الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طريق شاق قبل الاســترخـاء

طريق شاق قبل الاســترخـاء
1 نوفمبر 2012
لا تقتصر متطلبات سائق فورمولا-1 على التباري في السباقات العشرين التي تجري كل موسم، بل تتعداها إلى أشياء أخرى. جنسن باتون، بطل العالم عام 2009 يُخبر جاري ميناجان كيف أنه يتعاطى مع الحياة وكأنها حلبة سباق من نوع آخر. في وسط المحيط الهادي، وعلى بعد ما لا يقل عن 4800 كيلومتر من أقرب يابسة، وعلى الرمال البيضاء لشواطئ جزر هاواي الفردوسية، وجد جنسون باتون ضالته المثالية لقضاء عطلة تعزله عن العالم الخارجي، وتُذيب التعب الذي تراكم في جسمه خلال الجولات المتتالية التي خاضها ضمن بطولة الفورمولا - 1. هنالك اختار المتسابق الإنجليزي باتون أن يسترخي ويرتاح. يعترف أن الخروج من جو السباق والمنافسات هو أمر شاق على نفسه. وخلال استراحة هذا الموسم التي دامت طوال شهر أغسطس، وبينما كان فيرناندو ألونسو يتمتع بقفزاته وشقلباته في مياه البحر الأبيض المتوسط، ولويس هاميلتون يتسلق الصخور في أحد المرتفعات الأميركية، كان باتون قد أكمل الشطر الأول من سباق الرجل الحديدي، وهو تحد يشمل قيادة الدراجة لمسافة 90 كيلومتراً، فالجري مسافة 21,1 كيلومتر، ثم السباحة مسافة 1,9 كيلومتر. ويروي باتون حكاية عطلته لجريدة “ذا ناشونال”، فيقول “كان ذلك الشيء الأكثر جنوناً الذي فعلته طوال حياتي. كان الجو حاراً جداً وكان السباق مرهقاً للذهن”. ويضيف “بعد خوضي سباق الشطر الأول من الرجل الحديدي، لم أعُد مُطالباً بالتدرب مدة أسبوعين. ولذلك وجدت الفرصة مناسبة للذهاب إلى هاواي والاستلقاء على الشاطئ دون فعل أي شيء ما عدا الاسترخاء ومحاولة تهدئة أعصابي. وقد وجدت الأمر جنونياً نظراً لأنني لم أتعود قط على فعل أشياء كهذه. صحيح أنني قضيت وقتاً ممتعاً، لكنني وجدت صعوبة بالغة في الخلود للراحة والاسترخاء”. وبعد مرور أسبوعين، وشعوره بأنه استراح بما فيه الكفاية، واستعاد صفاء ذهنه ولياقة بدنه، شارك باتون في سباق ترياثلون خيري بدأه بالسباحة ثم ركوب الدراجات، وأنهاه بالجري. شغفه اللامحدود بالتمارين الرياضية ليس هو الشيء الوحيد الذي يمنعه من الاسترخاء. بل إن سائق ماكلارين-مرسيدس وجد من حيث لا يدري أن حياة الفورمولا - 1 طغت عليه وأصبحت كنسمات الهواء التي يتنفسها كل يوم، والتي لا تستقيم حياته دونها. أول شيء يقوم به عند عودته إلى شقته بموناكو عقب نهاية أسبوع الجائزة الكبرى هو مشاهدة تسجيل السباق، ثم تقييم أدائه وتحليله. وقد كشف في شهر سبتمبر الماضي في وقت كانت الإشاعات حول مستقبل رفيقه في الفريق هاميلتون قد بلغت أوجها، أنه يقرأ الصفحات التي تتابع أخبار متسابقي الفورمولا - 1 وتتداول الإشاعات المنشورة حولهم في الجرائد وعلى الإنترنت. ويقول باتون إنه ليس لديه أية مؤاخذات على الأشياء التي كُتبت عنه. ويضيف مازحاً “حتى أكون صادقاً معك، كل القصص التي نُشرت كانت حقيقية”. لكنه يعترف أنه يصعب على المرء أن يفك الارتباط بما يُثار حوله حينما يكون مركز الاهتمام على نحو مطرد ومتواصل. فالسائق الإنجليزي البالغ من العمر 32 سنة بدأ مشواره الرياضي ومشاركاته في سباق السيارات منذ سنة 2000، ما يعني أنه قضى أكثر من ثُلُث حياته تحت الأضواء. فمطاردته من قبل مصوري المشاهير (باباراتزي) جنوبي فرنسا، وتربص المصورين به لالتقاط صور له حيثما حل وارتحل في لندن جعله يكشف صراحة أنه يعاني من كثرة التطفل على حياته وخصوصيته. ويقول “دائماً أتساءل مع نفسي مستغرباً: كيف يعرفون بحق السماء مكان وجودي؟” ويضيف “هذا هو الجزء المخيف في حياة المشاهير. فالحياة الخاصة تُصبح صعبة ومعقدة بسبب مصوري الباباراتزي. فأنت تفترض أن عدساتهم يجب أن تبتعد عنك بعد مغادرتك حلبة السباق. لكنك تجدهم يلاحقونك في كل مكان، فقد تجدهم يصورونك أثناء استرخائك في شرفة البيت، أو خلال تنزهك مع صديقتك، أو خلال تناولك وجبة في مطعم ما. وهذا شيء غريب لا أعتقد أن أي شخص يملك القدرة على التعود عليه أو التطبع معه”. وخلافاً لمشاهير آخرين، يقول باتون إنه يُثمن العلاقة التي تجمعه بالإعلاميين، ويرى أنها علاقة صحية في كلا الاتجاهين. وربما يكون ذلك سبب شعبيته لدى الصحفيين، فهم ينظرون إليه في منطقة تحضير السيارات للسباق باعتباره أحد أكثر نجوم بطولة الفورمولا - 1 الحديثة لُطفاً ولباقة وتفاعلاً. ويقول باتون “لست مغنياً ولا ممثلاً. ولست أحد أولئك الأشخاص الذين يحتاجون إلى التصوير، أو تعزيز صورتهم لدى الجمهور من أجل تحقيق عوائد أكبر من بيع الأغاني أو الأفلام”. ويضيف “الوضع مختلف. فأنا رياضي. لكن شاءت الأقدار أن تكون هذه الرياضة رفيعة المستوى. وإذا لم يكن الإعلام بجانبنا، فما كنا سنجد رعاة وممولين، وما كانت هذه الرياضة لتوجد لولاهم. ولذلك فإن على كل رياضي أن يتقبل متابعة أخباره من الصحفيين”. ولا ينطبق حال باتون من حيث شغفه بحلبة السباق على جميع سائقي الفورمولا - 1. فالسائق كيمي رايكونن أخبر “ذا ناشونال” ذات مرة أنه إذا لم يكن سائق سيارات سباق، فما كان ليذهب أبداً إلى حلبة سباق. وقد يتقبل باتون رأي سائق فريق لوتس، لكن سياقة سيارات السباق هو أكثر شيء أحبه منذ أن أخذه أبوه أول مرة في فترة يفاعته لتلقي حصة تدريبية في سباق السيارات. وهو شعور لا يزال يُخالجه إلى الآن. ولكن سائق فورمولا-1 في السنوات الأخيرة صار مُطالباً بأشياء كثيرة لا تنتهي بمجرد انتهاء السباق على الحلبة، بل قد تبدأ بعد مغادرتها. ويكون جدول عمل كل سائق في الغالب غاصاً بأنشطة من قبيل تقديم مشورات فنية، وتنفيذ التزامات الرعاة، وإجراء مقابلات صحفية، وحضور حصص التصوير الترويجية. ويتقلص الوقت الذي يقضيه باتون خلف مقود سيارته تدريجياً بعد كل موسم. خلال أول سنة التحق فيها بفريق ويليامز، خضع باتون لعدد كبير من الاختبارات من داخل سيارة السباق وصل إلى 56 اختبار. أما في هذا العام، فقد اكتفى بستة اختبارات. وعندما ظفر بلقب بطولة العالم عام 2009 مع فريق براون جي بي، قال إنه لم يخصص للعلاقات العامة سوى خمسة أيام. وحينما التحق بفريق ماكلارين في العام التالي، طُلب منه تخصيص ما بين 45 إلى 50 يوماً للعلاقات العامة، إضافة إلى تخصيص أيام عديدة أخرى في تقديم شروح وخلاصات فنية. ويقول باتون “أُفضل أن أقضي 45 يوماً في إجراء الاختبارات على قضائها في أنشطة العلاقات العامة”. ويضيف “أود أن أكون في الفورمولا-1 لأنني أرغب في سياقة سيارة سباق الفورمولا-1. وعلى الرغم من أن أيام الاختبارات تتطلب بذل جهد بدني أكبر، إلا أنها تبقى أقل إرهاقاً من أيام ممارسة العلاقات العامة”. وعندما اقترب موعد انتهاء عقد باتون في الموسم الماضي، ركز في المفاوضات التي أجراها على ضرورة تقليل الأعباء التي تستهلك كثيراً من وقته بسبب هذه الالتزامات والأنشطة. وقال “كان ذلك أهم شرط لي للبقاء مع فريق ماكلارين” الذي يتخذ من مدينة ووكين مقراً له. كان باتون يعي تماماً مكانة فريقه، لكنه شعر أن الإرهاق الذي تتسبب به أنشطة العلاقات العامة بدأ ينال من جودة أدائه على حلبة السباق، ويؤثر سلباً على مساره الرياضي. ويقول باتون في هذا الصدد “فريق ماكلارين يركز أكثر على العلاقات العامة وطلبات الرعاية والتمويل أكثر من أي فريق آخر. ولكنه يقوم بذلك حفاظاً على وفاء الرعاة الكبار الذين يمولوننا”. ويُضيف “نحن لسنا جهة صانعة. ولذلك فنحن نحتاج إلى رُعاة كبار وكُثُر. نحتاج إلى أموال كثيرة، ومن ثم فإن حاجة الفريق إلى حيز أكبر من وقت السائقين يبقى أمراً مبرراً. ومع ذلك يجب إيجاد حل توافقي حتى لا تؤثر هذه الالتزامات على لياقتنا ومستوى أدائنا. ففي السنة الماضية، وضعت إدارة الفريق كامل ثقلها على العلاقات العامة، وشعرنا نحن السائقين أننا متعبين جداً عندما أمسك كل واحد منا بمقود سيارته”. ويُردف “لم نَحْظَ بقسط كاف من الراحة. وكنا نستقطع فترة التدريب من وقتنا الخاص. ولذلك ألححنا على ضرورة تغيير سير الأمور. ويبدو الوضع الآن أفضل من السابق بكثير”. يشعر باتون أن الأمور عادت إلى نصابها. فقد أصبح يجد الوقت للتدرب والقيام بكثير من الأشياء. وأضحى جدول أعماله يشمل الآن تناول الفطور بعد الاستيقاظ في الصباح الباكر، ثم قضاء ثلاث ساعات في قيادة الدراجة. وعند عودته إلى المنزل، يأخذ حماماً سريعاً ويتناول وجبة الغذاء، ثم يقضي ساعتين في بعث الرسائل الإلكترونية وأداء بعض المهام ذات الصلة بالتزاماته مع الفريق. وفي المساء، يتناول وجبة عشائه، ثم يقضي بقية الوقت في الجري أو السباحة، قبل التوجه إلى صالة رياضية لإطالة عضلاته أو ممارسة اليوجا. ويقول باتون “صحيح أن جدول عملي اليومي يضم أنشطة مكثفة، لكن الرياضة هي في الأصل جزء كبير من حياتي، ولذلك أستمتع كثيراً بما أقوم به”. لكنه يضيف “لا أجد الوقت للجلوس أمام شاشة التلفاز في كل الأيام. وإذا حدث أن سمح وقتي بذلك، فإنني أشعر فوراً أنه يتعين علي القيام بشيء آخر”. لا يفصل يوم سباقَ جائزة الاتحاد للطيران الكبرى عن نهاية الموسم الحالي 2012 إلا ثلاثةُ أسابيع. وبخلاف معظم من يسافرون للمشاركة في 20 سباقاً في 19 بلداً خلال تسعة أشهر، ليس لباتون أية نية للاسترخاء والتقاط الأنفاس. فهو يعلم أن سباق ترياثلون أبوظبي يُعقد في شهر مارس. ويرى أنه يُقدم للفائزين به جوائز مالية مغرية، ويعتقد أن كل عشاق الترياثلون سيكونون قد سمعوا عنه. لكنه يقول إنه لولا تزامنه مع اقتراب بداية موسم الفورمولا-1، لما تردد لحظة في المشاركة فيه. ولكن باتون سيستدرك الأمر في شهر ديسمبر، حيث ينوي المشاركة في ماراثون آخر. أين ذلك؟ في مجموعة جُزر متناثرة وسط المحيط الهادي تبعد عن أقرب يابسة بما لا يقل عن 4800 كيلومتر. فقد أدرج باتون مسبقاً خطة فك الارتباط الإجباري مسبقاً في جدول نشاطاته السنوية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©