الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الهند الواقعية... بعيداً عن المبالغات

28 يناير 2011 22:17
مارك ماجنير نيودلهي أثناء خطاب أوباما إلى الأمة في الأسبوع الماضي دعا إلى تعزيز الاقتصاد الأميركي بالاعتماد على الابتكار والتعليم وتطوير العمل الحكومي وبث روح العمل والاجتهاد لمنافسة الإنجازات الهائلة التي حققتها الهند والصين، ولكن على رغم هذا الإطراء الذي أغدقه الرئيس الأميركي على الهند يرى كثير من الهنود أن بلادهم لا تقترب حتى من تلك الإنجازات وأنها ما زالت بعيدة عن صورة الهند التي يُروج لها في العالم. فعلى رغم ما تتوفر عليه من إمكانات كبيرة مستمدة أساساً من موهبة أبنائها الذين برهنوا على قدراتهم في أكثر من مجال، ما زالت الهند غارقة في مشكلات عويصة على رأسها الفقر المدقع الذي يرزح تحته ملايين الهنود المعدمين والبيروقراطية المتفشية وبطء الإجراءات الإدارية التي تعرقل المشاريع وتعيق الاستثمارات الأجنبية، هذا بالإضافة إلى مشاكل التعليم في بلد يصل عدد سكانه إلى 1.1 مليار نسمة. وعن هذه المبالغة في تعداد إنجازات الهند ومناقبها التي لا يستشعرها الهنود أنفسهم يقول "سهيل سيث"، مدير مكتب دراسات في نيودلهي "لقد كان الرئيس أوباما سخيّاً جدّاً في التحدث عن منجزات الابتكار في الهند، أو حتى في الصين، لأنني أعتقد أن الهند ما زال أمامها طريق طويل للوصول إلى المستوى الذي أشار إليه أوباما، فنحن غارقون في ثقافة النقل والاستنساخ والتخوف من المجازفة، ولذا تجد خيرة أبنائنا في الخارج". ومع أن الهند تتوفر على إمكانات بشرية مهمة تتمثل في العدد الكبير من المهندسين وتميزهم في مجال البرمجيات وتكنولوجيا المعلومات، فقد كشفت دراسة نُشرت خلال الشهر الجاري وتناولت برنامج "إلهام" الذي يُفترض فيه توفير منح دراسية لحوالي 10 آلاف طالب في مجال العلوم، أنها لم تستغل بحيث ظلت 85 في المئة منها في أدراج الحكومة البيروقراطية. هذا بالإضافة إلى توجه الشباب الهندي إلى تخصصات إدارة الأعمال التي تضمن له وظائف سريعة وإن كانت غير ذات قيمة من الناحية العلمية. وإذا كانت الهند تفخر بشركاتها الكبيرة في مجال البرمجيات التي غزت منتجاتها الأسواق العالمية فإن أكثر من 70 في المئة من السكان ما زالوا متأخرين عن هذا الركب، ولعل مما يثبت هذا التباين بين صورة الهند في الخارج وحقيقتها في الداخل الدراسة التي أجراها "سوهو راي"، مدير إحدى شركات الإنترنت في مومباي، حول الوعي الريفي في سبع ولايات هندية بما فيها "ماهراشتا" التي تضم مدينة مومباي الكبيرة، حيث أشارت النتائج إلى أن 84 في المئة من القرويين لم يسمعوا قط بكلمة الإنترنت، وعن ذلك يقول هذا المدير: "قبل ستين عاماً لم يكن الهنود يعرفون معنى حافلة، واليوم على رغم حديث أوباما عن إنجازات شركات البرمجيات في بانجلور إلا أن العديد من السكان لم يسمعوا بالإنترنت من الأساس". وفيما عدا الفقر المستشري وتهميش فئات عريضة من السكان هناك أيضاً العمل الحكومي الذي يطاله كثير من أوجه القصور مثل عبء البيروقراطية الجاثم على كاهل الناس، وهو ما نبهت إليه صحيفة "هيندوستان تايمز" في عنوان نشرته على صدر الصفحة الأولى "الهند: القوة العالمية في البيروقراطية"، لأنها تحتل المرتبة الأولى في العالم فيما يتعلق "بكثرة الإجراءات والقيود المفروضة على الشركات" حسب الصحيفة نفسها، متبوعة في ذلك بالصين. وفي هذا السياق يورد "راجيف كومار" الباحث في مركز الأبحاث والعلاقات الاقتصادية الدولية بنيودلهي، تجربته الخاصة كدليل على مدى البيروقراطية التي تطبع الإجراءات الحكومية عندما لم تجد والدته البالغة من العمر 80عاماً بدّاً من دفع رشى كبيرة لمسؤولين حكوميين لأنها لم تساهم في برنامج مكافحة الملاريا بتركها لبعض الماء في حديقتها دون تصريف. بل إن هنالك نكتة تسري على نطاق واسع في الهند تقول إن "بانجلور استفاقت عندما كانت نيودلهي تغط في النوم" بمعنى أن ازدهار بانجلور جاء على رغم الحكومة وليس بفضلها. وتظهر الدراسات أيضاً أن إطلاق شركة في الهند يتطلب 200 يوم للحصول على ترخيص للبناء، وأربعة أعوام للتأمين عقد حكومي، وسبعة أعوام لإغلاق الشركة وتصفيتها، وذلك حسب تقييم البنك العالمي للمناخ الاستثماري. وخلافاً للصين تواجه الهند والولايات المتحدة نفس المشاكل في اتخاذ القرار بسبب الصراعات السياسية التي تفرضها طبيعة النظم الديمقراطية، هذا في الوقت الذي تستطيع فيه الصين اتخاذ قرارات اقتصادية مهمة في وقت قياسي لعدم حاجتها إلى استشارة الطبقة السياسية. ولكن فيما تعاني أميركا من نسبة بطالة مرتفعة وصلت إلى 4.9 في المئة ستكون الهند محظوظة لو اقتصرت البطالة على هذه النسبة في بلد يعمل فيه 93 في المئة من القوة العاملة في القطاع غير المصنف بعيداً عن أية مراقبة حكومية. ومن جانبه يقول "سانتوش ديساي"، المدير السابق لشركة "ماكان إركسون" المتخصصة في الإعلانات والعلاقات العامة بالهند: "لقد نجحت الهند في إطلاق حملة علاقات عامة صورتها على أنها قلعة للتكنولوجيا المتقدمة، متخلصة من تلك الصورة التقليدية التي تربطها بالفقر والأم تيريزا، وبالطبع ليست هذه الصورة الجديدة أكثر من قراءة تبسيطية للواقع الهندي". ويرى العديد من المراقبين أن الصورة الحقيقة للهند هي أنها شريك أميركي يُعهد له بين الفينة والأخرى بتولي مهام مكتبية نيابة عن الشركات العالمية الكبرى. ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©