الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الإصلاح السياسي المصري لا يرقى إلى التحول الديمقراطي

24 مارس 2007 01:46
القاهرة - محمد عزالعرب: لا يخلو مؤتمر أو برنامج أو كتاب في مصر من بند أو ملف عن التحول الديمقراطي، وكأن الديمقراطية أضحت معركة حياة أو موت· وبالرغم من أن الأفق السياسي تتبلور فيه ملامح ديمقراطية، فإنها ديمقراطية بلا ديمقراطيين· في المؤتمر السنوي للمركز الدولي للدراسات المستقبلية والإستراتيجية حول ''التحول الديمقراطي في مصر'' قال د· محمد عبد السلام، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية: ''إن هناك مؤشرات محددة بشأن حدوث تغير جوهري في توجهات النظام السياسي المصري، وخريطة القوى الفاعلة، وتشكيل البرلمان وإدارة العملية الانتخابية، ومستوى حرية التعبير، وطبيعة القضايا المثارة واهتمامات الرأي العام· والعملية السياسية ستصل في النهاية إلى تعديل الدستور وسيشهد النظام السياسي في مصر تغيرات متعلقة بقضايا رئيسية، كأسلوب انتخاب رئيس الدولة وصلاحياته والعلاقة بين السلطات الثلاث وأسلوب الإدارة المركزي لشؤون الدولة وسوف يؤدي ذلك إلى تغير قواعد اللعبة السياسية''· وطالب بوضع قواعد عامة حاكمة للتحول الديمقراطي في مصر حتى لا يثير احتمالات سيئة تتعلق بطبيعة الدولة المدنية أو تماسك المجتمع أو استقرار النظام السياسي، موضحاً أنه لا يوجد توافق عام حول المحددات المفترضة للتحول الديمقراطي المرغوب، لا سيما مع سيادة رؤية شديدة المحافظة تنحاز لاستقرار الدولة على حساب الطموح الديمقراطي، كما قال: ''إن التحولات الديمقراطية في المنطقة العربية أفرزت تدخلات خارجية واسعة، وتأثيرات حادة للعامل الديني، وحالات احتقان سياسي وعدم استقرار أمني، مع تأثر هياكل الدول، إضافة إلى تقلصات اجتماعية حادة، وعدم يقين بشأن المستقبل''· مطالباً بوضع ضمانات للتحول الديمقراطي على نحو لا يؤدي إلى سيناريوهات سيئة مثل القفز في الفراغ أو انتكاس التجربة الديمقراطية أو ترك المجال للانقلاب عليها ولابد من توافق نسبي حول قيم أو آليات أو مؤسسات معينة تضمن استمرار قوة الدولة والانتقال نحو وضع ديمقراطي أكثر تقدماً· موجات التحول قال د· بهجت قرني، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية بالقاهرة: ''إن إنجاز التحول الديمقراطي في مصر يتطلب ائتلافاً وطنياً من مختلف القوى السياسية والتيارات الفكرية لوضع معايير خاصة بتداول السلطة ونزاهة الانتخابات واستقلال القضاء وتدعيم المجتمع المدني وترسيخ الشفافية''· فيما قالت د· نيفين مسعد، وكيل معهد البحوث والدراسات العربية: ''إن ما تشهده مصر إصلاح سياسي وليس تحولاً ديمقراطياً فهناك محدودية في أثر التعديلات المؤسسية والدستورية والقانونية على هيكل نظام الحكم ونمط توزيع القوة داخل النظام المصري، وهناك تحديات تحول دون انتقال النظام المصري إلى الديمقراطية ومنها الاستمرار على حساب التغيير، وغياب الاتفاق على مرجعية الدولة وتسلطية الثقافة السياسية وتسييس القوى الأمنية والمعارضة الدينية للنظام وتعقيدات المتغير الخارجي· وذكرت أن التعديلات الدستورية المقترحة تنطوي على مزايا أهمها تخفيف الشروط التعجيزية للترشح لرئاسة الجمهورية، وتعزيز سلطة البرلمان في مناقشة الميزانية وسحب الثقة من الحكومة واعتماد قانون انتخابي جديد يضمن التمثيل السياسي للمرأة، لكن هذه التعديلات لم تمس مدة ولاية الرئيس واستحالة الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات وصياغة قانون دائم لمكافحة الإرهاب بالرغم من أن حالة الطوارىء تم تجديده لعامين تاليين''· وترى الدكتورة نيفين مسعد أن رفض التغيير في مصر باعتباره مرادفاً لشيوع الفوضى وتهديد الاستقرار يكمن وراء إفراغ التعديلات المؤسسية والتشريعية من مضمونها، واختزال الديمقراطية في الإصلاح السياسي واختزال الإصلاح السياسي في الإصلاح الدستوري واختزال الإصلاح الدستوري في أن يعدل النص الدستوري من الاستفتاء على مرشح وحيد لرئاسة الجمهورية إلى انتخاب من بين مرشحين متنافسين وهذا تحد حقيقي لجهود الإصلاح· وأكدت أن تسلطية الثقافة السياسية في مصر تتضح في الحالة الحزبية، حيث ينطلق كل حزب من الأحادية، كما أن الانشقاقات التي منيت بها الأحزاب السياسية من الحزب الوطني الحاكم إلى حزب ''الغد'' ناجمة عن صراع على السلطة وليس عن خلافات أيديولوجية أو عقدية وظاهرة المستقلين شاهد على ضعف الانتماء للحزب ومبادئه· وترى د· نيفين مسعد أن جماعة الأخوان المسلمين تشكل قوة المعارضة الرئيسة للنظام السياسي المصري، وهو وضع ثبت لها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وتكوينها قوام النقابات من صحافة ومحاماة وطب، والمعضلة هي في كيفية تحجيم بعض المخاطر المحيطة بدمج ''الإخوان'' في الحكم ضماناً لعدم انقلاب الإسلاميين على الديمقراطية فور وصولهم إلى السلطة ليحل حكم الفتوى محل حكم القانون· وأكدت أن التدخل الخارجي يعقد فرص تحقيق الديمقراطية في الداخل المصري، من خلال خلق حالة عامة من المقاومة أو الممانعة لتلك الديمقراطية، لأنها تأتي من الخارج أو تربط بين الدعم المادي لمصر، في صورة منح وتطبيق الديمقراطية من خلال المشروطية السياسية، بحيث انتقلت الكراهية للولايات المتحدة من كراهية لنخبتها إلى كراهية لنموذجها، ومن كراهية لسياساتها في العراق وأفغانستان إلى كراهية لسياساتها العالمية، ومن ثم فإن مصرية النموذج الديمقراطي هي الضمان الوحيد لمساندته شعبياً· وخلصت إلى أن الدولة والمجتمع المدني شريكان في إنجاز التحول الديمقراطي في مصر ودور أحدهما لا يلغي الآخر ولا يقوم مقامه وسيناريو الاحتفاظ بسقف للإصلاح السياسي من طرف النظام أو محاولة نقل تجارب الآخرين أو الماضي إلى الداخل من طرف بعض قوى المجتمع المدني هما السيناريوهان الأسوأ لأنهما قد يكونان مقدمة لعدم استقرار· العمر الافتراضي قال صلاح عيسى، رئيس تحرير جريدة القاهرة: ''إن ثورة يوليو رفعت شعار لا ديمقراطية سياسية بلا ديمقراطية اجتماعية، وتحول هذا الشعار في التطبيق إلى ديمقراطية اجتماعية بلا ديمقراطية سياسية، ومع تجمع عوامل محلية وإقليمية ودولية أدت للعدول عن هذه الصيغة بعد نكسة 1967 اعتمدت إدارة الرئيس الراحل أنور السادات صيغة انتهت في التطبيق إلى نفي طرفي المعادلة ورفع شعار الانفتاح في الاقتصاد والانغلاق النسبي في السياسة وهي الصيغة التي لا تزال قائمة إلى اليوم''· موضحاً أن الصيغة الديمقراطية القائمة في مصر منذ عام 1952 انتهى عمرها الافتراضي، وهناك ثلاثة اتجاهات للنموذج الديمقراطي البديل، الأول رحيل السلطة القائمة بأشخاصها وتنظيماتها ودستورها عبر عصيان مدني شامل ينتهي بإسقاطها لتحل محلها حكومة من القضاة لفترة انتقالية لا تزيد على عامين، تجرى خلالها انتخابات حرة لجمعية تأسيسية تقوم بوضع دستور جديد، والثاني يأتي التدرج في التحول الديمقراطي في إطار سقف زمني محدد، أما الثالث فيرى أن الدستور القائم صالح في مجمله ولا يتطلب إلا بعض تنقيحات وان جوهر المسألة الديمقراطية لا تكمن في البحث عن نموذج ديمقراطي جديد بل في تنقية التشريعات القائمة· ودعا صلاح عيسى إلى عقد اجتماعي مصري جديد للاتفاق على نظام ديمقراطي قائم على أن مصر دولة وطنية مستقلة وموحدة وتمثل داراً للمصريين الذين يتساوون في الحقوق والواجبات، وهي دولة ديمقراطية تقوم على التعددية السياسية والدينية ونظامها جمهوري برلماني، يضمن صيانة الأغلبية لحقوق الأقلية وتكفل الدولة حداً أدنى من العدالة الاجتماعية والأخذ بالعلمانية السياسية، بحيث لا تنحاز الدولة المصرية في تشريعاتها وتنظيمها ووظائفها لاتباع دين معين· أما الكاتب الصحافي مكرم محمد أحمد فقد طالب ببلورة مشروع شامل للتحول الديمقراطي في مصر، بإلغاء لجنة شؤون الأحزاب وضمان نزاهة الانتخابات واستقلال القضاء؛ لأن الفترة الماضية شهدت شكوى من الفساد واستمرار الوجوه نفسها وطول مدة الحكم وبطء عملية التغيير واتساع الفوارق الاجتماعية فسياسة الإصلاح القطاعي لم تعد مجدية· وأشار إلى أهمية تقنين قواعد اللعبة الديمقراطية بما يرفع عنها الهيمنة المنفردة للحزب الحاكم، ولا يغير العملية الديمقراطية كثيراً وجود قانون للإرهاب، يكون بديلاً لفرض حالة الطوارىء، واستمرار قانونها لأن الإرهاب خطر بالفعل شريطة التعريف الواضح والدقيق لجريمة الإرهاب حتى لو أدى الأمر إلى تعريفها عن طريق الحصر· وأكد أن صدقية العملية الانتخابية في مصر يتهددها الخطر بإلغاء الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات، داعياً إلى اعتبار تقارير محكمة النقض على طعون الانتخابات أحكاما نهائية يأخذ بها البرلمان، حتى يتوافر رادع قانوني يضمن الحد الأدنى من سلامة العملية الانتخابية، والسماح لمؤسسات المجتمع المدني بمراقبة الانتخابات وقبول الإشراف عليها من شخصيات عالمية خاصة أن هذه المعايير لم تعد تنتقص من سيادة الدولة· ودعا إلى الأخذ بالنظام الإيراني الذي يتمثل في وجود مصلحة النظام التي يتقدم لها المرشحون للانتخابات البرلمانية أو الرئاسية، بحيث يتم استبعاد المرشحون الذين لا ينتمون إلى الحوزة الدينية، ثم إطلاق حرية الانتخابات بدلاً من التدخل المباشر في كل مراحل العملية الانتخابية، كما حدث بعد المرحلة الأولى للانتخابات التشريعية لحصار نجاح ممثلي جماعة ''الأخوان'' في مصر، موضحاً أن هذا النظام يصلح لتحسين صورة العملية خاصة مع وجود نص في الدستور يمنع قيام أحزاب على أساس ديني· وأكد أن إشكالية الديمقراطية في مصر ستظل معلقة ما لم يتم حل وضع ''الإخوان المسلمين'' على الساحة السياسية، ومعالجة أزمة الثقة بين النظام الحاكم والجماعة وعلاقة القط بالفأر بينهما ولا يمكن معالجة المسألة بالمسلك الأمني وتوجيه اتهامات لعناصر من الجماعة بقلب نظام الحكم ومحاكمتهم أمام القضاء العسكري حتى لا تشهد مصر موجةً من التوتر والعنف، وإنما الأمر يقتضي منحهم فرصة لتأسيس حزب سياسي بدلاً من العمل الدعوى· ويرى د· رفعت السعيد، رئيس حزب التجمع المعارض أن الملمح الأبرز لما تشهده مصر الآن هو السكون لا حركة التحول الديمقراطي وفق سياسة القطرة قطرة التي جعلت 99 في المائة من الشعب المصري لا يصلون إلى البرلمان، بحيث غابت الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية، وسادت سياسة ''الطناش''، واعتبارات المحسوبية والوساطة وتفشي الفساد وانتشر التأسلم وهو ما يمثل عقبات كبيرة أمام التحول الديمقراطي· وقال منير فخري عبد النور، سكرتير عام حزب الوفد: ''إن التحول الديمقراطي في مصر يتطلب أجراء انتخابات نزيهة، ورفع الحصار عن الأحزاب السياسية والمؤسسات المدنية والجمعيات الأهلية والنقابات المهنية وتنشيط الاتحادات الطلابية وترسيخ ثقافة المواطنة، وهناك معوقات للتحول تتمثل في استمرار هيمنة الحزب الحاكم الأحادية على الحياة السياسية بما يبقي الوضع القائم على ما هو عليه خشية تصاعد الإخوان والمعارضة وهو ما يعرض الدولة المدنية للخطر''· وترى د· منى مكرم عبيد، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الاميركية أن التحديات الاجتماعية تقف عقبة رئيسية أمام التحول الديمقراطي في مصر، أولها الفقر حيث يقع 35 في المائة من المصريين تحت خط الفقر، وثانيها الأمية، حيث يعاني 28 مليون مصري الأمية وأصبحت مصر من أكثر دول الشرق الأوسط معاناة من هذا الشبح، وثالثها الطائفية ثم القبلية، حيث يسود الاهتمام الحكومي والرسمي بالقاهرة الكبرى والمحافظات القريبة ويغيب الاهتمام عن الصعيد· حجج متواصلة وقال د· عبد المنعم سعيد، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية: ''أن الإصلاح السياسي تأخر في مصر على مدار فترات مختلفة ولأسباب مختلفة بدعوى أن هناك حالة من التوتر الدولي تحتاج مراقبة سلوكيات القوى العظمى التي ربما تكون لديها نوايا استعمارية تجاهنا، كما جرى خلال الحرب الباردة، وأحياناً أخرى لأن هناك حالة من التوتر الإقليمي وأبرزها الصراع العربي الإسرائيلي مما يحتاج لتسوية الصراعات الدينية، ولأن هناك حالة من التوتر الداخلي بسبب الفقر أو الإرهاب ينبغي الخلاص منها قبل الدخول في الإصلاح والتغيير''· وأكد أن تعديل الدستور ليس نهاية المطاف لأنه غير كاف، ولا تتلوه خطوات شاملة على المستوى الدستوري والاقتصادي والسياسي وقوى كثيرة سوف تسعى إلى تحقيق التراجع إن لم يكن في الشكل فسوف يكون في المضمون، فالبيروقراطية لن تستسلم بسهولة لتحقيق الديمقراطية والمنافسة في البناء السياسي وقوى الإرهاب المتربصة لن تقبل بسهولة انتقال مصر من حالتها الراهنة إلى حالة متقدمة وقوى الماضي لن تقبل توجه مصر نحو المستقبل بطريقة تتماهى فيها مع عالمها وعصرها· وقال: ''إن أسلوب الجرعات الصغيرة في الإصلاح لا يكفي للتعامل مع تحديات مصر المختلفة، ومنها أن التعداد يزيد سنوياً بحوالي مليون ونصف المليون نسمة يطلبون المسكن والغذاء والوظيفة مع الحاجات المتزايدة إلى نظم تعليمية وصحية قادرة على التنافس إقليمياً وعالمياً''· وندد بالأوضاع السياسية التي استأثرت بها مصر دون بقية بلاد الدنيا مثل وجود نسبة الخمسين في المائة للعمال والفلاحين في المجالس المنتخبة وتبعية الصحف القومية لمجلس الشورى ونص الدستور على سياسات عامة وليس القواعد العامة للحكم، بالإضافة إلى منصب المدعي العام الاشتراكي الذي ينافس السلطة القضائية· وأكد أن التطور الديمقراطي المصري لن يكون ممكناً ما لم تنجح القوى السياسية في مراجعة نفسها والتخلص من أمراضها، بحيث ينجح الحزب الوطني الحاكم في التخلص من تراث الاتحاد الاشتراكي وتوجهاته الخاصة بمركزية السلطة وتنجح جماعة ''الأخوان'' في التخلص من تراث كامن للفاشية يقوم على نظرة شمولية للسياسة والحياة وما لم تنجح جماعات أخرى وأحزاب المعارضة الأخرى في التخلص من الضجيج والصراخ واستبدال السياسة بالكلام في الفضائيات· وخلص د· عبد المنعم سعيد إلى أن إصلاح الأحوال في مصر وخروجها من صفوف الدول النامية إلى مراتب الدول المتقدمة، لن يحدث هذا ما لم يتحول الحزب الوطني من حزب الدولة إلى حزب ديموقراطي مستقل وما لم تتغير جماعة الإخوان المسلمين لكي تكون أقرب إلى النموذج التركي للاخوة، وأبعد عن النموذج الإيراني و''الطاباني'' للجماعة وما لم تنقلب أحوال الأحزاب والجماعات الليبرالية المصرية من الحالة الشفوية الإعلامية إلى حالة سياسية تصل إلى الناس، حيث يوجدون باللغة التي يعرفونها ويفهمونها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©