الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

انتصر الحاج وخنس الشيطان

انتصر الحاج وخنس الشيطان
12 نوفمبر 2011 13:12
لأنه لا جدال في الحج، سلّمت أمري لله وبلعت لساني، فالحاج الذي يجلس أمامي في الحافلة التي ستقلنا من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة أرجع مسند ظهر مقعده عن آخره منذ اللحظة الأولى التي كان الجميع فيها يتهيؤون للجلوس ويتأكدون من إحكام لبس الإحرام، ولو كانت هناك كاميرا مراقبة، لظهر أن هناك شخصين يتصرفان بشكل لا ينسجم مع تصرفات بقية الركاب، أحدهما يعيد مسند ظهر مقعده بسرعة، والآخر يجلس خلفه يراقبه متعجباً، بينما الشيطان يجلس إلى جانبه يهمس في أذنه. ولم أكن قد رأيت وجه ذلك الحاج، إذ أنني جلست قبله ويبدو أنه جلس أثناء انشغالي بستر كرشي الذي كان ينتهز فرصة ارتدائي الإحرام ليظهر أمام الملأ، وفي أثناء توقفنا للصلاة عند إحدى الاستراحات على الطريق، تعمّدت ألا أنظر إليه لئلا أحقد عليه، لكن لم يكن هناك بدٌ من رؤيته بسبب طول الرحلة التي استغرقت نحو خمس ساعات، فقد رأيته وكان رجلاً في الخمسين من عمره، أصلع الرأس ولديه لحية وشارب خفيفين ويرتدي نظارة طبية، وجاءني الشيطان وقال لي: ألا يشبه سحلية ترتدي نظارة؟ فقلت له: اخرس يا مجرم، بل أنت الذي تملك قرنين على رأسك وذيلاً. وفي مكة المكرمة سكنا ببناية مستأجرة من قِبل الحملة تقع بحي العزيزية، وقد خُصصت لنا ثلاث غسّالات لنغسل ثيابنا موجودة في غرفة تقع في الطابق الثالث، وكنت أسكن في غرفة مع أربعة حجّاج آخرين تقع في الطابق الثاني، ولحسن الحظ لم يكن ذلك الحاج الغريب معنا، وكنت كلما جمعت ثيابي المتسخة وصعدت إلى حيث الغسيل، وجدت الغسّالات مليئة بالملابس، إلى أن وجدت غسّالة فارغة فوضعت فيها ثيابي وأدرت مفتاح التشغيل، ونزلت إلى الطابق الذي أسكن فيه لأكوي بعض ملابسي، وبعد عشرة دقائق بالضبط ذهبت إلى الغسّالات فوجدت ذلك الحاج يقف أمام الغسّالة يضع فيها ثيابه بينما ثيابي موضوعة في طست غسيل، فقلت في نفسي: يبدو أنه وجد الغسالة متوقفة فأخرج ثيابي ووضعها في الطست ليغسل ثيابه، فوضعت ثيابي بمنتهى البراءة في النشّافة وأدرت مفتاح التشغيل، ولأنني لم أكن رميت الشيطان بالجمرات بعد، فقد جاءني في تلك اللحظة وقال لي: يا أيها المغفل، هل تعتقد أن الغسالة تسرّع دورتها من تلقاء نفسها؟ إن الدورة الواحدة تستغرق خمس عشرة دقيقة، فكيف توقفت بعد عشر دقائق فقط؟ أنا لا أريد أن أشحن صدرك ضد أخيك المؤمن، لكن تأكد من أنه هو الذي سرّع من دورة الغسيل وأخرج ثيابك ليغسل ثيابه، هل نسيت أنه أرجع مسند ظهر مقعده؟ اسأله الآن وراقب ارتباكه وهو يحاول أن يخدعك، لكنني هززت رأسي بقوة ليخرج الشيطان من دماغي، فعدد حجّاج الحملة يقارب المائتي شخص، ولا يمكن أن أتهم أحدهم لمجرد أنه يقف أمام الغسّالة التي أغسل فيها ثيابي، ومع هذا قلت في نفسي: لم لا أرد كيد الشيطان وأثبت له بأن ذلك الحاج بريء؟ وفعلاً عدتُ بعد خمس دقائق فوجدت أنه لم تتبق في دورة التنشيف سوى ثلاث دقائق، وأن تسريعاً لنحو سبع دقائق قد تم بفعل فاعل، وذلك الحاج الطيب يقف خارج غرفة الغسيل منهمكاً في مسح عدسة نظارته بالإزار الذي يرتديه. وفي مشعر منى الذي يقضي فيه الحجّاج بعض الأيام، توجهنا إلى الخيمة المخصصة لنا، وهي خيمة كبيرة تكفي لينام فيها أكثر من مائة حاج، وسحبت إحدى البطانيات وفرشتها واستلقيت قليلاً ليعرف الجميع بأن المكان مكاني، وبعد قليل شعرت بالعطش، فوضعت أغراضي الشخصية على البطانية وذهبت لشرب الماء، وحين عُدت وجدت ذلك الشخص نفسه مستلقياً على بطانيتي بينما أغراضي الشخصية ملقاة على الأرض، وبدلاً من أن أوبّخه وبّخت الشيطان وقلت له: بعد غد سأكسر رأسك يا عدو الله، فهذه أيام دعاء وتضرّع، وأنت تريد أن تُبطل أعمالي من أجل بطانية يا سخيف؟ وسحبت بطانية أخرى وفرشتها في زاوية مهملة من المخيم كان الجميع يتجنبها لبُعدها عن المكيفات. وفي اليوم التالي وفي أثناء الطريق من المخيم إلى السكن سيراً على الأقدام لمسافة ثلاثة كيلومترات، رأينا أحد الأشخاص يحمل كارتون ماء يوزّعه على الناس، ويبدو أن فاعل الخير هذا خصص المياه للحجاج الذين يفترشون الطرق والفقراء منهم وليس للحجاج المنضمين للحملات والذين تتوافر لهم الخدمات كافة، لذلك لم يتدافع أحد من حملتنا على الرجل الذي كان محاطاً بعشرات الحجاج العطشى، إلا ذلك الشخص الغريب، فقد خرج من بيننا ودخل المعمعة ورأيته يتنافس هو وحاج آخر على زجاجة ماء، لكنه استطاع انتزاعها منه واصطدمت يده بقوة، لكن من غير قصد في أنف الشخص الذي كان يحمل الكرتون، فسقط الكرتون من يده بينما الشخص الغريب يحمل الزجاجة وابتسامة النصر تعلو وجهه، وفي تلك اللحظة كان وجهه أقرب شيء إلى سحلية ترتدي نظارة تقف على الجدار كامنة ثم تنطلق بسرعة ثم تعود لتقف من جديد، وتعتبر كل مسافة قطعتها نصراً مبيناً. وبعد أن مشينا تلك المسافة وكنا نشعر بتعب وعطش لا يوصفان، صعدت حافلة مخصصة لنا، لكنها كانت مليئة وطلبت إدارة الحملة من الحجاج الذين لم يجدوا مكاناً النزول وانتظار حافلة أخرى، وفي أثناء خروجي سمعت شخصاً يقول للنازلين: المشي مفيد للصحة، فنظرت إلى جهة الصوت، فوجدته هو نفسه مبتسماً ومستلقياً على المقعد بعد أن أرجع مسند ظهره إلى الخلف. في طائرة العودة من الديار المقدسة، كان الجلوس في المقاعد يتم من خلال أولوية دخول الطائرة، أنت وحظك وشطارتك وقلة وعيك، وحين دخلت الطائرة وجدت ذلك الشخص يجلس كالعادة مبتسماً، وهممت بإمساكه من ياقة كندورته وضربه قليلاً، لكنني تمالكت نفسي وقلت سأضربه بمقال، ليعرف هو وكل الأشخاص الذين يتصرفون بطريقة لا معنى لها بأن هناك أشخاصاً لا معنى لهم، مثلي، يراقبونهم ويحصون عليهم حركاتهم الغريبة، كما أن كتابة مقال عنه تضمن ألا أضيف بهارات إلى تصرفاته كلما تحدثت عنه أمام الآخرين، إذ يكفي البهارات التي أضفتها الآن، وسيكون هذا المقال هو المرجع ودليلاً على أن التغلب على الشيطان ليس سهلاً ولو رميته بأطنان من الحجارة. أحمد أميري me@ahmedamiri.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©