السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

هل يصنع محمدوف جناحين للسلحفاة ؟

23 مارس 2007 01:25
عشق آباد - الاتحاد : إنها ترسانة الغاز في آسيا الوسطى· الأنابيب تنطلق من تركمانستان في كل الاتجاهات· لكن الرئيس الراحل ''صابر مراد نيازوف'' وضع يده على الزمن أيضاً· الآن رئيس آخر هو ''قربان جولي بردي محمدوف'' الذي يتمنى عليه أحد صحافيي المنفى أن يصنع جناحين للسلحفاة· ''محمدوف'' وعد بإصلاحات، وبكسر العزلة، وتعميم الانترنت، لكن الكثيرين يخشون من أن يكون نسخة عن سلفه في بلد ''يعاني'' من فائض الثروة· في الوقت نفسه يعاني من فائض الفقر·· هذا ما يحاول التقرير إلقاء الضوء عليه: خيال لتشغيل الزمن يقول أحد معلقي ''الفايننشال تايمز'' إنه لا يكفي أن تستورد تركمانستان سراويل الجينز والكوكاكولا، فهي لابد أن تستورد كميات كافية من الخيال لتشغيل الزمن بصورة أفضل، فقد يكون لدى التركمانستاني شيء من الحلم باقتصاد مجنّح، على غرار ما يحدث في الخليج العربي، وأحد أبناء تركمانستان الذي اختار المنفى في اسطنبول يتحدث عن المدن الخليجية بانبهار، ليقارن بينها وبين ''عشق آباد'' و''كارجو'' وغيرها من مدن البلاد التي تتطوّر على نحو بطيء، بل وبطيء جداً·· ''رستم اسماعيلوف'' يقول: إن ''صابر مراد نيازوف''، الرئيس الراحل، كان يوزّع الهدايا على التركمانستانيين· بالطبع، كان يغضّ الطرف عن انتشار الأفيون القادم من الجوار على نحو مأساوي، لكنه كان يأمر رجال الشرطة بالتشدّد في ملاحقة الخيال· و''اسماعيل'' يشير إلى أنه أوقف لمدة أحد عشر شهراً لأنه أصدر مع أصدقاء صحيفة أسبوعية تحاول أن تطلّ على العالم من خلال بعض اللمسات السياسية لا أكثر ولا أقل·· رئيس جديد·· قديم التهمة كانت -ويا للغرابة- محاولة تفجير أحد تماثيل ''تركمان باشي''، أي أبي التركمان، في العاصمة، مع ان ''اسماعيلوف'' الذي كان أستاذاً جامعياً، والآن يعمل في إحدى الشركات التركية، لم يشاهد المتفجرات في حياته· الطريف أكثر أن ضابط الشرطة استند إلى خبر نُشر في الصحيفة حول محاولة تفجير تمثال نصفي للزعيم الكوبي ''فيدل كاسترو'' في إحدى ضواحي هافانا· الآن، الرئيس هو ''قربان جولي بردي محمدوف'' الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الصحة، صورة مطابقة إلى حدّ بعيد للرئيس الذي رحل منذ أشهر· كما في أي جمهورية من جمهوريات العالم الثالث التي يعمل فيها الزمن (السياسي والاقتصادي على السواء) بالفحم الحجري، انتخب ''محمدوف'' بغالبية 95,5 في المائة من الأصوات· لا مشكلة لو فاز بـ 105 في المائة، فالمرشحون الخمسة الآخرون ينتمون إلى الحزب نفسه، وهو الحزب الديمقراطي· إنه الحزب الوحيد في تركمانستان، وقد أنشأه ''نيازوف'' في عام ،1991 وكل ما فعله، وهو السكرتير السابق للحزب الشيوعي في بلاده، أنه استعاض عن اللون الأحمر في كتابة النصوص باللون الأزرق· بعبارة أخرى يقول المثقفون القلائل في عشق آباد إن ما حصل هو تغيير ملابس الحزب الشيوعي، يحلمون بألاّ يحلّ تمثال محلّ التمثال، ولكن ما العمل ؟ الاختناق الجغرافي خمسة ملايين شخص فوق مساحة 488100 كيلومتر مربع· صحيح أن جمهورية آسيا الوسطى تعيش نوعاً من الاختناق الجغرافي لبُعدها عن الثغور البحرية، لكن الناس توارثوا خرافات مذهلة عن أحصنة آبائهم التي كانت تنطلق بسرعة الريح· لماذا لا ينطلق الاقتصاد هكذا ؟· ''وول ستريت جورنال'' تحدثت عن تركمانستان على أنها ''ترسانة الغاز في آسيا الوسطى''· من زمان لفتت انتباه الولايات المتحدة التي قامت، أساساً، بتصنيع حركة ''طالبان'' لحراسة أنابيب الغاز التي تمرّ عبر أفغانستان (طول الحدود بينها 744 كيلومتراً) باتجاه بلوشستان في باكستان، ومنها إلى المحيط الهندي· ولكن لنتذكر أن تركمانستان تشاطئ بحر قزوين الذي يُحكى عن مخزونه النفطي· بالطبع، هناك مَن أطلق من سنوات أرقاماً مذهلة، لكن التوقعات ما لبثت أن انخفضت· في كل الأحوال هناك ثروة ولتركمانستان حصة فيها تضاف إلى مخزونها الداخلي الذي يقدّر بما بين 500 و6500 مليون طن·· ربع كائن بشري ورغم ذلك فإنّ الدخل الفردي في تركمانستان لا يزال منخفضاً للغاية· يقول ''اسماعيلوف'': ''لقد صنع ''نيازوف'' من التركمانستاني شيئاً ما يشبه ربع الكائن البشري أو أقل، متوخياً القول: إن الدخل الفردي يصلح فقط لهذا النموذج حتى أن مستوى التعليم تدنّى على شكل مروع بعدما خفض سنوات الدراسة من 10 إلى ،9 ولعل الأكثر إثارة هو أنه فرض الكتاب الذي ألّفه (بعنوان: الرخمانا) على الجامعات، إذ باستطاعة الطالب أن يجد فيه كل شيء على الإطلاق، من طريقة الزواج وحتى اختراع مركبة فضائية للهبوط على سطح المريخ ودون أي معادلات فيزيائية· كيف ؟ الله أعلم· لكن الرجل الذي نشر تماثيله وصوره في أرجاء البلاد، على أنها تماثيل مقدّسة -سيما ذاك الذي صُنع من الذهب الخالص ويدور مع دوران الشمس- فرض على الفنادق والمستشفيات والمطاعم بث فقرات من كتابه الذي أرغم حتى السياح على قراءته، إذ أن مَن يقرأه ثلاث مرات في اليوم يدخل الجنّة· تلك اللحظة السوفيتية الطويلة والكئيبة لا تزال هناك· يضحك الناس همساً وهم يتحدثون عن نوع معيّن من مسحوق الغسيل الذي يتولى تنظيف الرؤوس من آثار ''فلاديمير ايليتش لينين'' و''صابر مراد نيازوف''·· أبناء عمومتهم الأتراك التركمانستيون الذين قلّدوا أبناء عمومتهم الأتراك، واعتمدوا الحرف اللاتيني يتمنون لو يغسلون كل ذلك الماضي الذي بدأ مع الغزو الروسي في عام ·1860 ''محمدوف'' وعدهم بإصلاحات اقتصادية، وبتطوير التعليم، وبتعميم الانترنت التي كانت تقتصر على المؤسسات الرسمية والإعلام الرسمي بطبيعة الحال، مع تشجيع القطاع الخاص، وكسر العزلة التي تعيشها تركمانستان التي تتمتع بموقع جيو - ستراتيجي لا بأس به، فهي تتاخم اوزبكستان، وكازاخستان، وإيران وأفغانستان، وإن كان أهمّ ما فعله ''نيازوف'' هو أنه أقام نوعاً من التوازن بين واشنطن وموسكو في بلاده، بعدما أدرك أنه لا يستطيع أن يكون في حال مواجهة مع روسيا·· كيف ينفخ ''محمدوف'' الاقتصاد بالغاز الذي يشكل المورد الاقتصادي الرئيسي فيما الأنابيب تذهب في كل الاتجاهات ليستقر الغاز التركمانستاني في اليابان وأوروبا والصين وغيرها· لا توازن البتة بين الموارد الطبيعية وحياة الناس، إذ أن متوسط الأجر الشهري هو 59 دولاراً· ثمّة صحافي تركمانستاني يعيش، بدوره، في اسطنبول· هو ''أصلان عبدالرحمنوف''· خاطب رئيس بلاده عبر إحدى الشاشات: ''من فضلك أيها السيد محمدوف اصنع جناحين للسلحفاة''· ''محمدوف'' يعد، بالطبع لا يمكن أن يكون ''تركمان باشي'' آخر، ولكن عليه أن يدرك أن الماضي هو الماضي· في خطابه قال: ''معاً إلى المستقبل''· لا أحد يطلب منه أن يعد الناس بالجنّة على طريقة ''نيازوف''، ولكن هناك خوفاً حقيقياً من أن يكرّس الرئيس الجديد فلسفة الرئيس الراحل· المشكلة هنا: هل تصبّ الأنابيب في جيوب الناس ؟ أورينت برس
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©