الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تفاصيل

1 نوفمبر 2012
سماء علي الصباحي * غُربتُ..نا كنت أقرأ عندما دقت الساعة.. الواحدة بعد منتصف الليل.. أنتبه: مرَّ عليّ وقت أخذ المُسّكن ـ الذي لم أعد أستطيع النوم بدونه ـ نصف ساعة.. لا أعرف لماذا تذكرت مشهداً في أحد المسلسلات التاريخية لامرأة تتأنق بشكل مبالغ فيه قبل أن تخلد للنوم، وحين سألتها إحدى وصيفاتها على استحياء عن سبب كل ذلك أجابت المرأة بثقة: ـ “حتى إذا جاءني فارس أحلامي في المنام أكون في استقباله على أكمل وجه”.. تخالجني نفس الفكرة.. وان اختلفت بكوني أعرف ملامح الفارس الذي أريد.. منذ متى لم التق بك؟! سأراك اليوم في منامي.. هكذا قررت.. أبعد المُسكن جانبا وأنهض.. أنتقي قميص نوم ليلكي، اللون الذي تحب أن تراه علي.. أتوجه لمرآتي وأسوي خصلات شعري بعناية.. أضع مكياجاً خفيفاً.. أختار عطراً مركّزاً وأمرره أسفل أذنيَّ نزولاً إلى رقبتي.. أشاهدني في المرآة لأتأكد من أن لا شيء ينقصني.. ولأتأكد أيضاً من أن جسدي التحم مع روح غادرت معك في يوم ما.. ولكني بحاجة ماسّة إليها اليوم لألتقيك.. “هل خانني جسدي عندما أحببتك؟! أم كنت سأعتبره كذلك ان لم يحببك؟!” أنفض هذا التساؤل واطفئ ضوء الغرفة.. أستلقي على ظهري.. أغمض عيني ببطء.. أتوسل النوم ليجيئني محملاً بك.. تمر الدقائق بطيئة خانقة.. أتقلب يمنة ويسرة من دون فائدة.. أتذكر الزمن الذي يفصل تحقيق آمالنا وإن كانت حتى في المنام.. أنتزع نفسي من أفكار أخرى بدأت تراودني.. اشعل الضوء الخافت قرب الكمودينو.. وأعود للقراءة.. لأصطدم بعبارة تقول “عجيب أمر هذا المخلوق المسمى بالانسان.. لديه طاقة عظيمة للتكيف مع الظروف.. يحسبها في البدء دائرة من ظلام يستحيل اختراقها، لكن سرعان ما يتلمس جدران هذه الظلمة حتى يتوسع بؤبؤا عينيه ليرى الحد الأدنى من الأشباح والشواخص التي سيتآلف معها..”. تخيلتك وأنت تتلمس ظلمة غربتك محاولاً التآلف معها.. وتخيلتني وأنا أتلمس ظلام غيابك علّني أتكيف مع غربة كنت أعيشها دون أن ادرك ذلك.. أمد يدي للمسكّن.. أبتلعه مع جرعة مرارة ملأت جوفي.. وأهجع دون أحلام كالعادة وجْها..نا أتعرفين أن الشبه بينك وبينه كبير جداً.. من يراكما يؤكد أن لابد من صلة دم تجمعكما.. لم تكن هذه ملاحظة (ليلى) فقط.. سمعتها كثيرا من قبل.. وقد كان مجرد سماعها يصيبني بالنشوة من أني فعلا وصلت إليك.. فجأة يحضرني كلامك: “أشعر أننا صرنا كياناً واحداً.. وأني ذرة في جسدك.. ونبضة في قلبك..” ابتسم بمرارة.. فكيف بعد هذا لا نتشابه؟! وكيف لا تتماهى وجوهنا؟! أتساءل: ترى كيف أصبحت ملامحك الآن؟؟ لابد وأنها مازالت تشبهني.. فالحزن يخلق تشابهاً أيضاً.. وأظنك مثلي.. تائه.. ولكن في الذكريات.. فالبعد ـ على الأقل ـ أبعدك عن المكان.. وعن التفاصيل.. عمرُ..نا البيت ممتلئ بالضيوف اليوم.. أقارب.. وأصدقاء.. فالمناسبات الاجتماعية والعائلية لا تنتهي حتى وإن انقضى عمرنا.. تفاجأت إحدى قريباتي عندما رأتني.. كان قد مضى حوالي العامين منذ أن رأيتها آخر مرة.. ـ تصدقين! لم أعرفك للوهلة الأولى! تبدين أكبر بكثير منذ آخر مرة رأيتك فيها! لم أجد غير الابتسامة لأرد عليها.. كان يقال لنا “ان الابتسامة في وجوه الناس صدقة فلا تحرموهم منها..” لكنها في زمننا هذا صدقة لأنفسنا.. حتى نستطيع الاستمرار فيما وجدنا أنفسنا فيه.. “لا شيء يأخذ من العمر مثل الحزن..” “ووحدها القبل بإمكانها أن تعيد إليك عمراً أفلت منك..” فأين هي القُبل لتعيد إلينا العمر الذي أخذه وسيأخذه الحزن؟! تستحضرني قبلتنا الأولى.. أو.. ولادتنا الأولى.. تلاشينا عما حولنا وذبنا في عناق طويل.. مررنا في تلك اللحظات بعمرنا الذي نعيشه الآن.. كنت وأنا أذوب فيك أبثك خوفي.. وحبي.. قلقي.. وثقتي.. ضعفي.. وقوتي.. هيجاني.. وهدوئي.. كنت أستحثك من دون كلمة.. أن تضمني أكثر.. وأن تذوب فيّ أكثر.. يومها كل شيء فيّ عقد اتفاقه مع كل شيء فيك.. بدون أن نتلفظ بحرف واحد.. وعندما تركنا بعضنا لم أكن أنا أنا.. ولم تعد أنت أنت.. ليتنا بقينا قطرات عشقية.. ربما ما كبرت في عيني قريبتي.. ولا تخبطت في اللامكان بحثا عنك.. ولا غبت أنت في اللازمان.. وتهت في بؤرته حالكة السواد.. أستعيد همسك لي: ـ “لا أتخيل العيش بدونك” وهيجان عيني المصوبتين إليك يقول: ـ “وأنا لا أتخيل أي شيء دونك” وها أنت تعيش بدوني.. وأعيش دونك.. ولكن بقلوب لا تنبض... * قاصة يمنية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©