الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معشوقة الخيال تنبض بالحياة

معشوقة الخيال تنبض بالحياة
1 نوفمبر 2012
فكرة فيلم “بريق روبي” للمخرجين جوناثان دايتون وفاليري فارس، الحائزان الأوسكار تذكرنا بأسطورة بيجماليون وجالاتيا بريشة الفنان جان رواكس، وقبس عنها برناردشو مسرحية، وتحولت إلى فيلم سينمائي، كما قبس عنها توفيق الحكيم مسرحية بعنوان “بيجماليون”، مستفيدا من روح الاسطورة الاغريقية، وفيها يتحوّل التمثال الحجري الذي أبدعه بيجماليون بناء على دعائه وابتهالاته الى آلهة الحب والخصب “ فينوس” الى امرأة تدعى (جالاتيا)، فقد عشق الفنان تمثاله، وتمنى لو دبّت فيه الحياة، كي يرتبط به عن طريق الزواج. في “بريق روبي” الذي عرض ضمن منافسات مسابقة آفاق جديدة في الدورة السادسة لمهرجان أبوظبي السينمائي، من إنتاج أميركي، سيناريو وحوار زوي كزان، التي قامت أيضا بالبطولة النسائية في الفيلم، ثمة مماثلة في المعنى والفكرة والروح وجماليات النظرة الى روعة الجمال الأسطوري، عن روائي يبتكر شخصية فتاة أحلامه، ليجد نفسه مع الوقت قد وقع في غرامها. ربما يكون أجمل ما في هذا الفيلم، هو صياغته التي تنشد من الأدب والأسطورة وفن الرسم الكثير من الملامح، فهو يلعب على وتر يربط بين قمّة الواقعية، وفضاءات الخيال، وقد تسأل نفسك: ما الذي يبدو جديدا في مثل هذه الحكاية، وقد تسأل أيضا: ما الذي دفع أعدادا ضخمة من المتفرجين لمشاهدة أحداثه، بل والإعجاب بها، ما هو السر في هذا الفيلم الذي لم ينتبه إليه النقاد في المهرجان؟. في تقديري إن النجاح السّاحق الذي حققه الفيلم في الخارج وفي مهرجان أبوظبي، يعود الى تحدّيه للمألوف، بعد أن فتح للمتفرج قنوات عديدة لكي يطل منها على عالم الجمال والحب والرومانسية من خلال وجهة نظر فلسفية عميقة، فإذا لم يكن باستطاعتك تحقيق حلمك في الواقع، فيمكنك تحقيقه على الورق، ومن خلال الصورة في اللاوعي، وتنظيم الذاكرة، وهذا ما فعله المخرجان باستعانتهما بالمصور المحترف ماثيو ليبانك، الذي قدم صورة مغايرة للخيال من خلال كادرات وصورة مصقولة، دون أن ننسى نجاح المونتاج المتوازن الذي صاغته باميلا مارتن، وجعلتنا من خلالها نعيش قصة حب من نوع خاص، ناهيك عن تلك الأجواء العفوية التي بثها الفيلم، ومحافظته بقوة على براءة الشخصيات في عالم يتملكه الغضب وعدم الانصات إلى ضربات الرومانسية التي تاهت في خضم البحث عن الذات. نفتقد كثيرا روعة الحوار المنسجم تماما مع سلوك ومشكلات وأحلام الشخصيات، وربما يكون نوع الحوار بمفرداته المزدوجة المعنى قد شكّل جانبا مهما من نجاح التجربة، فكل جملة تدفعك الى البحث عن المختبئ وراءها من معان فلسفية ورموز ودلالات، بجانب تلك الأجواء الكوميدية المرحة، حيث تلعب المفاجآت والمفارقات والمواقف الطريفة دورها في إضافة جرعة زائدة من متعة المشاهدة. لقد نجح المخرجان وببساطة متناهية في أن ينقلا لنا (تجربة الحب الوهمي) عبر حركة الصورة، وتعبيرات أبطال الحكاية، وعبر لغة العيون والوجوه واستخدامات عديدة لإيصال شمولية الفكرة القائمة على المزج بين الكوميديا والتراجيديا، رغم غرابتها. والاتكاء على فن الفيلم داخل الفيلم من خلال جماليات تقاطعات الصور. لا يمكن أن نتحدث عن جماليات هذا الفيلم، دون أن نتحدث عن مخرجه الأول جوناثان دايتون (مواليد عام 1957) في ولاية كاليفورنيا، فهو يجمع ما بين إخراج الأفلام والتصوير والكتابة والانتاج، ومن ذلك نجاحه في تجسيد السيناريو في إطار رومانسية لا تخلو من البعد الفلسفي، فالكاتب الشاب (كالفين) الذي يبحث عن الإلهام، ينصحه طبيبه النفسي للخروج من أزماته بالكتابة عن حبيبته وفتاة أحلامه، فيتخيلها فتاة غريبة الأطوار تدعى (روبي سباركس) ذات الستة وعشرين عاما، لكن مفارقة الفيلم تتحقق بظهور هذه الفتاة فعلا في حياته، ليعيش معها قصة حب عصرية بروح أسطورية. وكان جميلا أن يلتقط جوناثان ورفيقته المخرجة فاليري فارس هذه (الحدوتة) ليصنعا منها فيلما من أفلام الشباب والمرح التي كانت سائدة في سينما هوليوود في السبعينيات والثمانينيات. لكن تبقى صياغة “بريق روبي” أكثر عصرية وأكثر اشتغالاً على فكرة الأديب أو الروائي الذي يقع في حب إحدى شخصياته. لقد جسد الممثل (بول دانو) دور الروائي بحرفية عالية، أضفت مع التمثيل الجميل الهادئ لزوي كزان، وأنطونيو بانديراس، وأنيت بيننج، وكريس ميسينا، وستيف كوجان، أجواء مفعمة من التشويق والإثارة والطرافة، التي قلما تشاهدها في مثل هذه الافلام التي تعيد لنا روح الرومانسية إلى السينما الاميركية. لا ننسى تلك البصمات الأنثوية التي تركتها المخرجة فاليري فارس على أجواء هذا الفيلم، أجواء مستمدة من خبرتها في سينما المهرجانات، بعد مشاركات ناجحة لها في مهرجان فينيسيا السينمائي، ومهرجان ريو السينمائي في العاصمة البرازيلية، وغيرها، كما يعمق رؤيتها الإخراجية احترافيتها في مجال التمثيل، حيث لمسنا تأثيرات ذلك في عديد المشاهد التي تجمع الغرائبية والكوميديا، حينما تظهر البطلة المفترضة في بيت الروائي، وقد أصبحت شخصية نابضة بالحياة وما تتمتع به من خفة ظل على الشاشة، وما تحمله من أفكار حول الحياة والحب وتحدي القوانين المستهلكة. “بريق روبي” فيلم جميل بكل المقاييس، كما يتمتع بصدق فني مدهش، فيه جماليات الصورة وحلاوة الحوار والأجواء، كما يجمع بين الذاكرة والدراما والخيال الفني الخصب، في المشاهد ثراء وعذوبة أوحت بها موسيقى نيك أورات ذات الروح العالية، كل شيء متناسق في هذا العمل بدءا من الماكياج الطبيعي، الى الملابس والديكورات، والاكسسوارات المنتقاة بعناية شديدة، الى احترافية الصورة المصقولة التي أضفت على البعد الرومانسي أجواء ساحرة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©