السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

البقشة ·· اختراق الواقع بالكوميديا السوداء

18 مارس 2007 01:54
الشارقة - فاديا دلا: بالنظر إلى كم ونوع الإنتاج المسرحي الذي حققه ويحققه إسماعيل عبد الله الآن بالمقارنة مع الفترة التي انشغل بها في التليفزيون، نجد أن المسرح قد كسب كاتباً صاحب رؤية درامية ساخرة، استطاع أن يقول كلمته ويعبر عن رأيه ضمن هوامش ابتدعها لنفسه في المشهد المسرحي الإماراتي· وإذا كانت مسرحية ''بين يومين'' قد حققت حضوراً معقولاً للعاملين بها في برنامج أيام الشارقة المسرحية، فإن النقلة الأخرى التي عبر بها إسماعيل عبد الله عن نفسه مؤلفاً وأحمد الأنصاري مخرجاً هي مسرحية ''البقشة''، والمعروف أنها مفردة شعبية تعني قطعة قماش كبيرة تربط من الجهات الأربع بعد أن توضع بها ملابس أوحاجات أخرى، وسبق أن كانت الوعاء الذي تستخدمه العرب قديماً لجمع أشيائهم أثناء السفر والتنقلات، ثم صارت البقشة واحدة من معدات الفــــقير الدائمة· ففي مقهى لا يبدو أنه شعبي ولم تظهر علامات الترف عليه، ولم يقدم فيه كأس شاي أو فنجان قهوة طيلة العرض قصداً لأنهم خالفوا طبيعة الشخصيات التي تزور المقهى ضمن شروط صاحبها الأعمى··! اجتمعت شخصيات تنتمي إلى مستويات اجتماعية مختلفة ودارت بينهم سلسلة حوارات فيها شد باتجاه تحقيق ذرى مسرحية متعددة وفوق كل ذروة كان الكاتب يبني ذروة مسرحية أخرى لدرجة تشبعت فيها المسرحية بتلك الذرى وصارت الأحداث تتنقل فوقها، وبدأت الشخصيات تفك أزرار قصصها وحكاياتها بكل حب وتحولت المسرحية إلى لحظات مهمة للبوح وإطلاق العنان لقصص كثيرة· لم يقصد الكاتب حسب ما تابعنا تحقيق عمل كوميدي انتقل في بعض الفقرات إلى الهزل أو التهريج، بقدر ما كان يرغب الخروج بنتائج درامية مفعمة بشكل راق من الكوميديا السوداء، وعلى الرغم من أن التمهيد استغرق وقتاً طويلاً أرهق العرض إلا أن المشكلة بدأت في هبوط الإيقاع لبعض الوقت في ثلث المسرحية الثاني وكاد أن ينسف كل جهود البناء التي استغرقت جهوداً تمثيلية وإخراجية عالية ··على العموم تم تدارك هذا الأمر حينما جرى استحضار ''البقشة'' من الخارج ليكون الزائر الجديد هو محرك الأحداث وفق منظور درامي وذريعة لاستمرار الأحداث وفق خط بياني جديد، وحتى تلك اللحظة الكل يترقب ما الجديد في هذه النقلة وفي هذه ''البقشة ''··· العرض المسرحي بدأ من جديد بعيد منتصفه بقليل، وأعتقد أن هذه الميزة في مسرح إسماعيل عبد الله هي مشكلة في الوقت ذاته إذ إن بناء هذه المسرحية يشابه بناء العرض السابق ''بين يومين'' من حيث الإيقاع ''الهبوط والارتفاع والمراوحة''، ومن حيث تحقيق بدايات جديدة مع كل حدث جديد مع فترة تمهيــــد طويلة ··! بدأت الشخصيات بفرد محتويات ''البقشة''، وإذ بداخلها أنواع متعددة من اللباس الذي ترتديه النخبة في أوساط علية القوم في دول الخليج ''البشت'' وكأن الكاتب المح إلى أن مشكلة تلك الشخصيات هي مع من يلبسون ''البشت'' وصارت كل شخصية تفرد قصصها الخاصة ومآسيها المتلاحقة عن أصحاب هذا اللباس، وأحسب أن المؤلف لعب ببراعة وسخر بحرفية صانع الدراما على مظهر اجتماعي يلقي بظلاله على المجتمعات الخليجية ولن نقول الإماراتية تخصيصاً ··! ولكن هذا الخرق المسرحي للمجتمع ضروري جداً كي يتألق المسرح وكي تتعرض المؤسسة الاجتماعية للانتقـــاد، وهكذا تنهال كل أنواع هذا اللباس وألوانه من أعلى المسرح لتعلن انتهاء العرض· المخرج استفاد من عناصر السخرية في النص ليقدمها برؤية فنية مهمة تضاف إلى رصيده كمخرج له بصمة إبداعية في الساحة الفنية الإماراتية، وخصوصية الأنصاري أنه يحلق عالياً مع النصوص الكبيرة ويهبط بسرعة من النصوص الصغيرة ···! ميزة لا يحسد عليها كثيراً· خيار الممثلين يعتبر إنجازاً طيباً للمخرج فقد عمل توليفة من عدة ممثلين ليقدموا لوحة فنية عالية بألوان أدائية متنوعة والمخرج أتقن اللعب على الشكل ليجتاز نصف الطريق باتجاه تقديم أنماط حقيقية تعيش بيننا وإن غلب على شخصية المثقف ''قدمه مرعي الحليان'' الطرح التلقيدي، ولكن مناورات هذا الممثل ربما أخرجت الشخصية من إطارها المعروف· مصمم الإضاءة محمد جمال قدم خيارات وحلولاً بصرية تنتمي لنسيج العرض وهو المعروف عنه إبداعه في تقديم إضاءة تساهم غالباً في إنجاح العروض المسرحية التي يعمل بها، و''البقشة'' التي ضمت عناصر فنية وتمثيلية فاعلة في هذا العرض، تستحق التوقف عندها كتجربة لافتة في أيام الشارقة المسرحية بكل حب·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©