الأربعاء 8 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أزمة العلوم الأوروبية

أزمة العلوم الأوروبية
20 مارس 2009 00:13
صدر مؤخرا عن المنظمة العربية للترجمة، وبدعم من مؤسّسة محمد بن راشد آل مكتوم الترجمة العربية كتاب بعنوان ''أزمة العلوم الأوروبية الفينومينولوجيا الترنسندنتالية'' لللفيلسوف الألماني ومؤسس الفينومينولوجيا الترنسندنتالية: إدموند هوسرل (1859 ـ 1938)، ويعتبر هذا الفيلسوف أحد أشهر الفلاسفة وأحد أكبر مجدّدي الفلسفة في القرن العشرين· من أهم مؤلفاته: ''أبحاث منطقية'' (1900)، ''أفكار من أجل فينومينولوجيا خالصة وفلسفة فنومينولوجية'' (1913)، ''تأملات ديكارتية'' (1931)· أما مترجم هذا الكتاب فهو الدكتور إسماعيل المصدق أستاذ الفلسفة في جامعة ابن طفيل في القنيطرة (المغرب)، والحاصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة فوبرطال الألمانية· يحلل هوسرل في هذا الكتاب الضخم الذي بلغت عدد صفحاته 670 صفحة من الحجم المتوسط ''أزمة المعنى والتوجهات في الثقافة الأوروبية في العصور الحديثة· إنه يرى أن النزعة ''الموضوعية'' التي تسيطر على هذه الثقافة تفهم العلم فهما ضيقا يقصي الأسئلة الحاسمة بالنسبة إلى الوجود البشري : أسئلة المعنى والغاية، الحرية والتاريخ· وهي تبرر هذا الإقصاء بأن العلم لا يمكن أن يعالج إلا ما يعطى بكيفية موضوعية ودقيقة، أي باستقلال عن كل وضعية ذاتية نسبية· ولتبديد هذا التصور، يبين هوسرل أن العلوم الوضعية الحديثة ترتكز، بالرغم من دقتها وموضوعيتها، على التجارب اليومية التي تعطى بكيفية ذاتية نسبية، في أفق عالم العيش· إن النزعة الموضوعية تقوم إذا على نسيان هذا العالم بصفته الأفق الذاتي النسبي لكل إمكانيات تجربتنا، والأرضية التي تنشأ عليها كل ممارساتنا، بما فيها الممارسة النظرية العلمية· وعليه لا يمكن الخروج من الأزمة إلا عن طريق إعادة ربط العلوم الحديثة بأساسها المنسي، أي بعالم العيش''· يشير إسماعيل المصدق في مقدمته أن ''الفينومينولوجيا هو الاسم الذي أطلقه إدموند هوسرل على الاتجاه الفلسفي الذي أسسه مع مطلع القرن العشرين والذي يعتبر الاتجاهات الأساسية في الفلسفة المعاصرة· في البداية كان لأعمال هوسرل تأثير حاسم على الفلسفة الألمانية في العقود الأولى من القرن الماضي وعلى الفلسفة الفرنسية في منتصف ذلك القرن· وهكذا فإن مؤلفات فلسفية أساسية صدرت في هذه الفترة تعتبر ذاتها أبحاثا فنومينولوجية· من أهم هذه المؤلفات ''الأخلاق الصورية والأخلاق القيمية المادية'' (1913/16) لماكس شيلر، ''الوجود والزمان'' (1927) لمارتن هايدغر، ''الوجود والعدم'' (1943) لجان بول سارتر، ''فنومينولوجيا الإدراك'' (1945) لموريس مرلو ـ بونتي''· لكن - يؤكد المصدق - ''إن تأثير الفنومينولوجيا لم يبق منحصرا في ألمانيا وفرنسا، بل أخذ يمتد تدريجيا إلى بلدان وقارات أخرى مثل ايطاليا وأمريكا اللاتينية واليابان، لكن أيضا إلى بعض بلدان أوروبا الشرقية التي كانت تتبنى النظام الاشتراكي· وحتى الفكر الانجليزي والأمريكي الذي يرتبط بتقاليد فلسفية أخرى لم يبق بمعزل عن تأثير الفنومينولوجيا وساهم على الأقل في مناقشة بعض أفكارها وقضاياها·واليوم هناك ممثلون للاتجاه الفنومينولوجي في معظم بلدان العالم مما يسمح بالحديث عن حركة فنومينولوجية لها طابع عالمي''· نظرية أو فلسفة الفنومينولوجيا التي جاء بها هوسرل تؤكد أن ''الإنسان يتوفر إذن في حياته الطبيعية على موقف ضمني من العالم، والمطروح على الفنومينولوجيا هو تحويل هذا الموقف الطبيعي إلى موقف فلسفي· يتحدد أفق العالم مجالا لإمكانيات تجربتي، لها فإن الاهتمام به صراحة لا يمكن أن يتم إلا عبر الاهتمام بالكيفيات الذاتية لعطاء الموضوعات· يكون الوعي القصدي في الموقف الطبيعي غارقا في الموضوعات التي ينصب عليها اهتمامه، أما كيفيات العطاء التي من خلالها يتعلق الوعي بموضوعاته، فتبقى في العادة خارج دائرة انتباهنا· لكن الفنومينولوجي يجعل من كيفيات العطاء التي ننجزها دون أن نعير لها بالا محط اهتمامه· إن اهتمامه لا يتجه أبدا نحو الموضوع الذي يقصده الوعي، بل نحو الموضوع في كيفيات عطائه للوعي وفي اندراج هذه الكيفيات في أفق العالم· لذلك، عليه أن يتوقف عن انجاز الاعتقاد في وجود الموضوعات المقصودة وأن يتحول إلى ملاحظ غير مهتم أو غير مشارك· وهذا لا يعني أن يتخذ موقفا شكيا ينفي وجود هذه الموضوعات، بل أن يمتنع عن اتخاذ أي موقف يتعلق بوجود الموضوعات سواء أكان إثباتا أو نفيا أو موقفا وسطا بينهما· وهذا الامتناع عن اتخاذ أي موقف من هذا النوع، أي الحياد إزاء كل أشكاله الممكنة، يسميه هوسرل تعليق الحكم، الإيبوخي· موقف الإيبوخي إزاء العالم هو الذي يميز الموقف الفلسفي عن الموقف الطبيعي· الإيبوخي هو التوقف عن إنجاز الأطروحة العامة للموقف الطبيعي، وهو ما يتيح للفينومينولوجي إرجاع الموضوعات والعالم إلى كيفيات عطائها، هذا الإرجاع يسميه هوسرل الإرجاع الفنومينولوجي أو الترنسندنتالي، وهو ما يسمح بدراسة الموضوعات في تعالقها مع الكيفيات الذاتية لعطائها، إن الموضوعات منظورا إليها على أنها معالقات للكيفيات الذاتية للعطاء هي ما يسميه هوسرل الظواهر، وهي ما تهتم به الفنومينولوجيا التي تعني حرفيا علم الظواهر''· ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام: ''الأول له طابع تمهيدي· فيه يحدد هوسرل ماذا تعني بالنسبة له أزمة العلوم الأوروبية· إن الأزمة لا تمس علمية وصلاحية هذه العلوم، بل دلالتها بالنسبة للحياة· هذه العلوم لا تستطيع أن توجه الإنسان، لأنها تقصي من ميدان العلم كل الأسئلة التي لها علاقة بالوجود الإنساني : أسئلة المعنى والغاية، والحرية والتاريخ، وغيرها· يرجع هوسرل هذه الوضعية إلى سيطرة النزعة الموضوعية وفهمها للعلم على أساس النموذج الحديث للموضوعية· يطرح هوسرل على عاتقها مهمة الكشف عن جذور هذا الفهم الضيق للعلم بالعودة إلى تبني البشرية الأوروبية في عصر النهضة للمثل القديم للفلسفة والعلم وبإظهار التحريفات التي خضع لها هذا المثل وأدت إلى فشله· أما في القسم الثاني فيتابع هوسرل نشأة علم الطبيعة الحديث حيث يبين في تحليل دقيق كيف أن علم الطبيعة الحديث بصيغه ونظرياته الموضوعية الدقيقة مدين بوجوده لإنجازات ذاتية للوعي القصدي· هذه الانجازات تستند إلى معطيات التجربة اليومية السابقة للعلم وإلى الفنون العملية المنتمية لعالم العيش· إن علم الطبيعة الحديث والنزعة الموضوعية المرتبطة به يقوم على نسيان عالم العيش بصفته الأفق الذاتي النسبي لكل إمكانيات تجربتنا· إن عالم العيش هو عالم تجربتنا اليومية، العالم الذي نعيش فيه قبل كل موقف علمي أو نظري والذي تعطى فيه الأشياء في وضعيات ذاتية ونسبية· هذا العالم هو الأفق الشامل لكل ممارساتنا النظرية والعلمية· وحتى العالم كما تتصوره النظريات والصيغ العلمية والذي تدعي النزعة الموضوعية استقلاله المطلق عن كل نسبية إلى الذات لا يمكن أن يقوم إلا على أساس عالم العيش· إنه هو أيضا لا ينفلت من مبدأ التعالق بين الموضوع من جهة والظهور الذاتي النسبي في كيفيات للعطاء من جهة أخرى· إن موضوعات العلم الدقيق هي أيضا أشكالا للمعنى مدينة بوجودها لإنجازات ذاتية، لممارسة نظرية خاصة تنتمي هي ذاتها إلى العيش في عالم العيش· لكن هوسرل لا يبقى عند هذا الحد بل ينتقل إلى بيان أن النموذجية المزعومة لعلم الطبيعة الرياضي أثرت على الفلسفة ذاتها بمختلف اتجاهاتها وأدت إلى وقوعها في مفارقات وألغاز لا يمكن الخروج منها إلا بتبني الفنومينولوجيا الترنسدنتالية التي يتجه إليها كل التطور الفلسفي التاريخي ابتداء من التدشين اليوناني· في القسم الثالث من الأزمة يتلمس هوسرل إمكانية تأسيس ضرورة الانتقال إلى الفلسفة الترنسندنتالية الفنومينولوجية· يقسم هوسرل هذا القسم إلى مقطعين لأنه يقترح طريقين إلى الفنومينولوجيا الترنسندنتالية· المقطع ''أ'' يحمل عنوان ''الطريق إلى الفلسفة الترنسندنتالية الفنومينولوجية انطلاقا من التساؤل الارتدادي عن عالم العيش المعطى مسبقا''· وهو يرتبط مباشرة بتحليلات القسم الثاني التي أظهرت أن عالم العيش هو منسي العلوم الوضعية الحديثة، لكن كذلك الفلسفة الحديثة، بما فيها الفلسفة ذات التوجه الترنسندنتالي·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©