الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هدايا يوم الأم برائحة الغياب

هدايا يوم الأم برائحة الغياب
20 مارس 2009 00:04
أمهات غزة كغيرهن من النساء كان يجب أن يحتفلن هذه الأيام بيوم الأم، ولكن هؤلاء الأمهات لسن مثل بقية الأمهات، فلن يتلقين الورود ولا البطاقات ولا الهدايا الرمزية، لأنهن فقدن الأولاد ولم يبق لهن سوى رائحة الغياب التي ستبقى عاماً بعد عام ويوماً بعد يوم، كلما احتفلت كل النساء بهذ اليوم· تحاورنا معهن لنعرف منهن كيف يشعرن في عيد الأم بعد أن فقدن أطفالهن على يد قوات الاحتلال، وبقين أسيرات الوحدة والنحيب· أم ابراهيم تقول: عقلي لا يتذكر شيئاً سوى ما حدث·· كله في ذاكرتي ولا أنساه ولن أنساه ما حييت، أنا أم جمعت أشلاء أبنائها فكيف أنسى؟! ؟تقول أم ناهض''راكان ابني كان أشلاء بلا يدين ولا رجلين ولا وجه، ما عذبني أكثر أنني لم أستطع إخلاءه من المنزل فدمره الاحتلال فوقه وفوق زوجي محمد الشهيد، ''فداء بنيتي كانت مثل القمر يا الله شو كنتي جميلة يا فداء '' تمزقت ملابسها عليها، جسدها تمزق إلى قطع ماتت بين يدي· لمن يبحث عن حقائق الحرب على غزة عليه أن يزور هذه الأم الباقية على قيد الحياة، ليسمع كيف فقدت عائلتها ومكثت بقرب أبنائها الشهداء، تنام لياليها تحت القصف والنيران وتحتضنهم في نهارها إلى أن طردها الاحتلال من المكان والتفتت لترى الجرافة تجرفهم وهذا ما يؤلمها أكثر·· ؟خمسة من عائلتها فقدت الأم ليلى حسين نصار·· هي تبلغ من العمر أربعين عاما كل أعوامها تلاشت أمام آلاف المرات التي ماتت بها·· تحتضن أشلاء أبنائها لخمسة أيام حوصرت خلالها بالمكان الشرقي في شمال قطاع غزة، كل لحظاتها التي تعيشها الآن مصدومة، مقهورة، تتذكر جراح أطفالها وآهاتهم وكيف لملمت أشلاءهم واحتضنهم ليلها ونهارها·· أم محمد جحا تقول إنها سمعت قلب ابنها يناديها، بعد إصابته بالرصاص من قناص إسرائيلي في الحرب، فأمسكت خيطاً وإبرة بعد أن طهرتها بالكولونيا وخاطت جرح ابنها في قلبه، وسط أجواء رعب حقيقية، في كراج للسيارات احتمى خمسة وثمانون لاجئاً من أهالي حي الزيتون· ؟نجحت ''أم محمد'' (54 عاماً) في خياطة الجرح وأبقت ابنها إبراهيم (16عاماً) على قيد الحياة لمدة 11 ساعة، طلب خلالها الماء عشرات المرات، لكنه لم ينجُ، فلفظ أنفاسه الأخيرة في حضن والدته·؟ تقول أم محمد ''عرفت أنه مات على الفور، فقد هدأت عيناه وملامحه، ولم أبلغ زوجي بأنه استشهد خوفاً على صحته في بادئ الأمر، وبقينا معاً في الكراج، وبقيت أربعة أيام أراقب جسده الميت· نسرين·· من يعيدني إليهم ؟ ؟نسرين امرأة شابة في العشرينات من عمرها، عرف الحزن والانكسار طريقهما إلى قلبها الغض مبكرا، وعاشت حياتها تقاسي وتكافح، ولكن طريق الكفاح الذي سلكته وجد من يقف أمامه، بل ومن يحرمها من أعز ما تملك: أطفالها، تروي حكايتها بكثير من الدمع فتقول: اسمي نسرين جلو عمري سبع وعشرون عاما، أنا من أهل غزة أصلا، زوجني أبي وأنا ابنة ثلاثة عشر عاما من أحد اقاربي في الضفة الغربية، وهناك عشت أياما قاسية مع زوج لا يرحم·· أنجبت طفلي وهما بنت وولد، البنت تبلغ الآن من عمرها اثني عشر عاما والولد يبلغ أربعة أعوام، كنت طفلة تربي طفلة حين أنجبت ابنتي، واحتملت حتى مرت بي السنون، وأنا في جحيم الحياة الزوجية، حتى حدث الطلاق بيني وبين زوجي وأعطاني طفلي في حضانتي وبدأت مواجهتي مع المجتمع· وتكيفت مع وضعي الجديد كمطلقة· كارثة جديدة كنت في سيارة أجرة مع أمي وشقيقتي فداء في طريقنا للانتقال من مدينة لأخرى في الضفة الغربية حين أوقفت دورية اسرائيلية السيارة التي نستقلها، وقاموا بتفتيش ركاب السيارة وحينها قرروا ترحيلي فورا أنا وأمي وشقيقتي إلى غزة، بحجة أن بطاقاتنا الشخصية تشير إلى أننا من سكان غزة· وتستأنف نسرين والدموع تتحجر في عينيها: مابين ليلة وضحاها أصبحت بعيدة عن أطفالي، فقدتهم، ومر أربعة عشر شهرا وأنا بعيدة عنهم، لا أستطيع أن أحضنهم ولا أن أقبلهم، ولا أعرف كيف يأكلون وكيف ينامون؟ تضيف نسرين: تنقلت بين بيوت الأقارب والمعارف والأصدقاء في غزة مع أمي وشقيقتي، حتى لم أعد احتمل الترحال وأنا أشعر بأني ضيفة ثقيلة في كل مكان أذهب إليه، حتى استقر بي الحال في بيت صغير من صفيح في منطقة المقابر بمدينة غزة· وفي الختام· بعضهم مات والبعض مازال بعيداً عن حضن الأم·· ولم يبق سوى رائحة الغياب في يوم الأم·
المصدر: غزة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©