الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العز بن عبدالسلام في طليعة المجاهدين ضد الصليبيين والتتار

10 نوفمبر 2011 20:45
عمرو أبوالفضل (القاهرة) - العز بن عبدالسلام أحد الأئمة المجتهدين المجاهدين، ومن أكثر أهل زمانه علماً وعملاً وجهاداً، ولتفرده لقبوه بسلطان العلماء، شغله توحيد الأمة ومقاومة الاحتلال الصليبي، وخاض معارك ضارية ضد الفاسدين فعزلوه من مناصبه واعتقلوه وشردوه في البلاد ومات فقيراً معدماً. وقال الدكتور عبدالحليم عويس أستاذ الحضارة بجامعة الأزهر، هو عبدالعزيز بن عبدالسلام بن أبي القاسم بن الحسن بن محمد بن مهذب السلمي، المغربي الأصل، المصري دارا ووفاة، وكنيته أبومحمد، الشهير بعز الدين، وسلطان العلماء، وشيخ الإسلام، والمعروف ببائع الملوك. ولد بدمشق سنه 577 هـ/ 1181م، ونشأ في أسرة فقيرة، وعرف بالتقوى والورع والشجاعة والهمة العالية والذكاء، ابتدأ طلب العلم في سن متأخرة وأخذ الفقه والأصول والحديث وغيرها من علوم الإسلام والعربية عن أعلام عصره فسمع الحديث الشريف من العالم الجليل فخر الدين بن عساكر الذي اشتهر بعلمه وزهده، وتعلم على يد قاضي قضاة دمشق الشيخ جمال الدين بن الحرستاني، وقرأ الأصول على الشيخ سيف الدين الآمدي وغيرهم، وعكف على دراسة الفقه على المذهب الشافعي. ورعه وجهاده أثنى العلماء على علمه وورعه وجهاده، قال عنه الذهبي: «بلغ رتبة الاجتهاد وانتهت إليه رئاسة المذهب مع الزهد والورع والأمر بالمعروف والنهي عن النكر والصلابة في الدين»، وقال عنه ابن دقيق العيد: «كان ابن عبدالسلام أحد سلاطين العلماء»، وقال عنه السيوطي: «شيخ الإسلام سلطان العلماء وبرع في الفقه والأصول والعربية مع الزهد والورع وبلغ رتبة الاجتهاد»، وقال الداودي: «وكان كل أحد يضرب به المثل في الزهد والعلم». وكان العز من الزهاد حقا وصدقا، بل كان شديد الزهد، فلم يجمع من الدنيا إلا القليل، وإذا عرضت عليه أعرض عنها، ويذكر أن الملك الأشرف، أراد أن يسترضيه، فقال: «والله لأجعلنه أغنى العلماء»، ولكن العز لم يأبه لذلك، ولم ينتهز هذه الفرصة لمصالحه الشخصية، ولم يقبل درهما من الملك، بل رفض الاجتماع به لأمور شخصية. وعرف بالكرم والسخاء والبذل، وحكى قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة - رحمه الله - أن الشيخ لما كان بدمشق وقع مرة غلاء كبير حتى صارت البساتين تباع بالثمن القليل، فأعطته زوجته مصاغا لها، وقالت: اشتر لنا به بستانا نصيف به، فأخذ المصاغ، وباعه، وتصدق بثمنه، فقالت: يا سيدي اشتريت لنا؟ قال: نعم، بستانا في الجنة، إني وجدت الناس في شدة فتصدقت بثمنه، فقالت له: جزاك الله خيرا. وذكر ابن السبكي: «أنه كان مع فقره كثير الصدقات، وأنه ربما قطع من عمامته، وأعطى فقيرا يسأله إذا لم يجد معه غير عمامته». معايير العدل وكان العز شديدا على نفسه في تطبيق معايير العدل، فلقد أفتى مرة بشيء ثم ظهر له أنه قد أخطأ في فتياه فأخذ ينادى بنفسه على نفسه في مصر والقاهرة فيقول: «من أفتى له العز بن عبدالسلام بكذا فلا يعمل به فانه قد أخطأ». وخلف العز آثارا علمية وفكرية خالدة تعد معلما من معالم التراث الإسلامي في الفقه والأصول، ولقد بقي لنا من هذه الآثار الفكرية ثمانية عشر كتابا. وعاصر العز أحداثا سياسية كبرى، مؤلمة، تعرض لها العالم الإسلامي، وكانت قيادته للعلماء وللعامة أعظم الوظائف التي تولاها في عصره، فقد كان العصر عصر الحملات الصليبية، والاحتلال الصليبي لإمارات عربية في الشام وصراعات بين الأمراء والأيوبيين انحاز فيها والى دمشق الصالح إسماعيل إلى الصليبيين ضد سلطان مصر «الصالح نجم الدين أيوب» فتصدى له العز من على منبر الجامع الأموي بدمشق وهيج الأمة ضد خيانته فعزل عن الإفتاء والتدريس والخطابة، ونكل به واعتقل، وأفرج عنه بعد مدة وفرضت عليه الإقامة الجبرية، ومنع من الإفتاء والاتصال بأحد من إخوانه أو طلاب حتى اضطر إلى الخروج والهجرة قاصدا مصر. بيت المقدس بعد محاورات ومراجعات سمح له بالخروج إلى بيت المقدس، وفى الطريق اعترضه الملك الناصر داود وقطع عليه الطريق وأخذه وأقام بنابلس مدة، وانتقل منها إلى بيت المقدس وأقام بها، ولما جاء الصالح إسماعيل والملك المنصور صاحب حمص وملوك الفرنج بعساكرهم وجيوشهم إلى بيت المقدس يقصدون الديار المصرية، سير الصالح إسماعيل بعض خواصه إلى الشيخ يطلب منه أن يصالحه. فلما اجتمع الرسول بالشيخ شرع في مسايسته وملاينته. فقال له العز: والله يا مسكين، ما أرضاه أن يقبل يدي، فضلا عن أن أقبل يده. يا قوم أنتم في واد، وأنا في واد. والحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به. فقال: إذن فقد أمر الملك باعتقالك. فقال: افعلوا ما بدالكم، فاعتقله في خيمة بجانب خيمة الملك. فبقي العز رهن الاعتقال راضيا حتى جاءت الجيوش المصرية، واخرجوا العز من محبسه، فاتجه إلى مصر فوصلها سنة 639هـ فرحب به الملك الصالح نجم الدين وولاه رئاسة التدريس بالمدرسة الصالحية وتولى منصب الإفتاء بمصر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©