الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ألمانيا: شولتز ضد ترامب

18 فبراير 2017 23:24
ربما تكون الإدارة غير التقليدية للرئيس دونالد ترامب قد سببت ذعراً بين الليبراليين الأميركيين. أما هنا في ألمانيا، التي تعتبر محور ارتكاز الاتحاد الأوروبي، فصعود ترامب يساعد على توفير الوقود اللازم لزيادة غير متوقعة في شعبية ونفوذ اليسار الألماني. فما يحدث في ألمانيا الآن هو نوع من العثرات التي يواجهها ترامب، والتي لم يتوقعها أنصاره أبداً، ولا تتمثل في تعزيز نفوذ القوميين الألمان الذين ينظر إليهم على أنهم الحلفاء الطبيعيون لترامب، كما يفترض، وإنما في تعزيز نفوذ أكثر منتقديه شراسة في يسار الوسط. فالحزب الديمقراطي الاشتراكي استعاد قوته مجدداً تحت زعامة قائده الكاريزمي مارتن شولتز، الرئيس السابق للبرلمان الأوروبي، الذي يقود الآن محاولة قوية، إلى حد يبعث على الاندهاش، لإزاحة المستشارة أنجيلا ميركل من منصبها. وفي بلد يمثل نموذجاً مؤلماً للآثار الكارثية للقومية الراديكالية، يبني شولتز حملته جزئياً حول نهج يتمثل في قيادة هجمات جسورة على ترامب، كادت تصل إلى حد عقد مقارنة مباشرة بينه وبين أدولف هتلر. ففي خطاب حديث له قال شولتز في معرض هجومه على ترامب: «إن كون الرئيس الأميركي يريد أن يقيم أسواراً يمثل في رأيي تفكيراً بصوت عالٍ لا يختلف عن الرغبة في التعذيب، والهجوم على النساء، والجماعات الدينية، والأقليات، وأصحاب الإعاقات، والفنانين، والمثقفين، والإدلاء بتعليقات وقحة وخطيرة، من النوع الذي يمثل انتهاكاً غير مقبول للمحظورات». وبرنامج شولتز المناوئ لترامب، يشكك أيضاً في القوة الأميركية بشكل غير مسبوق منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، مما يعكس تآكلاً في ثقة الحلفاء في عصر ترامب الجديد.. عصر «أميركا أولاً». وعلى رغم أن اليسار التقليدي، يعاني من حالة من التشوش والفوضى في فرنسا وبريطانيا، فإنه في ألمانيا يستعيد قوته نتيجة لنهج شولتز الذي نتج عنه ناجح في التقدم على الحزب الديمقراطي المسيحي الذي تقوده ميركل، المنتمي إلى يمين الوسط، في استطلاعات الرأي، وذلك للمرة الأولى منذ ست سنوات. وعلى رغم أن الانتخابات لن تجرى قبل شهر سبتمبر المقبل، فإن المحللين يقولون إن لدى الحزب الديمقراطي الاشتراكي الآن أفضل فرصة لاستعادة السلطة منذ أن فقدها عندما خسر «جيرهارد شرودر» الانتخابات أمام ميركل في عام 2005. حول هذه النقطة يقول رالف ستيجنر، نائب رئيس حزب الديمقراطيين الاشتراكيين، إن هناك عوامل متنوعة تتجمع لصالح الحزب. ومن هذه العوامل أن شولتز قد نجح في توفير دافع جديد للأشخاص الذين كانوا ينتظرون العودة مجدداً لحلبة النشاط السياسي.. ومنها أيضاً توجهات الرئيس الأميركي الجديد نفسه الذي ساهم -عن غير قصد- في تسييس الشعب الألماني وجعله أكثر نشاطاً، ووعياً من الناحية السياسية. وألمانيا التي تحمل على كتفيها التاريخ النازي بكل أوزاره، تجد نفسها بعيدة عن القدرة على الاحتواء الفعال للانتشار الحالي للمذاهب القومية المتعصبة. وعلى رغم أن الأحزاب اليمينية المتطرفة، والسياسات الانعزالية، قد اكتسبت أرضاً في بلدان أخرى في أوروبا، فإن أكبر حزب يميني شعبوي هنا وهو حزب «البديل من أجل ألمانيا» قد شهد هبوطاً في شعبيته في استطلاعات الرأي، منذ أن انتخب ترامب رئيساً للولايات المتحدة. وفي الوقت ذاته، شهدت الأحزاب اليسارية قفزة كبيرة في أعداد أعضائها المنتظمين في سداد الاشتراكات الحزبية المستحقة عليهم. وهناك مؤشرات أيضاً على أن انتخاب ترامب قد جعل الناخبين من أصحاب الميول اليسارية، في أوروبا، أكثر نشاطاً وفعالية من الناحية السياسية. ومع ذلك فإن أكبر محركات الشعبية الجديدة لحزب الديمقراطيين الاشتراكيين في ألمانيا هو شولتز نفسه. فمن المعروف أن الحزب يمثل جزءاً من التحالف الكبير الحاكم الذي تقوده ميركل، وأن أعضاءه يشغلون الحقائب الوزارية الرئيسة فيه، إلا أن سمعة الحزب كحزب ذي ميول يسارية، أعاقت تقدمه واضطرته إلى الدخول في صفقة تقاسم السلطة، التي ينبني عليها الائتلاف الحاكم. وفي لعبة تبادل الصفقات، التي تشكل جوهر حكومات الائتلاف عادة، ربما تكون لدى شولتز عدة مسارات للوصول إلى منصب المستشارية، وخصوصاً إذا ما تمكن حزبه من المحافظة على زخمه الحالي. وعلى رغم أن تحقيق ذلك الهدف قد يكون صعباً، كما يرى محللون، فإن شعبية شولتز المتزايدة، تعني أن خسارة ميركل لم تعد من الأمور التي لا يجوز التفكير فيها، كما كان يعتقد. وخسارة ميركل يمكن أن تعني المزيد من البرودة في علاقات بلادها مع أميركا، على نحو يذكر بتلك البرودة التي كانت سائدة في العلاقة بين الدولتين أيام المستشار جيرهارد شرودر، والرئيس جورج دبليو بوش. وحتى الآن تجنبت ميركل المواجهة المباشرة مع ترامب، وهو ما يصفه المحللون بأنه دليل إضافي على براجماتيتها، وإيمانها الراسخ بأن ألمانيا تحتاج الولايات المتحدة دبلوماسياً، ولأغراض أخرى منها الدفاع الجماعي، على سبيل المثال. ولذا فإن «السير وراء ترامب، قد يكون سياسة ذكية لكسب الانتخابات، ولكن ليس لإدارة حكومة» كما قال «يورجن والتر» أستاذ العلوم السياسية في جامعة «ماينز». * مدير مكتب واشنطن بوست في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©