الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإشارة

9 يناير 2009 00:13
يروى أن تاجرا من شيوخ التجار كان له دين كبير على أحد القواد، في أيام المعتضد ولكنه تباطأ في سداده وظهر منه أنه لن يسدده، وصار يحتجب عن التاجر ولا يسمح له بلقائه، بل ويدفع غلمانه للاستخفاف به· فاشتكى أمره إلى الوزير عبدالله بن سليمان فلم ينفعه شيئا· فعزم أن يحاول شكايته إلى المعتضد، بيد أن أحد أصحابه قال له إنك تستطيع أخذ مالك بدون شكوى! قال: وكيف؟ قال: تذهب إلى الحائك فلان فتقص عليه الأمر وهو كفيل أن يحضر لك مالك! قال: فاعتقدت أن الأمر مزاح أو سخرية· فقال لي أنا أذهب معك· قال: فتوجهنا إلى المسجد حيث كان ذلك الحائك يقرأ بعض الآيات· فقص عليه صديقي قصتي تماما، وسأله أن يذهب معنا للقائد ويسأله أن يعطي صاحب الحق حقه· قال فاصطحبنا الحائك إلى بيت القائد، وأنا نادم على ذلك لخوفي مما يلحقنا من القائد· إذ كان الوزير لم يستطع أن يفعل معه شيئا، فما بال الحائك! ولكننا لما وصلنا قصره ورأى الحراس ذلك الحائك قاموا جميعا إليه باحترام وتبجيل وقالوا إن كنت تريد القائد فإنه ركب وعلى أهبة الخروج فإن كنا نحن نصلح لخدمتك فيما تريد فعلنا، وإلا فالقصر تحت أمرك فاسترح حتى يخرج القائد، وبالفعل انتظرنا فلما أقبل القائد ورأى الحائك نزل احتراما له· فقال له الحائك أعط هذا الرجل حقه· قال: نعم وأقسم أنه لا يملك الآن سوى خمسة آلاف درهم سيدفعها ويرهن عنده بالباقي بعض الذهب والفضة على أن يسدده الباقي خلال سبعة أيام· وقد كان ذلك، وخرجت بالمال والذهب والفضة فطرحت الدراهم أمام الحائك وقلت له لقد أنقذت مالي بعد يأس فخذ منه ما تحب بطيب نفس مني· فقال: يا هذا، ما أسرع ما قبلتني به من القبيح، أمسك إليك مالك وانصرف عني· قلت: بقي لي عندك أمر· قال: وما هو؟ قلت: أحب أن تخبرني عن سبب طاعة القائد لك مع أنه لم يتأثر بالوزير· قال: الآن قد بلغت غرضك، فاذهب عني ولا تشغلني بحديث ليس لك من ورائه فائدة· قال: فرجوته وألحفت· فقال: أنا رجل حائك أتعيش عيشة بسيطة من دخل الحياكة، وأصلي في هذا المسجد وأؤم الناس فيه· وفي أحد الأيام صليت المغرب، وخرجت منصرفا لمنزلي فمررت برجل تركي كان يقيم بهذا المنزل، وأشار إلى منزل مجاور، وكان ثملا من الخمر ومرت بنا امرأة فأمسك بها بالقوة يريد إدخالها منزله وهي تستغيث، دون جدوى فتقدمت إليه فضربني بدبوس معي فشج رأسي فتوجهت إلى بيتي وغسلت الدماء وخرجت فاستعديت عليه بعض الناس وذهبنا إلى داره وضججنا على بابه فخرج لنا بغلمانه وقصدني فلقيت منه أذى كثيراً، حتى كدت أتلف، فحملوني إلى بيتي فمكثت حتى تنبهت فتحاملت على نفسي وصعدت المئذنة وقلت إنه سكران، فإذا سمع الأذان ظن أنه الفجر فأطلق المرأة، فأذنت أذان الفجر وكان ذلك بعد العشاء بنحو ساعتين ونزلت أترقب خروج المرأة من البيت وإن هي إلا لحظات حتى امتلأ المكان بالخيل والحراس وقالوا من أذن هذا الأذان؟ فلم أستطع الإنكار فقلت أنا فحملوني إلى أمير المؤمنين المعتضد فدخلت وكادت روحي تخرج من الرعب· فقال لي: ليسكن روعك يا شيخ! ثم قال: ما الذي حملك على الأذان في غير وقت صلاة حتى تغر الناس فيخرج ذو الحاجة في غير حينه فيتعرض للسرقة ويمسك من أراد الصوم في غير وقت إمساك؟ قال: قلت: أفيؤمنني أمير المؤمنين إن قلت له الحقيقة؟ قال: أنت آمن· فقصصت عليه قصة التركي وأطلعته على ما فيّ من إصابات وجروح، فتملكه الغضب وأرسل في الحال بعض جنده أن يحضروا المرأة والتركي· فلما أحضروهما جعل يسأل المرأة فأيدت ما ذكرته· فجعل يسأل التركي كم رزقك؟ يقول كذا وكذا، وكم جواريك فيقول كذا وكذا وهو يذكر من النعم التي عنده ما يحسد عليه، فلما انتهى قال له المعتضد: أما كان لك في هذا الرزق الوفير مندوحة عن محارم الله تعالى؟ وما كان عذرك في الوثوب على من أمرك بالمعروف ونهاك عن المنكر؟ ثم أمر بتوصيل المرأة إلى دارها وأن يخبروا زوجها أن يحافظ عليها لما ظهر من شرفها وتمنعها· ثم أمر بقتل التركي ومصادرة كافة أملاكه· ثم قال لي: لقد رأيت ما فعلته في من يخالف ما أمر الله به· فما رأيت من منكر كبيرا كان أو صغيرا على أي إنسان في الدولة مهما كان مكانه فإنه إلى أرباب دولتي ليبلغوني فمن تقاعس فأبلغني· قال: قلت: وكيف أبلغ ذلك إليك يا أمير المؤمنين؟ قال العلامة بيني وبينك الأذان في مثل هذا الوقت· قال الحائك فانصرفت من عنده داعيا شاكرا ومتعجبا من حرصه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©