الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

المركزي المصري يعد خطة لمواجهة تداعيات الأزمة العالمية

المركزي المصري يعد خطة لمواجهة تداعيات الأزمة العالمية
20 مارس 2009 23:53
بدأ البنك المركزي المصري تدخلاً في سوق العملة الأسبوع الماضي، يعد الأول من نوعه منذ إطلاق سياسة تحرير سعر العملة المصرية مطلع العام ،2003 في إطار خطة متكاملة يعتمد عليها ''المركزي'' في التعامل مع النتائج المباشرة للأزمة المالية العالمية والمتمثلة في انحسار موارد البلاد من العملات الصعبة من مصادرها الأربعة الرئيسية، وهي الصادرات والسياحة ورسوم المرور في قناة السويس وتحويلات المصريين العاملين في الخارج· وفاجأ البنك المركزي المصري الجميع يوم الأحد الماضي بالتدخل في سوق النقد الأجنبي بضخ مليار دولار للتصدي لمضاربات محمومة على الجنيه المصري، بدأت قبل أسابيع وساهمت في ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه بمعدلات كبيرة· وساهم تراجع أسعار السلع التامة الصنع في مختلف دول العالم -خاصة في الصين وبقية بلدان شرق آسيا- وكذلك أسعار المواد الخام في دفع عدد كبير من المستوردين المصريين لاستيراد كميات هائلة من هذه السلع والمواد الخام، وأدى ذلك إلى خلق طلب إضافي وكبير على الدولار وارتفاعات متلاحقة في أسعاره الأسبوع الماضي، الأمر الذي أثار مخاوف السلطات النقدية المصرية من استمرار حمى المضاربات وتأثيرها على استقرار العملة المصرية في ظل أزمة عالمية تكشف كل يوم عن جديد· ورغم اعتراض البعض على فكرة التدخل المباشر من جانب البنك المركزي المصري في سوق النقد بدعوى أن مثل هذا التدخل قد يعطل آليات السوق، فإن مصرفيين يعتبرون هذا التدخل من صميم عمل السلطة النقدية خاصة أنه لم يأخذ شكل القرار الإداري بتحديد سعر صرف للدولار مقابل الجنيه، بل أخذ شكل آلية من آليات السوق، وهي ضخ الدولارات لتلبية احتياجات البنوك وإعادة التوازن بين العرض والطلب وتهدئة السوق والتصدي عملياً لتوقعات كانت قد راجت في أوساط الأعمال المصرية بأن سعر الدولار سوف يلامس ستة جنيهات في غضون شهرين على الأكثر· ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يملك البنك المركزي المصري القدرة على التدخل المتواصل في السوق في ظل طلب متنام على الدولار مستقبلاً مع عودة ظاهرة الدولرة ورغبة الكثيرين في اكتناز الدولار كمخزن للقيمة؟ وهل لدى البنك المركزي سيولة دولارية تتيح له ضخ الدولارات كلما زادت حمى المضاربات واشتعلت الأسواق؟ وهل هذا يعني تكرار السيناريو الذي حدث إبان حكومة الدكتور عاطف عبيد التي كانت سريعة اللجوء لضخ الدولارات كلما تحركت الأسعار لأعلى مما ترتب عليه فقدان نحو نصف الاحتياطي النقدي ليصل إلى أدنى مستوي له في تلك الفترة، حيث تراجع من 29 إلى 14 مليار دولار؟ وإذا كان البنك المركزي المصري يمتلك الآن رصيداً من الاحتياطي النقدي في حدود 33 مليار دولار بعد أن كان يتجاوز 34 ملياراً، فإن هذا المبلغ لا يغطي سوى قيمة واردات تحتاجها البلاد لأكثر من 6 أشهر، الأمر الذي سوف يشكل قيداً على تحركات ''المركزي'' المقبلة في سوق النقد ويحد من قدرته على ضخ المزيد من الدولارات في السوق عندما تكون هناك حاجة لذلك· ومن ثم يرى مصرفيون أن مواجهة المضاربين في سوق النقد عبر آلية ضخ الدولار لن تجدي على المدى البعيد، ولن يستطيع ''المركزي'' الصمود فيها كثيراً في ظل توقعات بحدوث مزيد من التراجع في موارد النقد الأجنبي لمصر خلال النصف الثاني من العام الجاري على ضوء مؤشرات الأزمة المالية العالمية، ومن ثم يصبح حل ضخ الدولار غير متاح، كما أن هذا الحل سوف يفتح شهية المضاربين لامتصاص أي سيولة دولارية يوفرها البنك المركزي مما يعني دخول سوق النقد في دوامة لا تنتهي ومعركة تتجدد فصولها كل فترة بين مضاربين لا يعدمون الحيل وسلطة نقدية لا تملك الكثير من أوراق اللعبة· وترى دوائر أعمال ورؤساء شركات صرافة أن تدخل البنك المركزي المصري يكتسب بعداً سياسياً أكثر من أنه إجراء اقتصادي يستهدف كبح جماح المضاربين؛ لأن الصعود المتواصل لسعر الدولار كان قد بدأ يخلق ما يمكن اعتباره سوقاً موازية أو ما يشبه عودة السوق السوداء للدولار بعد أن شح في شركات الصرافة خصوصاً يومي الجمعة والسبت السابقين على تدخل البنك المركزي وهما اليومان اللذان تغلق فيهما البنوك أمام المتعاملين، ومن ثم قامت شركات الصرافة بحجب الدولار خلال هذين اليومين اللذين تنفرد فيهما بالسوق والمتعاملين مما أثار حالة من الذعر، وبالتالي يمهد لمزيد من ارتفاع الأسعار ويجعل الحديث المتواصل من جانب جماعات المصالح الاقتصادية حول ضرورة خفض قيمة الجنيه يلقى قبولاً نفسياً في السوق ويشكل ضغوطاً على صانع القرار في البنك المركزي· وبالتالي، كان لا بد من توجيه رسالة ذات مغزى سياسي مفادها أنه لا نية على الإطلاق لاتخاذ قرار بشأن خفض قيمة العملة المصرية، وأن البنك المركزي مستعد للدفاع عن الجنيه حتى النهاية، وأنه لن يتم التسليم لمطالب ''لوبي'' المصدرين الذين يريدون تخفيضاً سريعاً وكبيراً للجنيه في هذه المرحلة الحرجة وأنه في سبيل تحقيق هذا الهدف لا بأس من التضحية ببضعة مئات من ملايين الدولارات من الاحتياطي النقدي لتهدئة السوق، ويمكن بعد فترة من الهدوء النسبي استعادة هذه الأموال مرة أخرى لخزائن ''المركزي'' عبر ألية ''الإنتربنك الدولاري''، التي تسمح للبنوك بالاقتراض فيما بينها وتسمح لـ''المركزي'' بالتدخل بائعاً ومشترياً للدولار في كل وقت وحسب مقتضيات الحالة· هذه السياسة من جانب ''المركزي''، وحسب رؤية هذه الدوائر، تحقق العديد من الأهداف في وقت واحد تتمثل في إفشال مخطط المضاربين لإشعال سوق الدولار وعودة السوق السوداء مرة أخرى وتهدئة السوق وبعث رسائل اطمئنان للمستثمرين الأجانب في البورصة المصرية خاصة أن هؤلاء المستثمرين بدأوا يعربون عن مخاوفهم من أن ارتفاع سعر الدولار المتواصل سوف يتسبب في تأكل الأرباح الرأسمالية التي قد يحققونها في البورصة وعند تحويل هذه الأرباح إلى الخارج قد يواجهون صعوبات في تدبير الدولار أو في سعره ويعني تدخل البنك المركزي لهؤلاء المستثمرين رسالة الثقة والاطمئنان، الأمر الذي يؤكد البعد السياسي لهذا الإجراء الاقتصادي· ويبقى السؤال الأخير: هل سيصاب المضاربون باليأس، أم أن السوق بانتظار جولات جديدة من هذه المعركة بينهم وبين السلطة النقدية؟ الإجابة عن هذا السؤال سوف ترتبط بتطورات الآثار الجانبية للأزمة المالية العالمية على أوضاع الاقتصاد المصري خلال المرحلة المقبلة· ضغوط على الحكومة المصرية لخفض قيمة الجنيه القاهرة (الاتحاد) - يمارس مستثمرون ومنظمات أعمال ضغوطاً متواصلة على الحكومة المصرية منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية قبل أشهر لخفض قيمة الجنيه لتحسين تنافسيتهم في الأسواق العالمية والمحلية· وإذا كان مصدرو السلع والخدمات المصريون يقفون على رأس قائمة المطالبين بخفض قيمة العملة المحلية منذ بدء الأزمة المالية العالمية وراهن هؤلاء على اجتماع لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري يوم 12 فبراير الماضي لاتخاذ قرار بهذا الخفض· الا أن توقعاتهم وضغوطهم لم تسفر عن تحقيق هذا الهدف حيث اكتفت اللجنة في ذلك الاجتماع باتخاذ قرار بخفض سعر العائد على الودائع بنحو واحد في المئة بهدف خفض تكلفة التمويل على المشاريع في اطار حزمة من الإجراءات المالية التي تسعى الحكومة من خلالها التخفيف من حدة الأزمة على القطاعات الإنتاجية المختلفة· ومع تواتر أنباء بشأن اجتماع جديد للجنة السياسات النقدية خلال الأسبوع الأخير من مارس الجاري للنظر في آثار القرار الخاص بخفض سعر العائد وكذلك بحث قضايا أخرى تتعلق بأوضاع الاحتياطي النقدي فإن هذه الضغوط عادت من جديد للمطالبة بإتخاذ قرار بخفض للجنيه ولو بنسبة 10 بالمئة حسبما يقول هؤلاء المصدرون لإتاحة الفرصة للصادرات المصرية للنفاذ للأسواق العالمية في ظل الأزمة المالية العالمية· أما الجديد في هذه الضغوط فهو تلويح البعض -خاصة من أصحاب مصانع النسيج والملابس الأكثر تضررا من تراجع الصادرات والأكثر استخداما للعمالة- بالاستغناء عن جزء من هذه العمالة بسبب توقف بعض خطوط الإنتاج الأمر الذي يسبب حرجا شديدا للحكومة المصرية على ضوء التوقعات بتنامي معدل البطالة من 8,1 الى 9 بالمئة حسبما جاء في تقرير المؤشرات الاقتصادية الصادر عن وزارة التنمية الاقتصادية· ويرى هؤلاء المصدرون أن خفض العملة المحلية سوف يساعد هذه المصانع على الصمود واستمرار التصدير وبالتالي الاحتفاظ بالعمالة وضمان استمرار الإنتاج لحين انحسار الآثار السلبية للأزمة العالمية وبدء تعافي الاقتصاد المصري على أن يعاد النظر في قيمة الجنيه في ذلك الحين مبررين هذه الرؤية بإمكانية ارتفاع قيمة الجنية مرة أخرى مع تحسن الأوضاع الاقتصادية وهو الأمر الذي سبق أن حدث بعد تحرير العملة في يناير 2003 حيث قفز سعر الدولار لأكثر من سبعة جنيهات ثم سرعان ما تراجع السعر ليتوازن وفقا لمعادلة العرض والطلب ليبلغ 530 قرشا ويستقر عند هذا السعر عدة سنوات قبل ان يعاود ارتفاعه على ايقاع الأزمة المالية العالمية· ويتخذ العديد من المصرفيين موقفاً معاكساً لذلك، ويرى مصرفيون، في مقدمتهم محمود عبداللطيف رئيس بنك الاسكندرية، ان قرار خفض الجنيه قرار خطير وليس بالسهولة التي يتصورها البعض من اصحاب المصالح من المصدرين أو أصحاب الفنادق وشركات السياحة كذلك فإن الخفض سوف يترتب عليه موجة جديدة وكبيرة من ارتفاع اسعار كافة السلع المستوردة خاصة السلع الغذائية والوسيطة والمواد الخام الداخلة في انتاج العديد من السلع الاستهلاكية ومن ثم سوف يتعمق الركود وتزداد الأزمة تعقيدا لأن اسعار السلع سوف تكون فوق طاقة المستهلكين وبالتالي يتراجع الاستهلاك وتنهار القوة الشرائية وتلحق الخسارة بكافة اطراف العملية الاقتصادية على المدى الطويل·
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©