الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ممارسة الرياضة في الهواء الطلق تجدد النشاط والسكينة والرضا النفسي

ممارسة الرياضة في الهواء الطلق تجدد النشاط والسكينة والرضا النفسي
13 نوفمبر 2011 00:41
هناك فوائد وميزات للمشي السريع أو الجري على البساط المتحرك داخل الصالة الرياضية أو في البيت، لكن الجري في الهواء الطلق يبقى أفضل من حيث الفوائد المحصلة. فشتان ما بين الجري تحت سماء يوم ربيعي جميل، وبين الجري على بساط حديدي متحرك يُظلك سقف وتُحيط بك جُدرانه الأربعة المؤثثة بأثقال حديدية متفاوتة الأوزان وتخترق أذنيك وعينيك صور وأصوات أجهزة التلفزيون المتناثرة في الصالة حتى إن لم ترغب في ذلك. لكنك تظل في النهاية صاحب القرار، فإما أن تنحاز للطبيعة وجمالها وسخائها، وإما أن تجعل تمارينك مملةً وأقل فائدة على متن أجهزة البساط المتحركة (treadmills). إذا ألقيت نظرةً على إحدى الصالات الرياضية، فإن أول ما يلفتك انتباهك هو أشخاص يجرون بحماس وبخشوع وعينا كل واحد منهم مسمرة في جهاز التلفاز الذي يُقابل بساطه. فلا تملك إلا أن تتساءل عن هذا التشويش الذي يتعرض له جسدك، فأنت تجري مسافة طويلة على بساط آلي متحرك تُدار وتيرة حركته بالأزرار، وتُشاهد الصور تلو الأخرى بينما تحتاج عيناك لإراحة من عناء الحاسوب الذي ظَلْت عليه عاكفاً طيلة فترة دوامك! وتُحدث نفسك “كيف يحرم هؤلاء أنفسهم من الاستمتاع بجو جميل ويحبسون أنفسهم وأرجلهم في أجهزة تُقاس أبعادها بالسنتيمترات؟ لو فعلوا ذلك بسبب سوء الجو حراً أو برداً لكانوا معذورين، أما أن يفرضوا على أنفسهم سجناً كهذا، فهم بالتأكيد مغبونون! فما الذي يدفع البعض إلى تفضيل الصالات على الهواء الطلق؟ أهو دافع نفسي أم فسيولوجي؟ وهل يفعلون ذلك بكامل وعي واختيار وتفضيل، أم لأنهم يجدون الجُدران أكثر أماناً وأُلْفةً؟ بساط متحرك كُتب الكثير عن الاختلافات الأيضية والميكانيكية الحيوية ما بين الجري على البساط المتحرك والجري في الهواء الطلق، وخلُص إجماع معظم الكُتاب المتخصصين إلى أن التمرينين متقاربان من حيث التأثير والمفعول. غير أن الجري في الهواء الطلق له ميزات ميكانيكية إضافية مثل الاستفادة من مقاومة الهواء والقدرة على بناء العضلات بشكل يتماشى إلى حد ما مع جغرافية المسارات التي يسلكها العداء من حيث الاستواء أو الارتفاع أو الانحدار أو الدوران. أما البساط المتحرك، فإن ميزته الأساسية هو إمكانية استخدامه في جميع الأحوال الجوية وتجنُب التقلبات الجوية المفاجئة. وقد سبق لمجلة “الطب والعلوم في الرياضة والتمارين” أن بينت في أحد أعدادها سنة 2008 أن المفعول الحركي للجري على البساط المتحرك والجري في الهواء الطلق متشابه إلى حد كبير. فالعداؤون يختارون وضعيات مختلفة وهم على البساط المتحرك مثل الجري على بساط مستو أو مرتفع. لكن الباحثين أوضحوا أيضاً أنه باعتبار كون الإنسان قادراً على تكييف مشيته وعدوه في جميع الظروف الجوية، وسواءً كان ذلك في ممرات ثلجية أو رملية أو جبلية أو ممرات رصيفية مخصصة لهواة الجري والمشي السريع، فإنه من المعقول أن تُصمم أجهزة البساط المتحرك بما يُتيح اتخاذ وضعيات جري ومشي سريع مختلفة. خريجو الصالات ما من شك في أن أجهزة البساط المتحرك تُتيح ممارسة تمارين رياضية مفيدة، وإلا ما كان العداؤون والرياضيون الذين يُشاركون في منافسات وبطولات عالمية يستخدمونها ويعتبرونها مكوناً أساسياً من مكونات برنامجهم التدريبي. فالعداءة النرويجية إنجريد كريستيانسين، حطمت الرقم القياسي في مسافة خمسة آلاف متر، وعشرة آلاف متر، بالإضافة إلى سباق نصف الماراثون وسباق الماراثون، ناهيك عن فوزها بسباقات ماراثون لندن ونيويورك وبوسطن. وهي تتمرن عادةً على البساط المتحرك، حسب مقال نُشر حولها في مجلة “رياضات عدائي الطرق/ رُودْز رانر سبورتس”. وهناك آخرون مثل عداءة الماراثون الأميركية كيم جونز من كولورادو والتي احتلت المركز الثاني في ماراثون بوسطن سنة 1991 بتحقيقها أفضل توقيت شخصي لم يتعد 2:26:40، علماً بأنها كانت تُعاني الربو وما يعنيه ذلك من احتمال مفاقمة حالتها عند جريها في ظروف باردة أو عاصفة أو عند ارتفاع مستويات التلوث في الجو. وتقول كيم خلال المقابلة التي أجرتها معها مجلة “رُودْز رانر سبورتس” إنها أجرت 80 بالمئة من تدريباتها الاستعدادية لسباق بوسطن على جهاز البساط المتحرك. لكن دَعُونا مع ذلك ننظر إلى الأمر بمنظار الأشخاص العاديين، لا عدائي البطولات مثل كريستيانسين وجونز. فبالنسبة إلينا، فالطبيعي والمُفترض هو أن يكون الهواء الطلق مُحفزاً ودافعاً لنا للاستمتاع بممارسة الجري. وهو الرأي ذاته الذي يذهب إليه غالبية الخبراء، إذ وجدت دراسة نشرها باحثون من قسم الطب النفسي والعلوم السلوكية في جامعة ديوك أدلةً تُفيد بأن الفوائد المحققة من الجري في الهواء الطلق أفْيَد بكثير من الجري على البساط المتحرك داخل قاعة مكيفة تكاد تتسع لأنفاس الموجودين فيها على الرغم من سعتها. وبعد اختبار ومقابلة 60 عداءً من مختلف البيئات نُشرت نتائجها في مجلة “علم نفس الرياضة والتمرن”، اكتشف الباحثون أن الأشخاص الذين يجرون في الهواء الطلق أسرع من أولئك الذين يَجرون على أجهزة البساط المتحرك، على الرغم من أنه سُجل لديهم معدلات إجهاد أقل ومستويات أعلى من الإقبال والاندماج الإيجابي، وتجدُد النشاط، والسكينة، والرضا النفسي. وبصيغة أخرى، فإن الأشخاص الذين يتمرنون في الهواء الطلق يُقبلون على التمارين الرياضية بمزاج أفضل ونَفَس أطول وطاقة تحمل أكبر دون أن يُدركوا ذلك. الخواص والعوام لا يتجادل اثنان في كون العدائين مختلفون بطبيعتهم عن ممارسي الرياضة من عوام الناس. فهم يتميزون بقدرتهم على التمرن وفق برنامج أكثر صرامةً ومواظبةً ودقةً؛ نظراً لأن لا شُغل يشغلهم في الأصل غير الرياضة، وهم يعرفون متى يُصعدون ومتى يُهدئون، وأين يُسرعون وأين يُبطئون أثناء حصص تداريبهم وتمارينهم على البساط المتحرك. فمعظم الناس يُصارعون فقط من أجل الشعور بحافزية تدفعهم إلى ممارسة الرياضة باستمرار بصرف النظر عن كونها في الهواء الطلق أو داخل قاعة مغلقة. ويقول باحثون إنه قد يصعُب على بعض الناس الجري في الهواء الطلق في الظروف الباردة، لكنهم يُذكرونهم بأن ذلك الإحساس ببرودة نفحات الجو ونسماته سُرعان ما تتلاشى عند أخذ حمام ساخن، إذ حينها فقط يشعر المرء بلذة إنجاز ما عجز الآخرون عنه ويُحفَظ هذا التمرين في ذاكرته كتجربة رائعة حُبلى بالإشارات الإيجابية. وقد يتعلل بعضهم بكون تجربة الجري وممارسة الرياضة في الهواء الطلق لا تكون تجربةً جيدةً في البيئات جميعها، خُصوصاً أولئك الذين يسكنون في مدن ترتفع فيها نسبة التلوث أو تقل فيها الأرصفة المخصصة للمشي والجري أو يكثر فيها الازدحام المروري بشكل يُعوق المُشاة والعدائين عن الجري بشكل يجعل من الجري لمدة نصف ساعة متواصلة مهمة مستحيلةً، فالجري على بساط متحرك قد يغدو بالنسبة لهؤلاء بديلاً مفضلاً يمنحهم الطمأنينة ويكفيهم حرق الأعصاب الذي يُكابدونه في هذا “الهواء غير الطلق”. لكن ذلك غير مقبول بالنسبة لمن يعيشون في بيئات تتوافر على البنيات التحتية اللازمة جميعها من أرصفة وحدائق ومنتزهات وأرصفة جري ومشي سريع على الكورنيش أو الضواحي بنسيمها العليل وهوائها النقي، فالأمر بالنسبة لهؤلاء شبيه بحال المرأة التي تلجأ إلى التخصيب بالأنابيب رغم قدرتها على الحمل والولادة بشكل طبيعي. فوائد أخرى من بين الفوائد البدنية الأخرى التي يُحصلها ممارسو الرياضة في الهواء الطلق دون مستخدمي أجهزة البساط المتحرك هو عدم القدرة على الانسحاب الفوري في أي وقت. فإذا جريت بضع كيلومترات من بيتك، فإنك تكون مضطراً إلى الرجوع لبيتك وقطع المسافة نفسها مهما كلفك ذلك من جهد وعناء، إلا إذا وصل عناؤك لدرجة صعبة اضطررت عندها لإيقاف سيارة أجرة أو الاتصال بأحد أقاربك للقدوم لأخذك على متن سيارته. وما يحتاج إليه الشخص عند الجري في الهواء الطلق يقتصر على الشعور بالحافزية لقطع مسافة الجري ذهاباً، أما مسافة الجري إياباً، فتكون تحصيل حاصل. أما مستخدمو البساط المتحرك، فتكفيهم نقرة زر للتوقف عن الجري في أي لحظة، وهو ما يجعلهم أسرع استسلاماً، ناهيك عن عامل الشعور بالملل من حركة البساط المتحرك المتكررة في نفس المكان ونفس المحيط المغلق، والذي يلعب هو الآخر دوراً سلبياً على نفسية المتمرن من حيث طول فترة جريه. وهناك أيضاً مسألة إدارة الوقت، فإذا كان البساط المتحرك يوجد في صالة رياضية، فإنك تحتاج إلى الانتقال إلى هناك أولاً، وهذا يُضيع جزءاً من وقتك بغض النظر عن مدى قرب الصالة إلى بيتك، في حين أن الجري في الهواء الطلق لا يُكلفك أكثر من ارتداء حذائك الرياضي والخروج من بيتك مُطلقاً سيقانك للريح. ولذلك فالجري في بيئات غير مغلقة هي مسألة حافز ودافع بالدرجة الأولى. أما إذا كُنت تُحب أجهزة البساط المتحرك بالفعل ولا يُشعرك تكرار استخدامها بأي نوع من الملل أو الحرمان من الاستمتاع بالجو الجميل والمنعش في الخارج، فواصل جريك وتسخيناتك عليها، فهي في نهاية المطاف تحرق السعرات الحرارية وتصل بك إلى الهدف المنشود. أما إن مللت هذا الجهاز، فافتح باب منزلك وتطلع إلى صفاء السماء وسحر زرقتها، وأطلق سيقانك للريح، وكن متأكداً أنك ستعشق ذلك أكثر، وستتحسر على الأيام التي قضيتها تجري على بساط متحرك وسط أبواب موصدة في بناية شاهقة. هشام أحناش عن “لوس أنجلوس تايمز”
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©