الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المسارات.. والمحطات

المسارات.. والمحطات
1 نوفمبر 2012
يمكن للمرء أن يجد العديد من العناوين، متفاوتة القيمة، في المكتبة، فيما لو رغب التعرف على مسارات القصة القصيرة في الإمارات أو الشعر وكذلك المسرح؛ ولكن من النادر العثور على كتب تعرّفك على ماضي أو راهن الرواية في الإمارات؛ إذ تبدو الرواية شحيحة الحضور مقارنة بسواها من أجناس ادبية وفنية، وفي هذا السياق يمكن للمراقب ان يقف على اهتمام مخصوص من قبل المؤسسات الرسمية والأهلية بالقصة والشعر والمسرح سواء عبر المسابقات أو المؤتمرات أو المنتديات الاسبوعية وبالمقابل لا نلحظ اهتماما مماثلاً بالرواية، فأين المشكلة؟ يقارب الناقد السوري سمر روحي الفيصل هذا السؤال وأسئلة أخرى في كتابه الصادر حديثا ضمن سلسلة “كتاب الرافد” عن دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة تحت عنوان “الرواية الإماراتية.. تعريف ونقد” وقد جاء في 144 صفحة من القطع الصغير؛ وهنا نستعرض رؤية الناقد المعروف بمساهماته النوعية في المشهد الثقافي الإماراتي. مكانة منذ البداية، يستهل الفيصل بأن يدعو إلى زيادة الاهتمام بالرواية لانها “الجنس الأدبي المؤهل للتعبير عن المجتمع الإماراتي وهو يتغير ببطء ووعي ويرسم الخطط للحاق بالعصر الحديث دون التخلي عن هويته العربية الاسلامية”؛ ويبرز الفيصل في هذا الإطار المزايا التي تتمتع بها الرواية بخاصة في مقاربة الماضي واختبار الحاضر واستشراف المستقبل؛ إذ تتميز بطبيعة فنية طيعة ومرنة لاستيعاب الواقع واعادة انتاجه “في شكل تخييلي مقنع ومؤثر”، ويستغرب الناقد ضعف الاهتمام بهذا الجنس الأدبي على رغم غلبته وسيادته في مشاهد ثقافية عربية وغربية عديدة ، حتى ان البعض يرى ان “عصرنا هو عصر الرواية”! ويشير الفيصل إلى ان اسئلته مصدرها الرغبة في “ان تحتل هذه الرواية المكانة اللائقة بها، وأن يكون لها حضور لافت للانتباه في المحافل والندوات المحلية ومشاركة حقيقية في المحافل العربية؛ تلك المحافل التي تهتم الخطاب الروائي لتفهم المجتمع العربي من خلاله..”. ويقسم الفيصل كتابه إلى ثلاثة فصول: يخصص الأول لـ”التعريف بالرواية الإماراتية” أما الثاني فعنوانه “الريادة الإماراتية بين الرواية والقصة” فيما ناقش في فصله الثالث سؤال “الرواية الإماراتية بين الحقيقة والتخييل”، وفي الختام قدم بعض الاقتراحات للتعريف بهذه الروائية الحديثة وللنهوض بها. أسباب ويبتدر الفيصل فصله الأول معلقاً على المكانة الراسخة التي يحظى بها “الشعر النبطي” ويدرج تاليا الشعر الفصيح ومن ثم القصة القصيرة فالمسرح، وهو يعلل ضعف اهتمام الاماراتيين بالرواية إلى ان “الرواية تحتاج إلى فسحة من القول لم تتوافر بعد للأديب الإماراتي الراغب في الاجناس المكثفة المركزة التي توجز ولا تفصّل وتوحي ولا تصرح..” وإلى ذلك يضيف الفيصل “ان الرواية تحتاج إلى مجتمع مديني تخلى عن بساطة الحياة وشرع يواجه مشكلات اجتماعية جديدة لم يكن له سابق معرفة بها، بعد تخليه عن حياة الحلّ والترحال واستقراره..”. وعلى رغم ان المجتمع الإماراتي فيه الكثير من تلك السمات المدنية إلا انه، فيما يقول الفيصل، لم يبلغ مرحلة التعقيد التي وصلتها المجتمعات الأوروبية والأمريكية، لكن “سماته القديمة لم تبق على حالها بل تبدلت اشكالها وراحت تلبس لبوس المجتمع الآخذ بحُجز الحداثة من دون ان يتخلى عن ماضيه..”. وينظر الفيصل إلى حالة تشكيل دولة الاتحاد 1971 بوصفها “تتويجاً للمجتمع المديني الذي بدأ يتشكل قبل هذا التاريخ بنحو عشرين سنة وشرع مع بداية الاتحاد يعمق شكله المديني ويتسع به”. وللتدليل على ذلك يقدم الناقد السوري جملة من المؤشرات من بينها حقيقة ان “نسبة السكان الحضر في 1960 كانت خمساً وعشرين بالمئة من السكان.. ولكن هذه النسبة ارتفعت إلى ستين بالمئة عام 1970”، ويبرز الفيصل التغييرات التي طرأت عقب تاريخ الاتحاد على مستوى الأسرة فمما كانت أسرة كبيرة تضم أجيالا عدة غدت الأسرة مكونة من زوجين وأولادهما؛ وحصل هذا التحول نتيجة لما طرأ من تغييرات في طرق كسب العيش فبدلا عن النشاط الاقتصادي الواحد المتمثل في الغوص والصيد والرعي أقبلت الأسر الحديث على النشاط الاداري والصناعي والتقني. ويذكر الفيصل ان العام 1999 عرف توجهاً حضرياً بلغ نسبة أربع وثمانين في المئة؛ وفي السياق ذاته يشير الفيصل إلى تزايد عدد السكان ويأخذه كمؤشر على النمو المديني إذ بلغ عدد السكان في العام 2010 ثلاثة ملايين وأربعمائة وثمانية وثمانين ألف نسمة في حين كان في العام 1975 نحو مليون نسمة! احصاءات وعند ربط الاحصاءات الفائتة بمسار الرواية يخلص الناقد إلى نتائج عدة؛ فلقد: انعكس نمو المجتمع المديني في الرواية الإماراتية فكانت هناك في 1971 رواية واحدة وهي “ شاهندة” لراشد عبد الله، فاصبح العدد أربعا وستين رواية في العام 2010” . وينوه الناقد هنا إلى ان هذا الانعكاس لم يماثل أو يقترب ما بلغته الأجناس الأدبية الأخرى من نمو في ذات الفترة وخصوصا القصة القصيرة. وفي السبيل ذاته يعرض الفيصل جملة من الملاحظات؛ فتاريخ الرواية الإماراتية تدرج على النحو التالي: ثلاث روايات في السبعينيات وست في الثمانينيات وخمس عشرة رواية في التسعينيات وإحدى وأربعون رواية بين 2000 و2010 وكتب هذه الروايات تسعة وثلاثون روائياً وست عشرة روائية! أما أكثر الروائيين الإماراتيين انتاجاً فهو علي أبو الريش فلقد انجز 11 رواية ويليه على محمد راشد الذي اصدر اربع روايات ومن ثم الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي الذي اصدر روايتين ومثله عبد الله الطابور. وينتهي الفيصل في قراءته لتلك الارقام إلى ان: الرواية الإماراتية هي بنت الاتحاد إذ لم تكن موجودة قبل العام 1971، ونمت هذه الرواية ببطء في مختلف مراحل مسيرتها عدا العشر سنوات الأخيرة. ومن الملاحظات ايضا ان الروايات بمعظمها طبعت على نفقة أصحابها باستثناء أعمال علي أبو الريش؛ كما ان اغلب الرواية طبعت مرة واحدة عدا رواية “شاهندة” لراشد عبد الله التي طبعت ثلاث مرات. وفي الفصل الثاني وهو بعنوان “الريادة الإماراتية بين الرواية والقصة” يتوقف الفيصل، بدايةَ، عند رواية “شاهندة” لراشد عبد الله ويقول انها تستحق الريادة لسببين، الأول سبقها الزمني والثاني الجهد الفني المبذول في صياغتها والذي “جعل هذا النص الروائي يبقى حيا بعد مرور تسع وثلاثين سنة على طباعته أول مرة”؛ ومن ثم استعرض الفيصل المزايا الفنية للعمل ولكن قياساً إلى لحظة كتابته وفي هذا الإطار تكلم عن الطبيعة الحيادية للراوي العليم وعن المكان والزمان ولغة الحوار وسواها من تقنيات. وفيما يتعلق بالريادة في مجال القصة القصيرة يذكر الكاتب ان الكثير من الكلام قيل حول مسألة الريادة في هذا المجال، وانه يحتاج إلى تدقيق “أبرز ما قبل إن الريادة لعبد الله صقر المري انطلاقا من طباعة أول مجموعة قصصية وهي مجموعة الخشبة التي صدرت 1975 وإن الريادة لشيخة الناخي التي قبل انها نشرت عام 1970 أول قصة قصيرة” ويسهب الفيصل في هذا الجانب ليصل إلى ان الناخي ربما لم تكن دقيقة في تحديد لميقات نشر قصتها القصيرة! ومع ان هذا الجزء يبدو مقحماً استنادا إلى العنوان الرئيس للكتاب إلا ان الفيصل يبرر كلامه عن القصة القصيرة في سياق روائي باستعراض بعض المشتركات بين الجنسين الابداعيين، كما يتكلم عن خصوصية لتعالق القصة بالرواية في الساحة السردية الإماراتية. التاريخ في الفصل الأخير يقارب الفيصل الطريقة التي تتجلى بها المادة التاريخية في الرواية وهو يأخذ النصين المعروفين للشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي “الشيخ الأبيض” و”الأمير الثائر” بوصفهما “نصان مختلفان بالنسبة الى الموقف الروائي من الحقيقة التاريخية على الرغم من ان المسافة الزمنية بينهما ليست طويلة” وكذلك يقرأ الفيصل نص لعلي محمد راشد بعنوان “ساحل الابطال” في الإطار ذاته. ومما يذكره الكاتب في نهاية هذا الفصل، بعد ان يبذل جهده في تحليل المقدمة التي كتبها الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي إلى ان الروائي: يرغب أحيانا في الالتزام بالمادة التاريخية وتغليب الحقيقي على المتخيل ولكنه يقدم الحوادث تقديما يضمن له ابراز رؤيته الخاصة وقد يلتزم روائي آخر بالمادة التاريخية وتغليب الحقيقي على المتخيل وثمة روائي ثالث يقدم المادة التاريخية ذاتها ولكن بشكل يدمجها بالحاضر..إلخ. ويختتم الكتاب بجملة من الاقتراحات منها التدقيق في بناء الشخصيات الروائية وفي تحديد المكان والزمان الروائيين؛ كما يقترح بذل المزيد من الدراسات النقدية حول الرواية الإماراتية لتعزيز مكانتها وكسب المزيد من الأقلام الجديدة بخاصة مع ما تتميز به من إمكانيات في قراءة الواقع واستشراف الآفاق المستقبلية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©