغربي، ليمتد بها إلى مجال الفكر الاسلامي والتصوُّف تحديداً، ولم يواصل تلك المحاولة ولا دفع أحداً من تلاميذه إلى السير في هذا المجال، وهو في هذه المحاولة، وفي جهوده حول الفكر والفلسفة الإسلامية، كان يحاول كسر العزلة السَّلفية عن ذلك الفكر، وينطلق به إلى أفق إنساني رحب وممتد، وقد وجد ذلك الأفق لدى المتصوِّفة بالأخص، ومعظم كتاباته أو ترجماته وتحقيقاته في الجانب الاسلامي تقوم على أن هذا الفكر لم يكن معزولاً يوماً عن التيارات الفكرية والحضارية المعاصرة له أو السابقة عليه في العالم، خاصة لدى اليونان والفرس حتى في أدق جوانب الفكر الإسلامي، والتي قد نتصورها شديدة الخصوصية، فهو صاحب كتاب ''التراث اليوناني في الحضارة الاسلامية'' الذي كان عبارة عن دراسات مترجمة لعدد من المستشرقين، ولديه كتاب ''الأصول اليونانية للنظريات السياسية في الإسلام''، وكان يعتزم إصدار جزء ثانٍ منه عن الأصول الفارسية، لكن تعدُّد اهتماماته حال دون ذلك، ووصل في عدد من دراساته إلى أن الإسلام حين دخل البلاد ذات الحضارة القديمة، كما هو الحال في بلاد فارس أو الرافدين أو مصر، لم يقض على شخصية تلك البلاد ولا ثقافاتها، بل حدث تواؤم معها، ولعل هذا ما يفسر تعدُّد النماذج الإسلامية بين هذه البلدان، وهو بالمقابل لم يتجاهل تأثير الحضارة الاسلامية بأفكارها وفنونها في الحضارة الغربية المعاصرة، وأصدر في ذلك كتابه ''دور العرب في تكوين الفكر الأوروبي'' الذي وقف فيه على مناطق التماس ولحظات الالتقاء بين الجانبين سواء في صقلية أو في بلاد الاندلس أو في خلال الحروب الصليبية، والمعنى النهائي لديه أنه ليس هناك فكر نقي كما قد يتصوَّر البعض في العالم الاسلامي أو في الغرب، وليس هناك فكر صاحب معجزات فكل فكر قوي يتأثر بما سبقه من أفكار وثقافات والدراسات الأثرية والانثروبولوجية تؤكد ذلك اليوم· اتهم عبدا لرحمن بدوي الكثير من الدارسين العرب بأنهم لا يعرفون ولم يطالعوا تراثهم جيداً، ولا طالعوا أيضاً الفكر الغربي، ففي عام 1979 أصدر كتاب ''دراسات المستشرقين حول صحة الشعر الجاهلي''، وتناول الكتاب أزمة كتاب د· طه حسين ''في الشعر الجاهلي'' الذي صدر عام 1926 والذي تمَّ التحقيق معه أمام ''النيابة العامَّة'' في مصر بسببه، وكانت مفاجأة بدوي أن ما طرحه طه حسين حول انتحال الشعر الجاهلي وفساد بعض مصادره كان متداولاً بين الدارسين العرب منذ القرن الثاني وحتى الرابع الهجري، وتوقَّف عند ابن سلام الجمحي وما أورده في ''طبقات الشعراء'' وترجم بدوي أبحاث عدَّة لمستشرقين حول هذه القضية سبقوا المستشرق ''مارجليوث'' الذي اتهم طه حسين بأنه نقل عنه· إن الدور الذي بدأه بدوي لم يواصله الدارسون الجدد، بل إن معظمهم، وتحديداً في أقسام الفلسفة، مازالوا يعيشون فكرياً على أعمال بدوي، ولم يتجاوزوها، وهناك عدد من ''الرسائل الجامعية'' بـ الجامعات المصرية حول بدوي وما قدَّمه لكنها لا تنطلق لمواصلة الطريق·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©