السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

دول الخليج توظف عائدات النفط لضمان المستقبل الاقتصادي

25 مارس 2007 00:27
إعداد - عدنان عضيمة: استغلت حكومات الدول الخليجية الارتفاع الكبير في أسعار النفط العالمية في تبني العديد من الاستثمارات المستقبلية الضخمة التي من شأنها تحقيق نمو اقتصادي كبير على المديين المتوسط والبعيد، وذكر تقرير لمجلة ''ميد'' أن الشرق الأوسط لم يشهد مثل هذا الرخاء الذي شهده خلال السنوات القليلة الماضية بعد مرور ثلاث سنوات حلّقت فيها أسعار النفط في مستويات عالية وشهدت الدول المنتجة ارتفاعاً كبيراً في حجم الإنتاج مما أدى إلى نمو اقتصادي قياسي في المنطقة، وكان لهذه العوائد النفطية الضخمة أن تخلق فوائض مالية غير مسبوقة، وهي التي تقف الآن وراء موجة من المشاريع الاستثمارية كتب لها أن تغيّر وجه منطقة الخليج برمتها· وخلال الارتفاع الكبير لأسعار النفط منتصف عام 2005 توقع المحللون حينئذ أن تستمر الأسعار في الارتفاع، إلا أنها استقرت مؤخراً حول مستوى الستين دولاراً للبرميل، وكان متوسط سعر خام برنت قد ارتفع من 29 دولاراً للبرميل عام 2003 إلى 55 دولاراً للبرميل عام ،2005 وإلى 65 دولاراً للبرميل عام ،2006 ثم تجاوز 78 دولاراً للبرميل في شهر يوليو من العام ذاته، وأدى ذلك إلى ارتفاع متوسط الناتج المحلي الإجمالي لدول المنطقة عام 2006 بنحو 7 بالمئة مقارنة مع 3,6 بالمئة في أعوام التسعينات، وتمكنت دول أوبك (باستثناء إيران والعراق) من اغتنام الفرصة لتجمع بضع مئات المليارات من فوائض القطع الأجنبي· ويشير التقرير إلى أن استمرار أسعار النفط على نفس وتيرتها المرتفعة الراهنة لا يشكل بأية حال ضمانة دائمة للنجاح الاقتصادي، ودليل ذلك أن الارتفاع الكبير المسجل في أسعار النفط عقب نهاية الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973 أدى إلى حدوث نمو اقتصادي ضخم في دول الشرق الأوسط على المدى القصير إلا أن هذا النمو أثبت أنه هشّ ولا يتصف بعامل الديمومة، وبلغت أسعار النفط ذروة ارتفاعها في عام 1980 عندما تجاوز سعر برميل خام برنت 90 دولاراً إلا أنه كان متبوعاً بما يشبه الانهيار الاقتصادي الذي تجسّد في التراجع المتواصل في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية بين عامي 1982 و·1985 ويتفق المحللون على أن الأسعار المرتفعة الحالية للنفط لن تكرر هذا الذي حدث في الماضي لأنها ستحتفظ بقوتها وستتميز بعنصر الديمومة على المدى المتوسط على أقل تقدير، إلا أنه سيكون من الخطأ الجسيم لحكومات المنطقة لو أنها بَنَت اقتصادها المستقبلي على هذا الأساس حيث لا يمكن التنبؤ بمستويات الأسعار على المدى البعيد· وربما كان التحدي الأكبر الذي يمارس ضغطه الآن على دول الشرق الأوسط هو الذي يتعلق بخلق فرص العمل، فبالرغم من أن معدل البطالة في المنطقة سجل خلال السنوات القليلة الماضية هبوطاً ملحوظاً، إلا أن أكثر من 12 بالمئة من القوة العاملة تعاني الآن من البطالة، وتنقل ''ميد'' عن محسن خان المحلل الاقتصادي المتخصص بمنطقة الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي قوله: لا شك أن البطالة هي المشكلة الأكثر أهمية في المنطقة، وينبغي الحفاظ على معدل النمو الذي يتراوح بين 6 و7 بالمئة من أجل امتصاص النمو العالي في القوة العاملة، ويجب أن يقود القطاع الخاص هذا التوجه· وبناء على تقارير صادرة عن البنك الدولي، فإن امتصاص العمالة الفائضة والاهتمام بالنمو السكاني العالي الذي تشهده المنطقة، يتطلب خلق أكثر من 100 مليون منصب عمل جديد خلال السنوات العشرين المقبلة، ولا شك أن تحقيق هذا الإنجاز الكبير أمر مشوب بالشك، ولو أمكن تحقيق هذا الهدف، فإن المنطقة ستتمكن من تجنب العثرات الكبرى التي سجلت في السبعينات حيث لم تتمكن العوائد النفطية العالية من إصلاح عيوب النظم الاقتصادية في الشرق الأوسط· وتتجمع الآن الكثير من الأدلّة والقرائن لتؤكد أن حكومات الدول المنتجة للنفط في منطقة الشرق الأوسط تصب اهتمامها على عدم الوقوع في أخطاء الماضي، وتقول جنيفر كيلير الخبيرة في البنك الدولي: عندما تراجعت أسعار النفط بعد طفرة السبعينات، اعتاد المنتجون على الإنفاق وفقاً لحالة الأسعار المرتفع، فواجهوا مشكلة كبيرة بعد ذلك بعد أن كانوا قد أنفقوا العوائد الضخمة حتى قبل أن يستلموها، وها هم ينفقون الآن بسخاء إلا أنهم هذه المرة يوفرون لأنفسهم فرصة تحقيق فوائض مالية على المستوى المحلي والدولي يمكنها أن تقيهم شرور أي انخفاض طارئ في أسعار النفط في المستقبل· ويشير تقرير البنك الدولي إلى أن ''السلوك المالي'' للدول المنتجة للنفط خلال الطفرة السعرية الأخيرة للنفط مثير للاهتمام والإعجاب، وكان تقرير صدر عن البنك عام 2005 قد توقع بأن يتم إنفاق نحو 25 بالمئة من العوائد النفطية مقارنة مع 60 بالمئة في طفرة أسعار النفط لعام ·1973 وكان معدل العوائد الحكومية الكويتية لعام 2006 بالنسبة لمجمل الإنفاق العام (الذي يحسب بقسمة العوائد على الإنفاق) هو الأفضل في العالم، واستفادت كل من الجزائر والمملكة العربية السعودية من هذه الطفرة الجديدة في تسديد معظم ديونها الخارجية، كما تم تأسيس الصناديق الاستثمارية التي يمكنها أن تضمن المستقبل الاقتصادي لحكومات الدول المنتجة للنفط في المستقبل حتى لو سجلت أسعار النفط انخفاضاً طارئاً كبيراً، وقال خان في هذا الشأن: معظم صنّاع القرار المسؤولين عن هذه السياسات الآن في المنطقة كانوا على رأس هذه التجربة في عقدي الثمانينات والتسعينات، وهم الذين شهدوا الأخطاء التي ارتكبت في ذلك الوقت· وبالرغم من أن سعر برميل النفط الآن مستقرّ حول مستوى 60 دولاراً، إلا أن حكومات الدول الخليجية مازالت تبني اقتصادها على أساس أن سعر البرميل يتراوح بين 30 و33 دولاراً، ففي الجزائر مثلاً مازالت الحكومة تخطط ميزانيتها على أساس سعر 19 دولاراً للبرميل· وبالرغم من كل هذا فإن النمو الاقتصادي للدول المنتجة للنفط في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام مازال يعتمد بشكل كبير على تصدير الهيدروكربونات، ففي العام الماضي بلغ حجم العوائد من الصادرات الهيدروكربونية في الجزائر 98 بالمئة من أصل مجمل عوائد الصادرات الكلية للدولة، وحتى فيما يتعلق ببلدان الشرق الأوسط التي تعتمد سياسات تنويع مداخيلها الاقتصادية، تبين أن خمس عوائدها من التصدير فقط تأتي من المصادر غير النفطية، ويبدو الآن بوضوح أن جهوداً حثيثة تبذل للتغلب على هذا الخلل عبر تركيز الإنفاق في دول المنطقة على المشاريع ذات النتائج التنموية المستدامة، ويقول خان: أصبحت حكومات الدول المنتجة للنفط تميل بقوة للاستثمار المجدي بدلاً من الإنفاق والهدر العشوائي، ويمكن القول الآن أنها أصبحت تنفق في المجالات المناسبة تماماً كالبنى التحتية التي ستشجّع القطاع الخاص على الاستثمار والمساهمة في بناء الاقتصاد· وأعلنت كل من قطر والمملكة العربية السعودية والجزائر عن برامج طموحة لتشييد وترقية البنى التحتية الأساسية، وبلغ مجموع ما رصدته الدول الثلاث لهذه المشاريع أكثر من تريليون دولار، وعمدت دولة الإمارات إلى صبّ مليارات الدولارات في الاستثمارات العقارية· وفيما كانت العوائد النفطية لدول الشرق الأوسط في الماضي تذهب إلى البنوك الخارجية، فإن معظمها يستقرّ الآن في الدول المنتجة ذاتها ويتم توظيفها في الاستثمارات العقارية وأسواق الأسهم المحلية، وبعد أن لاحظت دول المنطقة النمو الكبير الذي يشهده الاقتصاد الصيني والهند، فضلت بعض دول الشرق الأوسط الأكثر ثراء شراء بعض الشركات الرابحة واستثمارها هناك·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©