الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وثائق المفاوضات وآفاق التسوية

28 يناير 2011 22:17
أرون ديفيد ميلر باحث في معهد "ودرو ويلسون للدراسات الدولية" ومفاوض سابق لابد أن أحداً هناك يكره كراهية عمياء عملية السلام العربية الإسرائيلية، ففي الوقت الذي كنا نعتقد أن الأمور لن تكون أكثر سوءاً مما هي عليه، وأن تعطل المفاوضات لا يمكن أن يطول أكثر، وأن أمل تحقيق الدولتين ليس أبعد مما هو عليه اليوم... فوجئنا بالنسخة الفلسطينية من ويكيليكس، وهي الوثائق التي حصلت عليها بعض وسائل الإعلام خلال الأسبوع الجاري. ورغم أن المعلومات التي طفت إلى السطح لن توقف عملية السلام المتعثرة أصلا والمستمرة دائماً دون جدوى، فإن ما كشفت عنه الوثائق يضع السلطة الفلسطينية في موقف حرج للغاية، فضلا عن أنه سيجمد الطابع البرجماتي والخلاق للمفاوضات لفترة من الزمن. وأكثر من ذلك أن هذه التسريبات تعكس مشاكل حقيقية تكتنف عملية التفاوض، ومن المرجح أن تعقد أكثر إمكانات التوصل إلى حل في أي وقت قريب. والحقيقة أن من يتابع سير المفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل خلال العقد الزمني الأخير لن يندهش كثيراً من المواقف المنسوبة إلى السلطة الفلسطينية والمتمثلة في الاستعداد الواضح للاعتراف بسيادة الدولة العبرية على معظم الأحياء والمستوطنات في القدس الشرقية، وإقرارها أيضا بتبادل الأراضي، ووضع سقف لأعداد اللاجئين الذين يمكن عودتهم... فهذه الأفكار وغيرها كانت متداولة بين الأطراف ومعروفة بطريقة أو بأخرى منذ قمة كامب ديفيد في يوليو 2000. ومع أن كشف هذه المعلومات من خلال "وثائق رسمية" يضع السلطة في خانة مختلفة، فإن المتابع الحصيف للمفاوضات لا يستطيع أبداً استنتاج إي تخلٍ للسلطة الفلسطينية عن القضايا الأساسية، أو خيانتها لتطلعات الشعب الفلسطيني. فما جاءت به الوثائق من تنازلات ليس أكثر من خطوط عريضة للتفاوض مقبولة لدى جميع الأطراف، بمن فيهم الأميركيون. لكن هناك ما هو أعمق من التنازلات في الوثائق المسربة، فهي تشير إلى مرحلة خصبة من المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لاسيما في عهد حكومة أولمرت حين وصلت المفاوضات إلى مرحلة متقدمة من الحوار كادت تفضي إلى اتفاق، وهو ما يعطي الجانب الفلسطيني بعض الحق، رغم كل الانتقادات الموجهة له لأن المفاوضات لم تخرج عن نطاق النقاش العام الذي تستدعيه كل عملية تفاوض ولم تترجم إلى اتفاقات ملزمة تورط الفلسطينيين، بل إن الجانبين معاً متمسكان بالمقولة المعروفة وهي أنه "لا شيء يُتفق عليه حتى يتم الاتفاق على كل شيء"، بمعنى أن المفاوض الفلسطيني من خلال مواقفه على طاولة المفاوضات يحق له تجريب كافة السبل وطرح الأفكار وإطلاق بالونات الاختبار التي تبدو أحياناً كتنازلات دون أن يعني ذلك بالضرورة قبولها، بل فقط لاختبار نوايا الطرف المقابل. ولابد هنا أيضاً من الالتفات إلى توقيت كشف الوثائق، إذ لو كانت المعلومات قد سربت في وقت تنتعش فيه آفاق السلام، وكان الفلسطينيون والإسرائيليون يحضّرون لتوقيع اتفاق نهائي، لما أثيرت كل هذه الضجة، ولما كانت مسألة التنازل لإسرائيل في القدس الشرقية قد أحرجت السلطة الفلسطينية. ولو أن إسرائيل بادرت إلى الاعتراف بالقدس الشرقية كعاصمة لدولة فلسطين لما شهدنا كل هذه الاعتراضات والرفض الشعبي، لكن والوضع الحالي يغرق في موجة من التشاؤم تتراجع فيها آفاق السلام، لذلك فقد اكتست الوثائق أهمية قصوى وأوغلت في نكء جراح الفلسطينيين. ولأننا نعيش في عالم تحولت فيه الانطباعات إلى حقائق، أصبحت الوثائق وكأنها نوع من التواطؤ بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وهو ما سيضر بالمصداقية الداخلية للسلطة، ويعزز من مواقف خصومها على الساحة السياسية الفلسطينية. إلا أنه وبصرف النظر عن تأويلات الوثائق وأبعادها السياسية، هناك مجموعة من الملاحظات الموضوعية التي تكشفها؛ أولها الشرخ الكبير بين ما يقدمه المفاوض الفلسطيني على طاولة المفاوضات وبين انتظارات الشارع الفلسطيني، إذ يبدو أن الاختلاف لم يعد محصوراً بين المواقف الفلسطينية والإسرائيلية، بل امتد أيضاً إلى الفلسطينيين أنفسهم، وهو ما يدل عليه الوضع بين قطاع غزة والضفة الغربية. ويبقى التساؤل حول تقصير الجانبين معاً في تهيئة الرأي العام لتقبل الاختيارات الصعبة التي تفرضها المفاوضات ويحتمها اتفاق السلام. والملاحظة الأخرى التي تسترعي الانتباه في الوثائق المسربة هو الحرج الذي يستشعره الجانب الإسرائيلي، فإذا كان الفلسطينيون قدموا كل تلك العروض المغرية بشأن القدس والمستوطنات واللاجئين، فلمَ إذن يتعنت الجانب الإسرائيلي وما السبب وراء تأخر التوقيع على اتفاق ينهي الصراع. فمقولة غياب شريك فلسطيني مرن قادر على التفاوض واجتراح الحل، لم تعد قائمة بعدما أظهر المفاوض الفلسطيني استعداده للتفاهم وتقديم التنازلات. وأخيراً لن تساعد هذه التسريبات في طمأنة المفاوض الفلسطيني الذي سيكون عليه التفكير أكثر من مرة وتوخي قدر كبير من الحذر قبل طرح أية فكرة قد تُشتمُّ منها رائحة التنازل حتى ولو كانت مجرد طروحات برجماتية. هذا بالإضافة إلى الصعوبة التي ستواجهها إدارة أوباما في رعاية عملية السلام والتوسط بين الطرفين. وبالنظر إلى التعثر الذي تعرفه عملية السلام حتى قبل أن تُسرب الوثائق، فلن يكون من السهل الحديث عن إحياء المفاوضات، أو بث الأمل من جديد في إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام على الأقل في المدى المنظور. ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشونال"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©