السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أين الجمال في الرعونة؟

أين الجمال في الرعونة؟
20 مارس 2009 00:14
بعد ''حطّاب الحيرة'' سنة 1990 و''صادقوا قمرا'' 1992 و''في مهبّ النّساء'' 1998 و''ماذا تفعلين بي'' ،2004 صدر ديوان جديد خامس للشّاعر اللّبنانيّ زاهي وهبي عن الدّار العربيّة للعلوم في بيروت بطبعته الأولى سنة ،2009 ليكمل الزّاوية الرّابعة في نشاطه الأدبيّ والاعلاميّ، الى جانب مساهماته الصّحفيّة والنّقديّة والاعلاميّة المتنوّعة· ولعلّ الشّعر يبقى الزّاوية السّاطعة في احتفاء شاعرنا بالكلمة، لكونه تعبيرا فنّيّا مكثّفا قادرا على بلورة الفكر، واحتضان الأبعاد النّفسيّة والأحلام، وتيسير سبل الابداع لمن يتسلّق سلّمه الصّعب الطّويل، كما قال قديما الشّعر العربيّ المخضرم: الحطيئة· ومن مداخل هذا الدّيوان وعناوينه نستطيع التّفاعل مع تجربة شعريّة، تفصح عن رمزيّتها حينا وصراحتها حينا آخر، لتعيدنا الى أصولنا الأولى مع الطّفولة والتّراب والقرية، والمنابع الأولى للصّورة الشّعريّة الكامنة في المرأة والطّبيعة والجمال· المحتوى والنّسق يقع الدّيوان في مئة واحدى وأربعين صفحة من القطع الصّغير على عادة معظم الدّواوين الصّادرة حديثا، تتوزّع فيها أبيات القصيدة سطورا غير منتظمة، غير متعادلة، فقد يكون البيت الٍسّطر لفظة واحدة، مثلا: انظر (ص57) قصب، انكسر (ص59) اذا (ص61) أو تزدحم الكلمات عدديّا فتبلغ تسعا في القصيدة الواحدة على السّطر (ص 59 و61)· هذه الاختلافات العدديّة، تتقاطع مع اختلاف قصائد الدّيوان من حيث المحتوى والحجم، اذ انضوت في مجموعات من أربعة أقسام: الأوّل يضمّ قصيدتين: دمية روسيّة ـ يعرفك مايكل أنجلو· وفي الثّاني ثلاث: كعازف يحتضن كمانه، ضع وردتك هنا، وشم الرّيح في الحجر (الى حوريّة درويش والدة الشّاعر الرّاحل محمود درويش)· وفي الثّالث أكبرها سبع قصائد: الغروب، العصبيّ، أهل التّراب، أهكذا تكون الطّاعة؟، حدّثتني الرّيح، أنتظر أحدا ينتظر أحدا آخر، الصّوت 1(الى هبة قوّاس)، الصّوت ·2 وفي الرّابع ثلاث: أكمل أنوثتك بقصيدة، التّراب يظلّ شابّا، لا أسافر في الشّتاء· ومن القراءة الأولى للعناوين، يلتفت المتلقّي الى تركيبها اللّفظيّ، ونظامها الدّلاليّ، فيشعر بحضور الرّوح الفنّيّة لمحمود درويش ومدى تأثيرها في شاعرنا زاهي وهبي، فكان الإهداء في الصّفحة الأولى مصداق ما يظنّه القارئ، حيث جاء فيها: ''الى محمود درويش الذي عرفته مرّة والى الأبد، دخل بيتي ولم يغادره قطّ، ضاعفني شعرا وخفرا، ظلّ حاضرا مثل نسمة أو نجمة، محرّضا على الحبر والتّمرّد والغوايات النّبيلةّ وعلى حبّ الأرض والحياة· اليه الى روحه العذبة الطّليقة''· رحلة الى الدّاخل واذا ما جزنا العناوين، يأخذنا الكتاب في رحلة ممتعة بين وهاده وتلاله، بحيث يحلو لنا النّظر والسّمر في مروجه الخضراء، وتصاويره المزخرفة، وينابيعه الرّقراقة المتهادية في مجالي النّفس، وتسابيح القلب· يضعنا وجها لوجه أمام المرأة الحلم، والجذور الأولى للشّاعريّة البريئة، المكتنزة بالإحساس المرهف، والطّفولة الواعدة· ففي قصيدة يعرفك مايكل أنجلو، المرأة كلّ شيء، مبدأ الوجود، وعناصر التكوين، وسيّدة المصير، وربّة القداسة، اذ يقول: ''همست في قلب امرأتي أأنت الخضرة أم الماء؟ أم أنت ما يمنح الأرض خضرتها والحياة حياتها؟ أأنت النّهر أم مجراه؟ الصّوت أم صداه؟ الموت أم عودة الحياة الى الحياه؟''· ثمّ يستمرّ الاعلاء الصّوفيّ للمرأة باقامة التّشبيه بينها وبين السّيّدة مريم: ''تعرفك مريم التي انتبذت لطفلها مكانا قصيّا''· انّ عالم المرأة المقدّسة يستدعي الطّفولة الوادعة، التى تزدهي في قصيدة ''كعازف يحتضن كمانه'' اذ يقول: ''وداعة صغيري يرمّم ثقوب الأربعين بضحكة أرقّ من نسمة خضراء· أحتضن صغيري كعازف يحتضن كمانه، أو كرجل يحتضن غدا مبهما''· وعندما يبلغ الشّعر أعتاب المدينة يقف حائرا بينها وبين الرّيف، ففي المدينة اختزان الفتنة، واختبار الغريزة، ومتعة الشّهرة الاعلاميّة، فيها يتبعثر ويتناثر على أرصفتها، معتمرا أقنعتها وأناقتها، اذ يقول في قصيدة ''ضع وردتك هنا'': ''ارتميت على صدر المدينة تبعثرت في النّساء كتبت شعرا، رقصت تحت المطر تأنّقت قليلا، تعطّرت بفتنة غموضي''· بعدها يحاور ذاته المسكونة بذكريات الرّيف: ''الرّيف ليس لكنة أو أسلوبا في الكلام ريفك شهوات ضارية، نضوج مبكّر تحت سماء عارية· فاصنع بنفسك ما تريد وارتد ما شئت من أقنعة''· وبعد أن يشعر بالغربة والاستلاب، ينهض لاسترداد جذوره التّرابيّة والذّكريات الحميمة وسط العائلة، وفي كنف التّقاليد القرويّة، فيسأل الحمام اللّطف به: ''مهلا يا حمام أعد اليّ غناء الحصّادين يبرّد شمس الظّهيرة المواويل المعلّقة على الأشجار''· انّه الشّوق الى التّراب بما فيه من بداية ونهاية، من عودة وإياب، اذ يقول بعد رؤيته الإنسان مفسدا في الأرض، سفّاكا للدّماء (ص84 ـ 85): ''يشتاق التّراب الى ترابه ينادي أهله دائما ثمّة من يلبّي دائما نشتاق اليه اليهم لامفرّ من تلبية النّداء لامفرّ من العودة''· وصف الانطباعات وبعد، فإنّ قارئ الشّعر كالرّحالة في أسفاره، تقع عينه على كلّ طريف غريب، يجني متع المناظر، ويتذوّق بديع الأحداث التي تصادفه، دون أن يبرأ من مرارات ومشقّات تصادفه هنا أو هناك، كذلك ديوان شاعرنا، فإنّه بقدر ما يوقظ في النّفس الاحساس بجمال الكلمة، وسموّ العاطفة، يذهب بك الى منحدرات وعرة من التّعبير والتّصوير، تتشكّل فيها التواءات في التّراكيب، ومفارقات تجعل المستوى الفنّيّ للقصيدة مترجّحا بين الانضباط والفوضى، أو قل بين السّموّ والروحانيّة وبين الابتذال والعامّيّة، من ذلك العبث اللّفظيّ بالتّكرار: ''أم البخور المتمادي في بخوره؟ (ص24) يدلّني ولا أدلّه'' (ص29) واللّجوء الى المفارقات اللّفظيّة لتكوين الاستعارة في قوله: ''حنان العتمة، شهقة الضّوء، شمس مارقة، شللك الرّعاشيّ'' (ص27-29) وتمتدّ هذه الآفة الأدبيّة الى عمل الخيال فنراه ينشئ الصّور بأجزاء مفكّكة، تحطّ من قدرها الفنّيّ، كأن يقول: ''في جيبي قمر أرعن''(ص36) فأين مكمن الجمال في نعت القمر بالرّعونة؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©