الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لص «5 نجوم»

لص «5 نجوم»
10 نوفمبر 2011 20:44
أحمد محمد (القاهرة) - أنا شخص غير عادي، لص سوبر غير مسبوق في تاريخ «الحرامية»، لأنني لست مثل غيري، فأنا متطور دائماً ولا أسرق من أجل المال فقط، وإنما هي هواية عندي، ولا استهدف إلا المشاهير ونجوم المجتمع والفنانين واللاعبين ورجال الأعمال، ولا أتصرف في المسروقات واحتفظ بها، لأنها ليست مجرد مقتنيات ثمينة وإنما هي رمز كبير لما أقوم به من أعمال تكون أمام عيني باستمرار، شاهدة على إنجازاتي التي لم يستطع أحد قبلي أن يفعل مثلها، أنا لست مثل اللص التائب الذي كان يسرق الأغنياء ليعطي الفقراء كما كان يقول بعد القبض عليه وإنه أعاد للشرطة مبالغ ضخمة لم يتصرف فيها، لكنني أقدم نموذجاً تاريخياً في السرقة باحتراف، ليس من قبيل الجريمة ولكن استغلال قدرات خاصة، فالآخرون يلجأون إلى السرقات السهلة، بينما أنا أختار الطرق الصعبة والمساكن المحصنة وأستطيع أن اخترق الحواجز والحراسات الخاصة، وكانت النتيجة حصيلة أكبر من كنز علي بابا الخيالي ولا يمكن تقدير قيمتها الكبيرة. البداية أنني تركت المدرسة لأنني لا أحب القيود والأوامر والالتزام بالاستيقاظ المبكر، ولم يكن أبي مهتماً بتعليمي لأنه لا يريد أن يتحمل أي نفقات وأيضاً لا يهمه حياتي كلها، ونحن لا نعترف بالفرق بين النجاح والفشل ولا بين الجهل والعلم والمتناقضات عندنا مترادفات، ونحن نعيش على هامش الحياة ولا تهمنا السياسة ولا نعرف من الاقتصاد معنى غير ما يقع بين أيدينا من نقود لننفقها، وسعدت بحريتي وأنا لا أجد من يسأل عني ولا يحاسبني، فأتحرك بكامل إرادتي، أتجول في الأسواق وأبيت خارج المنزل كثيراً حسبما تنتهي بي الليلة مع أصدقائي وهم كثيرون مثلي، أتسول لقمة العيش لكن غالبية الناس يمتنعون عن مجرد النظر إلى وجهي ويتجاهلون يدي الممدودة إليهم، خاصة أصحاب السيارات الذين ينطلقون بها غير مهتمين بوجود قدمي تحت الإطارات ولا أنني كدت قد أسقط تحت السيارة وألقى حتفي وحتى من يتكرم منهم ويعطيني فتات المال الذي لا يكفي لوجبة إفطار خفيفة يتبع ذلك بالمن والأذى والتوبيخ بألفاظ موجعة تجرح المشاعر وتؤذي النفس، وأنا لا أرى نفسي رخيصاً إلى الحد الذي يجعلني أتقبل هذه الكلمات التي تكون أحياناً مثل الرصاص تخترق قلبي وتؤلمني، تولّد لدي إحساس بالحقد نحوهم، فلماذا يملكون كل شيء، الأموال والسيارات والمساكن الفاخرة في المناطق الراقية، ونحن لا نملك حتى قوت يومنا. في زحام الشوارع وتجمعات الأسواق بدأت أسرق بعض السلع من أجل الغذاء وبدافع الانتقام من الأغنياء، لم أكن أبلغ العاشرة من عمري، وقد تعلمت القراءة والكتابة قبل ترك المدرسة وأجلس على الرصيف أقرأ في ورقة قديمة طارت مع الريح أو أنظر إلى صورة، وكثيراً ما يكتشف أمري ويمسك بي الناس ويضبطونني وأنا أسرق، وتختلف الآراء حول التصرف معي، بعضهم يصر على تسليمي للشرطة والآخرون الذين يشفقون عليّ يكتفون بالصفعات والركلات والتهديد والوعيد، وبعدما يوجعونني ضرباً يطلقون سراحي، وإن كانت معاملتهم أكثر قسوة من تعذيب أي عدو والسجن أحسن حالاً من الحياة التي تتقاذفني أمواجها. هذه المعاملة القاسية لم تكن قادرة على أن توقفني عن السير في الطريق الذي اخترته، خاصة أنني لا أجد بديلاً أفضل منه وفي النهاية كان لا بد من السقوط في يد الشرطة والزج بي في «إصلاحية» الأطفال، وهي سجن الصغار الذين يلقى القبض عليهم ويتم حبسهم فيها لقضاء فترة العقوبة ولإصلاحهم، لكنها بالنسبة لي لم تكن إلا مزيداً من تجارب المشردين وحكايات من الواقع، وقد أضاف ذلك لي المزيد من احترافية الجرائم والتفنن فيها وتفكير هؤلاء وقناعاتهم بما يفعلون. وبعد أشهر عدة انتهت فترة العقوبة وخرجت من «الإصلاحية»، ولكن لم تكن هذه آخر زيارة لها، وإنما تكرر ذلك مرات عدة بين سرقات وضبط وتحقيقات وخروج ودخول، ورغم ذلك لم أحقق أي تقدم مالي في حياتي، فكل ما أحصل عليه لا يكفي النفقات اليومية وإن لم تكن احتياجاتي كثيرة، لذلك فإن الحصيلة من هذا كله كانت صفراً ولم يدر في تفكيري لحظة أن أتوقف. في المرات السابقة كلها كنت مثل اللصوص المعتادين المغفلين الذين ينظرون تحت أقدامهم ولا يطورون أنفسهم ولا يغيرون وسائلهم، وكان لا بد من أن أتخلص من ذلك كله بعد أن جاءتني الفكرة على طبق من ذهب وأنا أتصفح ورقة صحيفة قديمة كانت تقدم خدمة صحفية للأشخاص المهووسين بنجوم الفن والمطربين ومشاهير الكرة والمعجبين بهم، ولكن وجدت فيها ضالتي المنشودة وهي تحمل عناوين مساكنهم وأحياناً أرقام هواتفهم، وهنا قررت أن أتخلص من الوسائل القديمة كلها وابدأ اللعب مع الكبار، لكنني صدمت بواقع صعب عند التنفيذ لأن هؤلاء القوم يستعينون بحراسات خاصة وفي معظم الأحوال يكون الحراس مسلحين، وحتى إن استطعت تجاوز ذلك فكيف لي أن أتعامل مع الكلاب المدربة التي لا يمكن التفاهم معها؟. لم أيأس وقررت خوض المغامرة التي ستغير حياتي كلها وتخرجني من الأنفاق المظلمة إلى الثراء، أراقب المسكن الذي يكون في الغالب فيلا مستقلة وتستمر المراقبة أياماً عدة، إلى أن أعرف كل صغيرة وكبيرة عن تحركات صاحبها ومواعيد خروجه وعودته ونوعية الحراسة وعدد أفرادها، وفي النهاية مع خبراتي السابقة، كان الأمر هيناً واستطعت أن أتسلل إلى فيلا مطرب مشهور في الحي الهادئ، وهناك فوجئت بما لا يخطر على بالي ولا خيالي، المطبخ وحده يصلح لإقامة أسرة بكاملها، برادات في حجم الغرف وطعام يكفي لأشهر، وعلى غير العادة كنت أتأمل المكان باستغراب ولا بد أن أتذوق الطعام وتناولت وجبة شهية متنوعة من أطعمة لذيذة معظمها لا أعرف أسماءها، وعندما تجولت وجدت غرفة نوم لا أستطيع وصف أثاثها ومفروشاتها، ولم أستطع المقاومة وأنا استلقي على السرير لبعض الوقت، ولولا خوفي من أن يغلبني النوم لوقت طويل لتركت لجسدي المتعب يستريح ولو ساعة، وكانت عشر دقائق من الراحة كافية لأقوم وأبحث عن الأشياء الثمينة التي كانت في كل ركن ومكان، تحف وتماثيل ومجوهرات وأحجار كريمة معظمها لا أعرف قيمتها وساعات ذهبية كدت أن أصعق عندما عرضت واحدة منها للبيع بعد ذلك، وعلمت أن ثمنها يصل إلى مائة ألف دولار. أصبح النوم على تلك الأسرّة وتناول الطعام من الطقوس المهمة عندي التي لا بد منها عند دخول كل فيلا، ولكن عندما واجهتني مشكلة كلاب الحراسة لم ألجأ إلى الحلول التقليدية في التعامل معها وإنما تمكنت من تدليلها واللعب معها إلى درجة الصداقة، ثم مارست هوايتي المفضلة وتساقط ضحاياي واحداً تلو الآخر وأنا لا أعرفهم ولكني أرى صورهم في الصحف والمجلات، أما المتعة الكبرى فهي عندما أقرأ في الصحف عن سرقة فيلا المطرب فلان والممثل علان ورجل الأعمال المعروف وتتضاعف سعادتي وأنا أنهي قراءة الخبر بأن الشرطة تبذل جهوداً مكثفة لكشف غموض السرقات التي انتشرت بالطريقة نفسها وأضحك ملء فمي وأنا أجد العبارة التقليدية بأنه تم التوصل إلى خيوط مهمة ستؤدي للتوصل إلى اللصوص. وكما يقال لا توجد جريمة كاملة، وبسبب خطأ بسيط تم القبض عليّ، والخطأ هو أنني لم أغير نشاطي من المنطقة نفسها التي يتجمع فيها علية القوم، وفوجئ رجال الشرطة بكمية المسروقات التي احتفظ بها ولم أفرط فيها، وبسرعة تم إصدار أمر بحبسي وإحالتي إلى النيابة ثم المحكمة، وصدر حكم هو الأكبر ضدي بالحبس لمدة سبع سنوات، ولكن قبل أن تمر ثلاثة أشهر وقع الانفلات الأمني والفرار من السجون، ومثل الكثيرين غيري هربت، إلا أن أول ما فكرت فيه هو هوايتي القديمة المتجددة وهي سرقة هؤلاء النجوم والمشاهير، فهي ليست جريمة وإنما متعة وقد استعنت بأربعة من زملاء الزنزانة الهاربين للاشتراك معي وهم بحاجة ماسة إلى المال وعلى الرغم من أنني غيرت مسكني ومسرح عملياتي إلا أنني سقطت سريعاً هذه المرة بسبب غباء شركائي الذين تعاملوا مع الموقف باستهانة شديدة حتى تم ضبط أحدهم وانفرط العقد وتوصلت الشرطة إلى مكاننا وألقوا القبض علينا لنعود إلى السجن مرة أخرى بجريمة جديدة بجانب العقوبة الأولى وتهمة الهروب. هل لديك أقوال أخرى؟ نعم: أنا لست لصاً عادياً وإنما محترف لعمل فني، من المؤكد أنني سأعود إليه عندما أخرج من السجن، فأنا ما زلت صغير السن ولم أبلغ الثلاثين بعد ولن أتخلى عن متعتي وهوايتي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©