الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قتل بلا دماء!!

قتل بلا دماء!!
7 نوفمبر 2013 21:27
تجمهر عدد كبير من النساء في الشارع، عددهن يزيد على المئة، وقفن ومنهن من تشتم وتسب وأخريات يضربن صدورهن ووجوههن، صراخ وعويل وكلمات مختلطة غير مفهومة، وهناك من لزمن الصمت واتخذن جانبا واكتفين بالدموع الغزيرة التي لا تتوقف، هرج ومرج بينهن، لكن الغريب انه لا يوجد بينهن اشتباك أو عراك، الأمر غريب ولا احد يعرف ماذا يحدث، فسره البعض بأنها مظاهرة “حريمي” لكن لا توجد لافتات أو مطالب، وقد حاولن اقتحام وتدمير أبواب إحدى الشقق في البناية التي يقفن أمامها، ولكن الشقة كانت مغلقة ولا يوجد بها أحد. حضرت الشرطة لاستيضاح الأمر، وتبين أنهن وقعن ضحية امرأة مثلهن، صنعت لهن فخا وسلبت أموالهن ومجوهراتهن، وقد تعرض معظمهن للطلاق وخراب البيوت، بعد أن أفلتت بالغنيمة واختفت، وهن هنا مثل الغريقات يبحثن عن قشة للتعلق بها والنجاة من هذا الموقف الصعب، وتم تحرير محضر بالواقعة، والاستماع لأقوالهن للبحث عنها والتحقيق معها، فقد ارتفعت المبالغ التي حصلت عليها إلى أكثر من خمسة ملايين دولار، بحجة توظيفها وإعطائهن فائدة أو عائداً شهرياً. الاسم الأول الغريب والمفاجئ أن واحدة منهن لا تعرف غير الاسم الأول للمرأة التي أطاحت أحلامهن، اسمها “سحر” لكن لم يذكرن اسم أبيها ولا جدها، ولا يعرفن لها محل ميلاد أو عائلة، فقط كانت تقيم هنا، لديها طفلان لم يلتحقا بالمدرسة بعد، وزوجها يعمل خارج البلاد ولا يدرين في أي دولة يعمل، ولا إن كانت عربية أو أوروبية، هذه فقط كل المعلومات التي توافرت عنها، فكان البحث عنها مثل البحث عن «إبرة في كومة قش» كبيرة، لقد اختفت وذابت مثل «الملح في الماء» بين ملايين البشر وآلاف المدن والمناطق، كانت المهمة صعبة وربما يكون الكشف عنها والتوصل إليها مستحيلا في ظل انعدام المعلومات عنها، تم عرض مئات الصور لنسوة لهن نشاط إجرامي سابق في النصب والاحتيال والسرقة والنشل، لكن لم تكن صورتها من بين هذه الصور لأنها لم يسبق اتهامها في أي قضية من قبل، ولم يتم التوصل إلى أي شيء يمكن أن يكشف عنها. تفرقت النسوة الضحايا منهن من عادت ذليلة إلي بيت زوجها يعاملها بقسوة وكانت هؤلاء أفضل حالا من غيرهن اللاتي طردن وأخريات تم طلاقهن بالفعل والبعض ما زلن معلقات وغضب أزواجهن لم يسكت بعد ومحاولات صلح ما زالت جارية، لأن كل ما حدث كان من وراء ظهور الأزواج الذين كانوا آخر من يعلم لأن سحر طلبت منهن جعل الأمر سرا حتى لا تفشل الخطة وتضيع الأرباح، ووعدتهن بأنهن سيحصلن على أموالهن التي قد تتضاعف خلال عام واحد وربما سيفاجئن أزواجهن بهذه الأرباح الكبيرة والصفقة الكبرى لكن ها هي النتيجة جاءت عكسية بكل المقاييس. و”سحر” امرأة عادية متوسطة الجمال، ليست جذابة، ولا تلفت انتباه الرجال، لكن تهتم بمظهرها لتجذب الأنظار، وضعت النساء نصب عينيها، وهي كأنثى تعرف مكنون نفوسهن وما يؤثر فيهن ويجعلها تلعب بمشاعرهن. طموح امرأة لم تكن المرأة التي حصلت على مؤهل جامعي تضع حدا لطموحاتها وحبها الجم للمال، فهي مجنونة بحلم الثراء، تريد أن تكون صاحبة مصانع وشركات، سيدة أعمال تجوب هنا وهناك بسيارة فاخرة يقودها سائق خاص يرتدي اليونيفورم الأزرق، لكنها لم تعرف الطريق الذي يوصلها لتحقيق هذا الحلم، حتى الشباب لم يعرفوا طريق بيت أبيها لخطبتها، ومن تقدم منهم كانوا دون الطموح، وقد بلغت الخامسة والعشرين وتخشى العنوسة التي تقترب منها، فوافقت على هذا الشاب الذي يعمل معلما في مدرسة إعدادية، لم تكن مقتنعة من داخلها بأن هذا هو الرجل الذي كانت تحلم به، فهو يعيش بلا هدف، حياته رتيبة من البيت إلى العمل والعكس بلا تجديد، بينما هي تريد ثورة في حياتها تقلبها رأسا على عقب. كانت الحياة في بيتها معكوسة، فهي التي تدير شؤون الأسرة بعد أن أنجبت ولدين، تصدر القرارات وعلى الجميع التنفيذ بلا نقاش وكان زوجها مثل ابنيها الصغيرين، لا حق له في التدخل او الاختيار، مسالم بطبيعته ولا يريد للمشكلات أن تدخل بيته ويتحمل حفاظا على الاستقرار، حتى دفعته دفعا بكل قوة ليبحث عن عمل في مدرسة خاصة ليتحسن الدخل، ولكن لم يكن راتبه أيضاً على مستوى طموحاتها، فقررت منفردة أن يسافر ليعمل بالخارج، وعلى عكس رغبته واختياره استجاب لها وجاءته فرصة السفر، حزم حقائبه وغادر وهو يبكي مثل طفل لا يريد الذهاب إلى المدرسة في أول يوم له، وبعد أن استقر به المقام والعمل، يرسل لها كل ما يقع بين يديه من أموال سواء من راتبه أو الدروس الخصوصية، ولا يبقي لنفسه إلا أقل القليل حتى يختصر فترة الغربة ويقللها ويعود بسرعة لأنه ليس راغبا في استمرار هذا الوضع، بينما هي تقسو عليه وتمنعه من الحديث عن العودة قبل أن يحقق لها كل أحلامها وعلى حد تعبيرها تأمين مستقبل ابنيهما. الزوج المفقود على الوجه الآخر وعلى الرغم من ذلك تعاني الوحدة وافتقاد الزوج، لذلك تبحث عن صديقات يؤنسن وحدتها، بعد أن ظهرت عليها آثار النعمة واستطاعت أن تغير الأثاث كله والمفروشات، كما ظهر ذلك على ملابسها وملابس الولدين، مما جعل الكثيرات يتقربن إليها إما للاستفادة من مالها أو لمساعدة أزواجهن في إيجاد عقود عمل لهم مثل زوجها، لكن “سحر” لم تكن تقبل صداقة أي امرأة لأنها تريد أن تأخذ وتستفيد ممن تتعامل معهن، لذا كانت تنتقي من بينهن الثريات فقط وتستطيع أن تجذبهن إليها وهي لا تعدم لذلك حيلة، وقد كان من أول الوسائل دعوتهم إلى الطعام وحفلات بسيطة ومحدودة تقتصر على أعداد قليلة بها العصائر والحلوى والمأكولات الخفيفة بجانب الفواكه، حتى كانت عندهن رمز الكرم الكبير. هدأت الأمور ومرت الشهور ولم تفلح كل الجهود في الوصول إلى أي معلومة تذكر عنها، أغلق محضر الشرطة مؤقتا وألقي جانبا بعيدا عن الاهتمام لأن كل الوسائل والتحريات استنفدت في البحث عن المرأة الزئبقية التي ربما يعتقد البعض أنها كانت وهما أو خيالا. المرأة الأفعى من أكثر الحالات إيلاما بين السيدات اللاتي وقعن ضحايا لتلك المرأة الأفعى، كانت “منى” التي تزوجت منذ عام واحد وهي فتاة حديثة السن لم تتخط الثالثة والعشرين من عمرها تنتمي إلى أسرة ثرية، كانت تقيم في الشقة المقابلة لشقة سحر، تزوجت بعد قصة حب، ولم يعرف زوجها الشاب ما حدث وما أقبلت عليه من دون علمه، فجاء بالمجوهرات التي اشتراها لها أثناء الخطوبة، وأراد بيع بعضها لاحتياجه لها في مشروع تجاري، لكنه عندما توجه بها إلى الجواهرجي لبيعها أخبره أنها مقلدة وليست من الذهب، فأسقط في يده وعاد إلى بيته وهو يتوقع أنه وقع ضحية من قبل عند شرائها فأخذ يبحث عن فواتير الشراء ليحرر محضرا بالواقعة، لكن زوجته أخرجته من حيرته على الحقيقة المرة بأنها السبب، لأن سحر استولت منها على المجوهرات الحقيقية وقدمت لها مثلها بالضبط وهكذا فعلت مع كل الزوجات حتى إذا بحث الأزواج أو سألوا وجدوها في مكانها ولا يكتشفون الخدعة الكبرى. المطلقة الصغيرة الزوج الشاب اعتبر أن تلك خيانة لا تغتفر ولا يستطيع أن يستمر مع زوجة فعلت ذلك من وراء ظهره، فهو لا يأمنها أن تفعل اكثر منه فيما بعد مع انه يثق بأخلاقها وتصرفاتها، فشلت كل مساعي الصلح وأصر على الطلاق وعادت المطلقة الصغيرة إلى بيت أبيها تجر ذيول الخيبة، أسرتها تقيم في بناية ضخمة في منطقة عتيقة عالية المستوى، قبعت في غرفتها طوال تلك الأشهر التي يتم فيها البحث عن المتهمة ولم يتم العثور عليها، حتى أصيبت بحالة من الاكتئاب الحاد ولم يستطع جميع أفراد أسرتها إخراجها من تلك الحالة إلا بشق الأنفس، فقبلت على مضض وارتدت ملابسها في المساء للخروج مع أخيها وأبيها وأمها، توقفوا أمام المصعد فوجدوا فيه امرأة ودخلوا معها، وعندما رفعت منى رأسها كأنها أصابتها صاعقة صرخت صرخة مدوية وكادت تسقط على الأرض، أمسكت مثل المجنونة بتلابيب المرأة التي كانت في المصعد، هزتها بكل قوة وتحاول أن تفتك بها في صراخ متواصل، اعتقد أفراد أسرتها أنها أصابتها حالة من الجنون، خاصة وهي تسب وتضرب تلك المرأة بكل ما أوتيت من قوة وتوجه إليها اللعنات، وحاولت المرأة أن تتخلص من بين يديها لتهرب من الموقف لكن منى طلبت منهم أن يمسكوا بها قبل أن تفر لأنها هي المرأة التي تسببت في خراب بيتها. وسقطت “سحر” بهذا المصادفة فقد جاءت إلى تلك المنطقة البعيدة عن مسكنها القديم واشترت شقة بمليون دولار من أموال الضحايا الذين قتلتهم بلا دم، وهي لا تدرى أن أسرة منى تقيم في هذه المنطقة، ألقي القبض عليها واعترفت بالتفاصيل كافة، وعاد تجمهر النسوة مرة أخرى أمام قسم الشرطة بعد أن تبادلن الاتصالات، هدفهن هذه المرة ليس استرداد الأموال والذهب ولكن الانتقام مما حدث لهن، وأمرت النيابة بحبس سحر واتخاذ إجراءات إعادة الحقوق لأصحابها، وضاعت كل أحلامها، وخسرت كل شيء. أحمد محمد (القاهرة)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©