الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المريض النفسي هل يهرب من العلاج خشية «الفضيحة»؟

المريض النفسي هل يهرب من العلاج خشية «الفضيحة»؟
22 فبراير 2010 20:38
في بادئ الامر اعتقدت هيفاء أنَّ ذهابها الى الطبيب النفسي هو الحل المناسب لها للخلاص من الحالة النفسية التي عصفت بها في ليلة الدخلة. تبدأ هيفاء حديثها راجعة بشريط ذكرياتها إلى الوراء والدموع تترقرق في عينيها، لتقول: «كل فتاة في هذا اليوم تحلم أن تدخل القفص الزوجي وهي بأجمل حلة، لكن القدر كان لي ولزوجي بالمرصاد، فقد تلاشت أحلامي وبدلاً من الدخول إلى عالم السعادة والاستقرار رأيتني ألج عالم الحزن والألم والموت نتيجة تعرض زوجي لذبحة صدرية في يوم زفافه. تسترسل هيفاء في حديثها قائلة: «بعد سماعي الخبر، لم أستطع تمالك نفسي، شعرت بحالة هستيرية مصاحبة ببكاء وصراخ، ولم أفق إلا وأنا في حالة هلوسة ونحيب دائم، ليستمر الحال علي ذلك لعدة أيام دون توقف. تصمت هيفاء وتعاود بداية رحلتها مع العيادة النفسية فتقول: «خوفاً من كلام الناس، وجدت أسرتي بين رفض بعضهم وموافقة آخرين، أنَّ الذهاب إلى الطبيب النفسي هو الحل الأفضل لمشكلتي، وكان على كل ذلك أن يتم بشكل سري للغاية، خوفاً على سمعتي، إضافة إلى خشية أسرتي من هروب الُخطاب، أو العرسان، فيما لو عرف أحد أنني أتعالج في عيادة نفسية». أفكار مسبقة العيادة النفسية، أو قسم «الطب النفسي»، ثمة مسميات عديدة، لكن الهدف واحد هو علاج الشخص الذي يعاني صدمة نفسية ما إلى أن يصل إلى مرحلة الشفاء. وفي المقابل هناك صورة رسمتها الأفلام والمسلسلات تشير إلى أنَّ المريض النفسي غالباً ما يعالج بالصعق الكهربائي، تلك الصورة القاسية مازالت راسخة في أذهان الكثيرين، وقد ساهمت في رسم صورة مرعبة للطب النفسي، لا تتجاوز إطار مثيلتها لمريض مستلق بعد حقنة مهدئة، تحكي ماضيه ونظرات الطبيب تراقب حركاتها، لهذا ربما ما يزال أهل هيفاء وغيرهم من الأسر العربية عامة، والخليجية خاصة، يعتبرون الطب النفسي للمجانين وحسب». ترى لماذا الكثير منا يخجل من زيارة العيادة النفسية، هل لقناعة راسخة مؤداها أنَّ مراجع الطبيب النفسي إنسان مجنون، أم أنَّه مجرد الخوف من نظرات ومهاترات الناس. إن كان الخيار الأول صحيحاً فتلك مصيبة، أمَّا إذا كان الثاني فالمصيبة أعظم!! المعالجة بالضرب إن كانت هيفاء دخلت العيادة على مضض وإكراه، فإنَّ شهد حسين لها حكاية مماثلة، هي فتاة في العشرين من العمر، وفي سنتها الجامعية الأولى، لم تكن تظن يوماً أنَّ مصيرها سيكون غرفة الطبيب النفسي تتحدث عن تجربتها الخاصة، ومعاناتها وهي ترتجف من تلك الأيام التي عاشتها، تقول: «عندما كنت في السابعة عشرة من عمري ظهرت عليَّ عوارض الاكتئاب، ولم أكن أدرك ماهية عوارض المرض. تصمت شهد لفترة، ثمَّ تتابع بنبرة لا تخلو من غضب: «تفاقمت المشكلة إلى حد كبير، مما دفع بأهلي إلى عرضي على «معالج شعبي» يدعي المعرفة والقدرة على شفاء مثل هذه الأمراض، ولا يمكنني ما حييت أن أنسى المعاناة التي مررت بها، فقد قام المعالج بضربي بشدة، وبشكل مخيف علي كافة أنحاء جسمي الهزيل ،اعتقاداً منه بأنَّ جنياً يسكنني، وقد كان لذلك أثر كبير في تدهور حالتي، ولم ينقذني سوي ابن عمي الذي أصر على عرضي على طبيب نفسي في مدينة أخرى». تتنهد شهد من عمق الألم، لتتابع حديثها قائلة: «رغم رفض الأهل لكون الجميع سيقول عني مجنونة، فقد استطاع إبن عمي بعد محاولات مضنية من الاقناع والمجادلة، أخذي إلى إمارة أخرى بعيدة عن التي أسكن بها، لتتم معالجتي على يد أحد الأطباء النفسيين». صدمة عاطفية بدورها تروي لنا أم مريم قصة ابنتها التي دخلت العيادة النفسية، وتقول: «لقد تعرضت ابنتي لصدمة عاطفية عندما علمت أن الشاب الذي عقد قرانه عليها مرتبط بفتاة أخرى، وكان يعاشرها معاشرة الأزواج، لأنَّها مطلقة». تصمت أم مريم قليلاً قبل أن تضيف بانفعال: «من هول الصدمة، مرت ابنتي بحالة عصبية حادة، تمَّ إدخالها على أثرها إلى عيادة نفسية حيث مكثت فيها ما يقارب السنة حتى تعافت والحمد لله.? وفي بداية محاولات إدخالها إلى العيادة، كان هناك رفض كبير من قبل الأسرة، بالرغم في أنَّ الأمر كان سرياً للغاية، فقد عملنا على أن لا يعرف أحد أنَّ حالة ابنتي تتطلب العلاج في هذا المكان المثير للتساؤلات، فالجميع ينظر إلى هذا المكان بوصفه مخصصاً للمختلين عقلياً، ولكن عندما انكشف أمر علاج ابنتي أكدت للجميع، بعد تجربة أليمة، أنَّ هذه النظرة خاطئة، وأنَّ ليس كل من يدخل هذا المكان هو مجنون بالضرورة، بل ربَّما كان العكس صحيحاً». وتختم أم مريم شرح معاناتها بالقول: «من خلال معالجة ابنتي اكتشفت الكثير من الأمور التي كنت أجهلها عن الطب النفسي، وعن كونه العلاج المناسب لأي مريض يعاني من صدمة عاطفية، أو من وسواس قهري، أو من القلق». عقاقير مهدئة من جهته يبدي إسماعيل حسن أسفه لكون نسبة كبيرة من الناس ما زالت تنظر إلى العيادة النفسية والطبيب النفسي، نظرة ريبة وشكوك، ويرى أنَّ أصحاب هذه النظرة مرضى يحتاجون إلى الكثير من الجلسات العلاجية والعقاقير المهدئة للأعصاب. يسترسل إسماعيل، فيقول: «إنَّ خوف الأهل من أن توصف ابنتهم بالجنون هو الذي يدفعهم بالدرجة الأولى إلى عدم إلحاقها بقسم العلاج النفسي، في المقابل نجد انَّ نسبة الفتيات اللاتي بحاجة إلى العناية النفسية يزددن يوماً بعد يوم، فهنَّ الحلقة الأضعف بين أفراد الأسرة. لكن ما يود أن يلفت له إسماعيل، كما يقول: «لابدَّ من أن يعي الأهل أنَّ الطب النفسي ليس أدوية وإبراً تعطى للمريض النفسي ليتعالج، بل هو مكان يستطيع فيه المريض أن يتعافى بحسب المشكلة التي يعاني منها، والصورة التي تبلورت في أذهاننا من خلال المسلسلات والأفلام هي خاطئة، فالطبيب المعالج همه بالدرجة الأولى أن يشفي المريض مهما طالت جلسات علاجه». المريض عار في مقاربة علمية للظاهرة موضع النقاش، يقول استشاري الطب النفسي، الدكتور علي عطية: «المريض النفسي شبه متوقف عن ممارسة الحياة، وهو شخص حساس جداً يرى أكثر مما يراه الآخرون، وله القدرة على إيجاد علاقات بين أشياء لا يتمتع بها سواه من الأصحاء المفترضين، وهذه القدرة قد تكون مشكلته في بعض الأحيان. والتشخيص السليم له هو انه إنسان متوقف لفترة وسينطلق، ويحتاج فقط لمن يساعده على هذه الانطلاقة، بمجرد فك التشابكات النفسية التي تعرقل مسيرته في الحياة سيكون متاحاً أمامه أن يعاود انطلاقه». يوضح الدكتور عطية: «من الناحية النفسية يعتبر المرض النفسي نوعاً من النقص في نظر صاحبه، لذلك يسعى المريض النفسي بكل ما يملك إلى التستر على مرضه خشية أن يعلم الآخرون به، ويتفاوت هذا التستر من مجتمع لمجتمع، بل في داخل المجتمع نفسه، بين طبقة وأخرى، حيث يهمين على أبناء الطبقة الوسطى إحساس بكون المرض النفسي نوعاً من العار الذي يجدر بأصحابه أن يداروه ويحجبوه عن نظر الآخرين». نوعان من المرضى اعتماداً على معطيات التجربة يقول عطية: «نجد المريض النفسي يذهب للعيادة النفسية في إحدى حالتين: الأولى بعد أن يفشل علاجه عن طريق المشايخ، فيأتي إلى الطبيب النفسي حاصلاً على دعم من المحيطين به، والحالة الثانية عندما يكون يملك الفهم والوعي الكاملين بضرورة استشارة الطبيب النفسي، وهذا النوع يزداد الآن بصورة كبيرة دلالة على زيادة الوعي عند الناس. حيث يتراجع الإحساس بالخوف عند المريض من الطبيب النفسي عندما يجد نفسه في حال أفضل مما كان عليه، وأن عمله تحسن، وعلاقاته بالآخرين أصبحت ناجحة، وكأنه كان مصاباً بنزلة برد، ومنَّ الله عليه بالشفاء». لكن عطية يلفت إلى أمر في غاية الأهمية قائلاً: «لابد لأفراد المجتمع من النظر إلى أن ينظر إلي المريض النفسي على أنه بحاجة إلى الحنان والعطف، وليس اتهامه بالجنون، فهو يعاني من مرض مثل بقية الأمراض الأخرى التي يصاب بها الآخرون، ولا يعني مجرد دخول المرء إلى العيادة النفسية، أن الطبيب سيصف له كميات هائلة من العقاقير التي قد توصله إلى الإدمان كما يتصور البعض، فهذه الفكرة خاطئة، وكل مريض تختلف نسبة شفائه، وجلسات علاجه».
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©