يسرد كتاب «خليفة.. رحلة نحو المستقبل»، ما عرف عن المجلس المفتوح لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، إبّان توليه مهمّة ولاية العهد.
ويضيف: كان يستطيع أي شخص زيارته، فيما يؤمّه الناس من جميع أنحاء البلاد: من الفجيرة، ورأس الخيمة، والمنطقتين الشرقية والغربية في أبوظبي، بعضهم يطرح الشكاوى بين يديه، وآخرون يخبرونه بالمشكلات التي يواجهونها، والبعض يأتي لإلقاء التحية، أو التقدم ببعض الاقتراحات والملاحظات.
كان دَيْدَنُ ولي عهد أبوظبي أنه لا يردّ أحداً قط، وكان يفتح أبواب مجلسه 4 أيام أسبوعياً، ليستقبل كل من يحتاج إلى أن يمنحه الشيخ بعض وقته، يؤكد الكتاب.
وتنقل الصفحات عن الدكتور عزّ الدين إبراهيم، قوله: «كان التقليد المتبع أن الشيخ يحلّ الخلافات الناشبة، والناس يلجأون إلى زعيمهم ليشرحوا له مشكلاتهم، وهو يقوم بدور القاضي بينهم في هذه القضايا. وقد اكتسب سموه سمعة طيبة بأنه حَكَم لبيب في أمور الناس. وحتى عندما برز النظام القضائي الحديث في دولة الإمارات، ظل العديد من المواطنين يلجأون إلى الطريقة التقليدية في تسوية خلافاتهم».
وعلى هذا النحو كان يمكن للمرء أن يجد سموه في أحد الأيام يناقش بعض المسائل مع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، أو الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان، وفي اليوم نفسه يُطلب إليه الفصل في نزاع حول حقوق الكلأ والمرعى بين المزارعين البدو من بعض المناطق النائية في أبوظبي. لقد كان صاحب مسؤوليات واسعة النطاق.
ولكن محور القيادة هذا ينطوي على وظيفة أخرى، كما ينقل الكتاب، فالمجلس المفتوح لا يعدو كونه عادة متكررة، إن لم يكن الرجل الذي يتزعمه قادراً على استثمار الفرص والاستفادة منها، لذا كان لا بد أن يكون المجلس المفتوح اسماً على مسمى، أي منفتحاً.
وينقل الكتاب عن ناصر النويس، قوله: «كُنت شاهداً على أناس كان كل منهم يحاول إسكات الآخر بالصراخ عندما يبثون شكاواهم ومظالمهم على الملأ بحضور سموه... وكان الناس بالطبع يتعاملون معه بالتوقير اللازم، باعتباره قائدنا جميعاً، ولكنه كان يفضل أن يكونوا مباشرين».
وينقل الكتاب عن عبدلله درويش السكرتير الخاص للشيخ زايد، حينذاك، قوله: «مع أنّ الحكومة وضعت إجراءات محددة ليتبعها الناس من أجل الحصول على تعويض مالي، أو الحصول على منزل آخر، فإن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، ولي العهد حينذاك، تكفل ببناء المئات من المنازل دون أي مبالغة. ولم يكن يتحمل إبقاء الناس ينتظرون، ولاسيما عندما تكون لهم عائلات».
ويضيف أحد رجال الأعمال في أبوظبي، وصاحب إحدى وكالات السيارات الكبرى: «عندما كان سموه يسمع أن عائلة إماراتية لا تمتلك سيارة، كان يطلب منهم التوجه إلى وكالتنا، بعد أن يزودها مكتبه برسالة في هذا الشأن. لقد اشترى المئات من السيارات على نفقته الخاصة».
وفي حين كان مجلس سموه مصدراً ذائع الصيت للعمل الخيري، فإن من مقتضيات العمل القيادي الجاد الذي كان يضطلع به وعيه ودرايته بالاتجاه الاقتصادي الذي برز على نحو واسع.ويقول الكتاب: كان ولي العهد الشاب يتوسع في القراءة عن أمثلة ونماذج من الماضي: موجات التغيير المجتمعية الواضحة، على غرار فترة ما بعد النظم الإقطاعية في أواخر القرن التاسع عشر، وفترة التحولات الاشتراكية التي حدثت في دول الاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية، وفترة تحولات ما بعد الاستعمار، التي تشبه معالمها كثيراً ما حدث في دولة الإمارات العربية المتحدة. كان في بعض تلك الأمثلة دروس يمكن الاستفادة منها، ولكن الخلاصة المهمة جداً التي يمكن وضعها في الحسبان هي أن التحولات المجتمعية قد تأتي بمنافع دائمة وعميقة في المدى البعيد، إنْ تأسست تأسيساً سليماً، ولكنها في الوقت نفسه تحمل في طياتها بعض الصعوبات والآلام في المديين القصير والمتوسط، ويكمن الفرق في معظم الحالات في مدى الإدارة الجيدة لتلك المرحلة المؤلمة.ويضيف: يسير عمل المجلس على وتيرة منتظمة جداً، إذ يأتي المواطنون أسبوعاً بعد أسبوع حاملين معهم مشكلاتهم، ويتشاركون أخبارهم، ويناقشون قضاياهم المهمة، بينما يستخدم الشعراء المحليون والكتّاب المجلس كملتقى يطرحون فيه نتاجهم الأدبي.وفي المجلس تقدم الوجبات، ويخرج الملأ من نقاشاتهم بمجموعة من الأفكار، وعلى هذا النحو كانت تمضي مجريات الأمور في المجلس مدّاً وجزراً.
وللمجلس غاية أخرى بالغة الأهمية للشيخ، كما ينقل الكتاب، وهي أنه مكان يستطيع القائد فيه أن يجس نبض المجتمع بدقة، ولعل المجلس يبدو أمراً غريباً وطريفاً للغرباء الذين قد يرون فيه أثراً باقياً من زمن مضى. والسبب الذي جعل هذا التقليد يبقى صامداً، وسيستمر كذلك مستقبلاً، هو أنه في هذه الأوقات العصيبة المليئة بالضغوط، يعطي القائد الفرصة لأن يلتقي شعبه ويتفاعل معهم على المستويين الشخصي والإنساني.
عدد اليوم
