الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

"بين يومين": عرض جريء وحوارات تائهة

17 مارس 2007 01:56
الشارقة ـ إبراهيم الملا: تسيدت قضايا المرأة وعذابات الأنوثة ولليوم الثاني من أيام الشارقة المسرحية على العروض الأربعة التي شهدناها حتى الآن، فعرض ''جنة ياقوت'' تناول قضية المرأة الغريبة القادمة إلى بيئة صادمة ومتقلبة من أجل الخروج من دوامة الفقر والعوز، وعرض''شوّاق'' تناول حكاية المرأة المغلوبة على أمرها، والمسيّجة بالعار وكل معاني النبذ الاجتماعي، وعرض ''ساهر الليل'' تعاطف مع المرأة المعاقة التي تبحث عن حيز داخلي للحرية وتحقيق الذات، أما عرضنا الرابع الذي نحن بصدد الحديث عنه، فيذهب وبشكل جريء نحو التفاصيل المسكوت عنها في كواليس الذكورة وما يدور فيها من حيل ودسائس ورغبات، تتحول المرأة من خلالها إلى كائن مهمش، ومنذور للاستغلال الجنسي (الإيروتيكي)، ولكل أشكال الهدر والانتفاع والتواطؤ· من منبع الرغبات الشيطانية هذه ينطلق عرض: ''بين يومين'' لمسرح خورفكان للفنون، كي يبحث ويغوص في ظاهرة الانحلال الخلقي الذي استشرى في جسد المكان، وطغى على العلاقات البشرية السوية، فحولها إلى فتات وغبار في مهب المصالح الذاتية وهوس السيطرة والبحث عن المراتب العليا في السلّم الاجتماعي· كتب نص المسرحية إسماعيل عبدالله وأخرجها للخشبة حسن رجب، كامتداد لتعاون سابق بين الفنانين في العام 2004 من خلال مسرحية ''زمان الكاز''· تُفتَح ستارة ''بين يومين'' على ديكور مخملي يتكون من ستائر شفافة محاطة بشموع خافتة، وعلى يمين الخشبة نرى سريراً فخماً مغطى بشراشف منصوبة، ويصاحب المشهد الافتتاحي موسيقى غربية حالمة لتعزيز الإيحاء الرومانسي للمكان، نتعرف بعدها على شخصية: ''شايع'' ـ يقوم بدوره الفنان جمعة على ـ الذي يدخل في جو المكان بقوة ويستحوذ بإمكانياته الصوتية والكوميدية على انتباه وتجاوب جمهور الصالة، ونراه بعد ذلك وهو يستعرض طاقاته الرجولية ويحدث زوجته التي لا نراها في الكادر، بأحاديث ملؤها الشوق والهيام والشفرات الرمزية الموحية والساخرة، وبعد أن ترتفع الستارة عن السرير المخملي، ونرى الزوجة الجميلة الممددة عليه، ينقلب التمهيد الكوميدي للعرض رأساً على عقب، فيتحول فجأة إلى جو مفعم بالجدية والصرامة والعنف العاطفي، وهي نقلة درامية مفاجئة تحسب على المخرج حسن رجب الذي أعطى حرية الارتجال الذاتي والكوميدي للممثل ''جمعة علي'' من دون أن تكون هذه الحرية خادمة أو ممهدة للنص الأصلي الذي كتبه إسماعيل عبدالله· بعد هذا التحول الدرامي القاطع والقاسي، نكتشف أن الزوجة ـ تقوم بدورها الفنانة إلهام محمد ـ هي امرأة مشبعة بحس انتقامي جارف وأن علاقتها الزوجية مبتورة منذ زمن طويل، بسبب القائمة الطويلة من الخلافات والشروخ الداخلية التي حولت الزواج إلى مجرد شكل اجتماعي فارغ، ووعاء لامع تقبع في داخله كل الشرور الإنسانية والرغبات المدمرة والسوداء، فالزوج مرتبط بامرأة أخرى وفي ليلة زفافه تلك مرض ابنه الصغير ولم يأت الأب لنجدته، ما حول الطفل إلى كائن معاق ومصاب بالشلل وتفشل كل المحاولات الطبية بعد ذلك في علاجه، أما أم الزوج فتموت حزناً وكمداً بعد مرض حفيدها، ونكتشف أيضاً أن الزوج قد سلّم كل المفاتيح المتعلقة بالشرف والضمير للمعزّب الذي يعمل لديه، وتبريره لذلك وكما يقول في أحد حواراته:'' الفلوس عزوة، والعزوة قوة، والقوة سلطة'' ومن أجل هذه السلطة يتحول الزوج إلى عبد منقاد لشهوة المال والجاه على حساب كل القيم العائلية والاجتماعية، وفي نهاية المسرحية تقوم الزوجة بتقييد الزوج وتسحب منه اعترافات خطيرة حول رغبته في تدمير ''المعزّب'' والسيطرة على أمواله بكل الطرق والوسائل الخبيثة الممكنة، ثم نرى المعزّب ذاته ـ يقوم بدوره الفنان يوسف الكعبي ـ وهو يخرج من تحت سرير الزوجة ومقيّد بالسلاسل مثل الزوج، وتعترف الزوجة بأنها قامت بتصويرهما في هذه الحالة المرثية من الذل والمهانة من خلال كاميرا مخبأة، يتصارع الزوج والمعزّب على أخذ الشريط، فالزوج يريد أن يستغل الشريط لتهديد المعزّب، والمعزب بدوره يريد الشريط كي يتجنب الفضيحة الاجتماعية الكبرى التي تنتظره، في المشهد الأخير نرى الزوجة وهي تحمل حقيبة السفر وتقول للاثنين إنها ذاهبة لعلاج ابنها في الخارج، ثم تطفئ الشموع وتترك أصدقاء الأمس وأعداء اليوم، كي يتصارعا على الوهم والأمجاد الشخصية الضائعة· عاب على الممثلة إلهام محمد وهي تروي سيرة عذاباتها مع الزوج أن صوتها كان خافتاً جداً وحواراتها كانت مبهمة وتائهة، مما أثر على تفاصيل القصة ووضع المتلقي في حالة من التشويش العام، والمضرّ بشروط الفرجة المسرحية، وعلى عكس جمعة علي صاحب النبرة العالية والفخمة فإن إلهام محمد حولت العرض إلى ما يشبه الحالة السماعية العرجاء، فالتقط المشاهد نصف القصة أما النصف الآخر فضاع وتبخّر في جوّ الصالة· وعاب على المخرج عدم اعتنائه بشخصية المعزّب الذي لم يترجم الحالة الدرامية المعبّره عن قوته وجبروته، فرأيناه في حاله متراخية وذابلة، مقارنة بالجو المشحون بالانفعال والتوتر الذي أثارته الزوجة قبل رحيلها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©