عزلة تكنولوجية - عـادل علـي

دوت كوم عزلة تكنولوجية ضبطت الباشمهندس أسامة، حلال المشاكل الكومبيوترية في جريدتنا، يقرأ ورقة وهو يفيض حبورا وسعادة أكثر من المعتاد منه· وحتى لا تتملكني الحيرة تفضل بالشرح: اقرأ خبرا عن آخر مستجدات برامج الإملاء الصوتي على الكومبيوتر التي تأخذ طريقها للانتشار· وكل ما تحتاجه هذه البرامج هو وجود ميكروفون عالي الجودة مزود بمعالج قوي قادر على تمييز الحديث عن الضوضاء المحيطة· وهذه التقنية ستشهد ابتكارات سريعة تعفي الإنسان من استخدام يديه في المستقبل والتعامل مع الكومبيوتر بصوته· قلت: ولكن··· وقاطعني الباشمهندس: أعرف ما يدور في ذهنك· ستقول كيف سيفهم الكومبيوتر اللغات؟ المسألة بسيطة فكما تم تعريب البرامج النصية، برامج الكتابة والتخزين والاسترجاع والتصنيف والتبويب والتحليل وغيرها، بالإمكان أيضا تعريب البرامج الصوتية· سارعت إلى القول، بدون ولكن هذه المرة: طبعا، طبعا، فالأرض ''بتتكلم'' عربي، ولن تقف المسألة عند الكومبيوتر· لكن لنفترض أن الصديق فلان أراد أن يتحول إلى الكومبيوتر الصوتي، وهو كما تعرف يلدغ بنصف الأحرف الشمسية والأحرف القمرية فضلا عن أحرف العلة والجر فماذا ستكون النتيجة؟ كيف سيتعرف برنامج الإملاء الصوتي على الراء عندما يدغمها أخينا بالغين، والثاء عندما تصبح تاء، والسين عندم تتحول إلى صاد؟ بل كيف سيتعامل هذا البرنامج مع مشكلة إقليمية حاضرة بشدة، وهي حرف الجيم الذي يخرج من أفواه المصريين معطشا، وينطقه الشوام مفخما، وينط على ألسنة الخليجيين من مقدمة الألفبائية العربية إلى آخرها لكي يصبح ياء؟ تركني الباشمهندس أسامة، حائرا مع أسئلتي، تلبية لنداء زميل في آخر صالة التحرير أصيب جهازه بتلبك معوي، فوجدت نفسي مضطرا إلى مناقشة جانب آخر من المعضلة مع··· نفسي· إذ كيف سيكون حال البشر عندما سيستغنون عن إسماع أصواتهم إلى آخرين، أو الاستماع إلى أصوات الآخرين؟ هل سيعيشون في عزلة صوتية، هل اعتبار إن برامج الإملاء تلبي احتياجاتهم في هذا المجال، بعدما فرضت عليهم تكنولوجيا الاتصالات عزلة اجتماعية؟· لقد كانت العزلة موضوعا شيقا للروائي اللاتيني جابرييل جارثيا ماركيز في رائعته ''مائة عام من العزلة''، فهل نستعد لمئات من السنين من العزلة لأننا ببساطة لا نحتاج لأن نسمع إلا أصواتنا؟ يا ساتر! هذه هي البدايات فأنا منذ غادرني الباشمهندس أحاور نفسي في عزلة تامة·