الأحد 5 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

منافع الحج يستفيد منها المسلم في الدنيا والآخرة

منافع الحج يستفيد منها المسلم في الدنيا والآخرة
10 نوفمبر 2011 20:47
علمنا الإسلام ألا تدور أبحاثنا وجميع أمور حياتنا فى حلقات مفرغة لا ندرى أين طرفاها، وعلمنا ألا نقف بحديثنا عند ماهيات الأشياء، بل يجب علينا أن نبحث فيما وراءها من مآلات ومقاصد، وعلمنا كذلك أن لا نسبح بعقولنا فى فضاء لا نهائى إذ إن نهاية العقول عقال. وبهذا وجب على الإنسان أن يبحث عن القطوف والثمار والغايات والأهداف فى الشرائع والأحكام، وفى كل أمور الحياة، إن العقل البشرى إذا استطاع أن يدرك تلك الحقائق أيقن أن الإنسان فى شعيرة الحج لا يقف عند مطلق التسليم أو اللذة الروحية التى يعايشها فيها لدى الإتيان بها والتحقق بأركانها، وإنما يعلم أن ثمة دروس وعبر، وقطوف وثمار يجتنيها الإنسان خاصة، والأمة عامة بتجدد هذه الفريضة كل عام. ألم نقرأ فى كتاب الله تعالى قول العلى الأعلى «لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ» والقطوف والثمار والدروس والعبر من جملة تلك المنافع التى يحصلها الإنسان بل المجتمع المسلم من شعيرة الحج كل عام . واختلف العلماء فى تفسير المنافع فى الآية فمنهم من حملها على منافع الحياة الدنيا كالبيع والشراء والتجارة، ومنهم من حملها على منافع الآخرة المتمثلة في العفو والمغفرة والرضوان من الله تعالى ِ. منافع الدنيا والآخرة وأرى أن الآية الكريمة تتسع فى دلالاتها ومفهومها لتشمل منافع الدنيا والآخرة فلا ضير إن باع الإنسان أو اشترى وهو يمد ناظريه إلى رضوان الله وابتغاء عفوه وثوابه، ولعل تنكير المنافع فى الآية يدل على اختصاص شعيرة الحج بجملة من القطوف والثمار والغايات والأهداف التى لا وجود لها من غيرها من العبادات من ذلك : أولاً أن اتحاد الأمة هو أصل تكوينها وذروة سنامها، وتلك فائدة كبرى يعود نفعها على من أتى بفريضة الحج خاصة والمجتمع عامة، وآية ذلك أن الحق سبحانه وتعالى قد وحد فى تلك الفريضة الزمان والمكان والشعائر والنسك، أما وحدة الزمان فقد قال الحق سبحانه وتعالى عنها «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ»، فليس لطائفة أن تنفرد بزمان تأتى فيه بهذه الفريضة دون سواه . وأما وحدة المكان فإن هذه الشعيرة لا تقع بأحداثها إلا فى موضع واحد وهو بلد الله الحرام. ولا يجوز بحال أن يقع نسك منها أو ركن من أركانها فى مكان آخر مهما حوى من مقومات المجد والعز والشرف، وأما وحدة النسك فإنه يتعلق بها أمرين : الأول وحدة الأقوال ، والثانى وحدة الأفعال ، أما الأقوال فإن جموع الحجيج قد اجتمعوا على قول واحد يجأرون به لخالقهم وباريهم قائلين “ لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لاشريك لك لبيك “. ضيوف الرحمن وأما الأفعال فقد توحد ضيوف الرحمن على الإتيان بها دون أن ينفرد إنسان بركن أو نسك يقترحه عقله أو يمليه عليه هواه، فزوار بيت الله الحرام لباسهم واحد، يطوفون حول بيت واحد ويقفون فى عرفات على صعيد واحد ويجتمعون على رجم شيطان توعدهم بالغواية والضلال ، ومن ثم تعمق الشعور الجمعى بينهم حتى تلاشت دونهم الفوارق والطبقات شعارهم فى ذلك ما قاله ربهم “ إنَّ هذه أمتُكم أمةً واحدة”، وما قاله سبحانه أيضاً “ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِه ِإِخْوَاناً “ فكان سمتهم ونهجهم ما علمه لهم نبيهم حين قال لهم: “لا فضل لعربى على عجمى إلا بالتقوى والعمل الصالح “ . من أجل ذلك ألحق الحق سبحانه وتعالى الجدال فى الحج بالرفث والفسوق فى الحكم منعاً وتحريما فقال سبحانه «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ» . وما تحريم الحق سبحانه للجدال وأسبابه إلا مظهراً من مظاهر الحفاظ على وحدة الأمة فى هذه الشعيرة. ومن ثم نظر العلماء إلى الجدال فى هذه الآية فقالوا بإنه شدة المخاصمة بين الناس بأن يفتن كل واحد صاحبه عن رأيه، وهذا أمر يخشى منه كما قال العلماء أن يخرج الحاج عن الاستغراق فى الحضرة الإلهية والتعرض للفيوضات الربانية إلى السباب والتكذيب والتجهيل. كما أن الجدال الذى يورث الخلف والشقاق خلق من أخلاق الجاهلية حيث كان يشتد الخصام فى الحج بهم حتى يعصف بريحهم ومن ثم عاشوا فرادى متناحرين ومن ثم ذكر القاضى البضاوى أن ثبوت الجبال لدى الاتيان بفريضة الحج إفساد لهذه الفريضة لأنه قد يورث شدة وعنفاً بين المتجادلين يقود إلى التشكيك فيها وفى وجوبها، ومما لا شك فيه أن ذلك عصف بالأمة وريحها، ومن ثم ذهب العلماء إلا أن هذه الآية الكريمة قد غرست الأخلاق الكريمة التى ينبغى أن يكون عليها أفراد هذه الأمة فيحصلون بها ثواب الطاعات ، ويتقون من خلالها المعاصى ومحبطات الأعمال . ورأى العلماء كذلك أن الجدال الذى يضرب الأمة فى وحدتها أمر منهى عنه ، ولو كان مرغبا فيه ما نهى الحق سبحانه وتعالى عنه فى هذه الآية واستشهدوا على ذلك بأن هذا النوع من الجدال يورث النزاع والخصومة التى تهدد الأمة فى وحدتها ، وهذا ما أشار إليه الحق سبحانه وتعالى فى قوله «مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ» الزخرف 58» . وقوله «‏وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ» الأنفال 46 . ومن ثم كان الاتحاد بين هذه الأمة ملمحا عظيما، ودرسا بليغا يأخذه الإنسان من حجه وزيارته لبيت الله الحرام، فإتلاف القلوب والمشاعر، واتحاد الغايات والمناهج،من أوضح ما نص عليه الإسلام،وألصق الصفات بالمسلمين المخبتين المخلصين.وغرابة فى ذلك فتوحيد الصفوف ،واجتماع القلوب على كلمة سواء ،دعائم وطيده لبقاء الأمة ودوام دولتها، ونجاح رسالتها. أما الثمرة الثانية فتتمثل فى الميلاد المشرق الجديد الذى بشر به النبى صلى الله عليه وسلم كل من أخلص فى حجه لله وتنزه عن آفات الفسق والفجور والجدال فى قوله الذى رواه الإمام البخارى فى صحيحه”من حج فلم يرفث أو يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه”بل إنه والحالة تلك أفضل مما ولدته أمه .ذلك أن الإنسان حال نزوله من بطن أمه ، يولد صفحة بيضاء لا وجود فيها لحسنة أو سيئة،فإذا ما أخلص فى حجه نيته لله أبدل الله سيئاته حسنات، فيكون بذلك أفضل مما ولدته أمه. د. محمد عبد الرحيم البيومي كلية الشريعة والقانون - جامعة الإمارات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©