الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سياسة عزل غزة... نتائج عكسية

سياسة عزل غزة... نتائج عكسية
1 نوفمبر 2012
عندما قام أمير قطر بأول زيارة لرئيس دولة إلى قطاع غزة التي تسيطر عليها "حماس" خلال الأسبوع الماضي ردت وزارة الخارجية الإسرائيلية بطريقتين مختلفتين، ففي أحد البيانات اتهم "يجال بالمور"، المتحدث باسم الوزارة، أمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، بتقديم الدعم والمساندة لمنظمة إرهابية، "وإلقاء السلام تحت عجلات الحافلة"، لكن متحدثاً آخر باسم نفس الوزارة تكلم باللغة العربية إلى إذاعة "سوا" الأميركية التي تبث في الشرق الأوسط رحب بالزيارة القطرية إلى قطاع غزة وبالدعم المالي الذي تعهدت به إلى سكانه. وفي إشارة إلى الانسحاب الإسرائيلي من القطاع في 2005 أوضح المتحدث أنه "منذ انسحابنا من القطاع كان الهدف هو رؤية الدول العربية تأتي لتساعد سكان القطاع". والحقيقة أن هذا التضارب في التصريحات هو دليل على تفكك السياسة الإسرائيلية تجاه قطاع غزة التي تم اعتمادها منذ صعود حماس في القطاع وسيطرتها على السلطة في 2007، لا سيما وأن المنظمة الإسلامية مدرجة تحت خانة الإرهاب من قبل إسرائيل والولايات المتحدة. وفي هذا الإطار، قامت السياسة الإسرائيلية على عزل قطاع غزة ومنع دخول الإمدادات عبر المنافذ الحدودية، بالإضافة إلى تضييق حركة التنقل من وإلى القطاع، وتحريض المجتمع الدولي على مقاطعة حكومة "حماس"، وفي غضون ذلك كانت هذه السياسة التي دعمتها واشنطن تمشي جنباً إلى جنب مع تحركات أخرى في الضفة الغربية تسعى إلى تعزيز السلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها فتح بقيادة الرئيس محمود عباس من خلال فتح الباب أمام النمو الاقتصادي وتدفق المساعدات المالية. والهدف بالطبع كان التضييق ما أمكن على "حماس" من خلال فرض الحصار الخانق على غزة وإغراقها في دوامة التقشف، في حين تقوية محمود عباس عبر تحسين الظروف المعيشية في الضفة الغربية. بيد أن السياسة الإسرائيلية سرعان ما أتت بنتائج عكسية، حيث نجحت "حماس" في حشد التأييد والتعاطف المحلي من خلال تغذية الشعور المشترك بالحصار، كما أطبقت سيطرتها الاقتصادية على القطاع من خلال فرض ضرائب على البضائع المهربة عبر الأنفاق من مصر. وفي عام 2010 عندما قاد "كوماندوس" إسرائيلي هجوماً على سفينة تركية كانت تستعد لخرق الحصار وتقديم مساعدات لأهالي غزة خفت المراقبة الإسرائيلية على الشحنات والإمدادات على إثر الجدل العالمي الذي تسبب فيه الهجوم الإسرائيلي والإدانات الدولية التي تلته، وكانت ثالثة الأثافي التغيرات الأخيرة في الشرق الأوسط وصعود حركات الإسلام السياسي في مصر وباقي بلدان "الربيع العربي" ما أعطى فرصة الانفتاح الدبلوماسي على "حماس". وليس أدل على ذلك من الجولة التي حملت خلال السنة الجارية رئيس حكومة "حماس"، إسماعيل هنية، إلى كل من مصر وتونس وتركيا والبحرين وقطر والكويت ثم إيران، هذا في الوقت الذي اتجهت فيه مصر إلى تخفيف القيود المفروضة على الحدود مع القطاع والسماح بحركة تنقل أوسع للفلسطينيين عبر الحدود. وأخيراً جاءت الزيارة التي قام بها أمير قطر إلى غزة والتي استُقبل خلالها استقبالاً رسمياً مع عزف النشيد الوطني للبلدين لتشكل، حسب تعبير هنية نفسه، "نهاية الحصار السياسي والاقتصادي" ، كما أن تعهد قطر بتقديم 400 مليون دولار من الاستثمارات في مشاريع إعادة الإعمار وترميم الطرق-والتي تجاوزت بكثير المساعدات الدولية المقدمة للقطاع-يتناقض تماماً مع الضائقة المالية التي تعيشها حالياً السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وعجزها عن سداد رواتب آلاف الموظفين الحكوميين، وذلك كله وسط تعهدات مصرية بتمرير مواد البناء الضرورية لمشاريع التنمية القطرية في القطاع عبر معبر رفح الحدودي، عقب تلميحات سابقة بأن المعبر قد يُفتح بانتظام أمام حركة البضائع التجارية. هذا التطور يمثل على حد قول "نثال ثرال"، المحلل بمجموعة الأزمات الدولية "بداية انهيار نموذج الضفة الغربية أولاً، وإن كان علينا الانتظار لرؤية ما إذا كانت مصر ستذهب في هذا الاتجاه". وفي نفس السياق يقول "مخيمر أبو سعدة"، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر بغزة إن فرضية عزل القطاع وحكامها سقطت سقوطاً مدوياً، مشيراً إلى أن "سياسة عزل حماس وإضعافها من خلال العقوبات والحصار فشلت بشكل مخز، كما أن النموذج الذي سعت الولايات المتحدة وأوروبا إلى إقامته في الضفة الغربية لم يقد إلى النتائج المرجوة في ظل توسع الاستيطان الإسرائيلي ووصول عملية السلام إلى طريق مسدود". وبالطبع كان لهذا الواقع الجديد دور في حث المعلقين الإسرائيليين لحكومتهم على إعادة تقييم الموقف، وفي هذا الصدد دعا "جيورا إيلاند"، الجنرال الإسرائيلي السابق الذي أشرف على عملية الانسحاب من غزة إلى نقل التركيز من محاولة إضعاف حماس إلى الانشغال بالقضايا الأمنية مثل وقف سقوط الصواريخ على البلدات الإسرائيلية. وكتب الجنرال الإسرائيلي في صحيفة "يديعوت أحرنوت" أنه "من مصلحة إسرائيل أن تشبه غزة ما أمكن ذلك دولة بحكومة مستقرة لأنها الطريقة الوحيدة كي نتوافر على عنوان واحد نقصده سواء للردع، أو التحدث في القضايا الأمنية". ويضيف "إيلاند" أيضاً أنه "من مصلحة إسرائيل تحقق النمو الاقتصادي في غزة من النوع الذي جلبه أمير قطر، لأن الدعم يخلق تنمية من الصعب على أي حكومة المجازفة بتدميرها وبالتالي ستكون أكثر اعتدلاً وحذراً"، بل الأكثر من ذلك حث "يوسي ألبر"، المحلل الإسرائيلي بمركز "يافي: للدراسات الاستراتيجية بتل أبيب إسرائيل "بالاعتراف بأن" حماس" هي من تقود غزة، وبأننا لن نغير هذا الأمر". ويتابع "ألبر" أن المطالب التي طالما أصرت عليها الولايات المتحدة والوسطاء الدوليون بضرورة اعتراف "حماس" أولاً بإسرائيل ونبذ العنف كشرط أساسي لإقامة صلات دبلوماسية تجاوزتها الأحداث، "فما لدينا الآن"، يقول ألبر، "هو كيانان فلسطينيان منفصلان، ولا وجود لسلام مع كليهما لذا كل الشروط المفروضة غير ذات صلة، لأن السؤال الحقيقي اليوم هو هل نستطيع التوصل إلى صيغة ممكنة للتحاور مع الإسلام السياسي في المنطقة؟" جويل جرينبورج محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©