الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عن «الهامبورجر» و «المشنكاح»

عن «الهامبورجر» و «المشنكاح»
8 نوفمبر 2013 20:10
أدق ترجمة لعبارة Junk food هي «طعام القمامة»، لكن الترجمة الشائعة هي «الوجبات السريعة»، لأن وجود كلمة Junk تقف في الحلق كما تعلم. وهذا التعبير مظلة يضعون تحتها حشدًا هائلاً من الوجبات مثل الهامبورجر والبيتزا.. الخ. هنا أخبرك بحقيقة مشينة، هي أنني لست من جيل الوجبات السريعة على الإطلاق. لا يعني هذا أن عمري مئة عام أو أنني سلحفاة، لكنها الحقيقة. في شبابي لم تكن هناك مطاعم وجبات جاهزة.. وأذكر أنه كان من الصعب أن تجد شخصاً يعرف معنى لفظة بيتزا أو هامبورجر. كنت أعرف هذه الوجبات من قراءاتي ومن الأفلام الغربية، لهذا جرؤت على البحث عن طريقة صنع البيتزا، ثم صنعت واحدة وقدمتها لرفاقي. كان رأيهم أن هذا نوعا جديدا عجيبا من الفطير له مكونات غير معتادة. ثم جاءت تلك السلسلة الشهيرة من المطاعم وبدأت على استحياء في القاهرة، ثم بدأت تنتشر وتغزو الأقاليم. في النهاية صار الهامبورجر شيئًا مثل الجبن والخبز.. وصار كل طفل يتعلم الكلام يتعلم نطق لفظة بيتزا مع اسم أمه. هذا الطفل لن يصدق أبدًا أنني لم اسمع عن الهامبورجر إلا في سن المراهقة، ولسوف يعتبرني كائنًا من الفضاء أو محاربا يعيش في أدغال غينيا الجديدة. هناك كلام كثير عن هذه الوجبات بالطبع، وعن زيادتها للوزن والكولستيرول وعن تدميرها للشرايين التاجية، وعن ما فيها من أحماض دهنية مهدرجة بالكامل.. الخ.. هذا ليس موضوعنا على كل حال. هناك كذلك عملية تنويم الأطفال مغناطيسيًا ليتحولوا لمدمنين لهذه الوجبات مع المياه الغازية منذ صغرهم. هناك كتب كاملة تتناول هذا الموضوع. ما أتكلم عنه هو هذه المطاعم التي انتشرت في كل مكان، والتي يلتف حولها الشباب مالئين أشداقهم وفي يد كل منهم علبة المياه الغازية. جربت تذوق الكوردون بللو في أحد هذه المطاعم فوجدته أقرب إلى صدور دجاج محشوة بالجبن، ثم جربته في مطعم آخر فوجدته نوعًا من اللحم المشوي بالمستردة. في مطعم ثالث اكتشفت أنه جمبري محمر. في مطعم رابع وجدت أنه ذيول قطط مغلفة بالكرنب مع الكثير من الكتشاب. تنطبق نفس القاعدة على دجاج شانجهاي.. كل مطعم يقدم شيئًا مختلفًا، وأعتقد ان بعض المطاعم تضع لك في الشطيرة أحذية أطفال رضع محمرة، وتضيف لها شرائح البصل. نفس الشيء ينطبق على التشيكن كييف. كل مطعم يزعم أنه يقدم التشيكن كييف. وكل مطعم يقدم شيئًا مختلفًا بالكامل عن المطعم الآخر. لما تذوقت التشيكن كييف في كييف «أوكرانيا» نفسها أدركت أنهم يخدعوننا هنا بلا توقف.. هذه الأطعمة لا علاقة لها بما ذقته هناك. هذه هي القصة.. لا أحد يعرف كنه هذه الأكلات على الإطلاق، وكل مطعم يتصرف بطريقته. المهم فقط أن تحمل الوجبة اسماً غربياً مثيراً يروق للشباب. من الممكن أن تطلق أي اسم على أي وجبة.. سوف تجد مثلاً وجبة في مصر اسمها «السكلانس».. تعبت جدًا حتى أعرف ما هو السكلانس الحقيقي. معظم المطاعم تعتبر السكلانس شطيرة من الحلوى الطحينية مع مربى وقشدة وعسل. هناك محل ألبان شهير يقدم لك أرزاً باللبن مع قشدة وعسل ويسمي هذا سكلانس. يحكي ثروت الخرباوي في أحد كتبه عن وجبة «المشنكاح». ويقول إن الفنان فريد شوقي هو مبتكر هذه الوجبة. كان هناك مطعم جديد في الجيزة دعاه للافتتاح. دخل الفنان إلى المطبخ ليفتش الأطعمة. انتقى طبقاً وضع فيه بعض الكفتة وبعض الممبار وبعض اللحم المشوي وجمّل الطبق بالمقدونس، ثم قال لصاحب المطعم إن يسمي هذا الطبق «المشنكاح»، ودعاه إلى أن يكون هذا هو الطبق الرئيس للمطعم وهو يضمن له النجاح. ومنذ ذلك اليوم صار المطعم متخصصاً في المشنكاح وخرج منه المشنكاح ليغزو البلد. لا أعرف ما سوف يأتي به الغد، لكني منذ أعوام أخرى عرفت اللازانيا من الأفلام الغربية، وصنعتها في البيت.. اليوم صار كل طفل يعرف ما هي اللازانيا. اليوم أستطيع أن أعد وجبة أوكرانية مثل حساء البورشيت أو وجبة صينية مثل «التشوب سويي». لا أعرف هل تكتشف المطاعم هذه الوجبات يوماً وتبدأ في تقديمها؟.. ربما نرى بعض الشباب يدعون بعضهم لتناول بعض التشوب سويي في مطعم «أبو شوشة» على قارعة الطريق؟ لا أدري.. أن الجوع شيء أبدي.. وبالتالي لن يكف الناس عن اختراع وجبات جديدة للأبد. وسوف يسـتمر هذا إلى أن يقضي عليهم فرط الأكل ويموتوا ويأتي قوم غيرهم. د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©