السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

عندما تتفاعل عواصف الوضع الراهن فوق الخشبة

عندما تتفاعل عواصف الوضع الراهن فوق الخشبة
9 نوفمبر 2015 22:13
إبراهيم الملا (الشارقة) لا يمكن للمسرح أن ينفصل عن الإيقاع الاجتماعي والثقافي العام، كما أنه كتعبير فني مكتنز بالحياة والحيوية، لا يمكن له أن ينعزل عن الخيال الجمعي والهوى الشعبي والوعي الجمالي لدى الجمهور. وطوال العقود الماضية من عمر المسرح العربي كان هذا الجمهور يعمل في خط موازٍ ومتناغم مع المبدعين والكتاب والنقاد والمخرجين المسرحيين، كي يبقى نبض هذا الفن العريق حاراً ومتدفقاً في الجسد العربي الكبير. هذه التلمسات والتمنيات والاستعادات العامة والخاصة كانت حاضرة في الندوة التي عقدتها إدارة معرض الشارقة الدولي للكتاب 34 مساء أمس الأول وشارك بها كل من الممثل المسرحي المخضرم أحمد الجسمي، والكاتب المسرحي إسماعيل عبدالله، والممثل والكاتب والمخرج مرعي الحليان، وأدار الندوة التي حملت عنوان «مسرح كبير سبل نهوض وتجدد المسرح العربي» الإعلامي محمد غباشي. تحدث الكاتب المسرحي إسماعيل عبدالله رئيس الهيئة العربية للمسرح عن رحلة المسرح العربي، واصفاً إيَّاها بالمصباح المنير الذي أضاء درب الأجيال التي أسست لها وانطوت في ركبها، مؤكداً أن المسرح العربي ظل منذ بداياته المبكرة مؤثراً في مجتمعه ومساهماً في حركة التنمية، وإن خفت نوره مؤخراً، كما أشار، بسبب الرياح العاتية التي عصفت بالبلدان العربية المركزية خلال السنوات القليلة الماضية، واستطرد عبدالله قائلاً: «ولكن هذا الضوء المسرحي العربي لا يمكن له أن ينطفئ ويموت، وما دام هناك رجال كبار ما زالوا يعشقون المسرح أمثال الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة والأب الروحي للمسرح المحلي والخليجي والعربي، وما دام هناك كتاب ومثقفون ومبدعون عرب ما زالوا يرفدون هذا المسرح بفكرهم وعطائهم المتجدد، وما دام هناك جمهور عربي متفاعل ومحب ومتعطش للفرجة المسرحية». وأشار عبدالله إلى أهمية الاستراتيجية العربية للتنمية المسرحية، والتي عملت على إعدادها الهيئة العربية للمسرح وانتهت من إنجازها في أواخر عام 2012 بمشاركة 300 مسرحي عربي شخصوا الحالة المسرحية العربية ووضعوا حلولاً واقتراحات لاستنهاض المسرح في البلدان العربية وإعادته من جديد إلى بريقه السابق وحيويته المفتقدة، مضيفاً أن هذه الاستراتيجية تم اعتمادها من قبل وزراء الثقافة العرب، لتنفيذ ما تم اقتراحه في بنودها المتعددة، ومن أهمها مبادرة صاحب السمو حاكم الشارقة المتمثلة في مشروع تنمية وتطوير المسرح المدرسي الذي اختطفته الأفكار الظلامية، كما قال عبدالله، بخبث وفي غفلة من الزمن، وهي نفس الأفكار السوداء والمعتمة التي سعت لإلغاء كل الفنون من المدارس والمؤسسات التعليمية. وأوضح عبدالله أن إعادة إحياء فنون العرائس والدمى كانت من ضمن المقترحات التي تضمنتها هذه الاستراتيجية نظراً لأهمية هذه الفنون في صناعة الفرجة الشعبية والمسرحية وتأثيرها في النشء والأجيال العربية الجديدةً. أما الفنان أحمد الجسمي فاستعاد محطات بعيدة وزاهية للمسرح العربي، وتمنى أن تعود تلك الحالة اللامعة فنياً وثقافياً في شكلها ومضمونها، وقال: «كنا في زمن يبحث عن التجليات وعن الرهان على الإبداع والنضج المعرفي والفكري»، مشيراً إلى أن المهرجانات المسرحية العربية الكبرى في مدن عريقة مثل قرطاج ودمشق وعمّان وبغداد كانت تنطوي في السابق على همّ مسرحي حقيقي وعلى تنافس جماعي وأعمال يصعب اختيار الأفضل منها، لأنها كلها، كما أشار، تتميز بالسحر والقوة والفرادة، على عكس ما نشاهده ونلمسه اليوم من ندرة الأعمال المتميزة، وشيوع الأعمال الضعيفة والمتسرعة التي تفتقر إلى الشغل المسرحي المخلص والجاد والرصين. وقال الجسمي إن أسماء مثل الطيب الصديقي وقاسم محمد وغيرهم من المخرجين الكبار، أصبحت أسماء يصعب تكرارها واستنساخ تجربتها بسبب تغير الظروف العامة في الوطن العربي، مؤكداً أن المسرح العربي اليوم بات بحاجة لمن يتبناه ويرعاه بصدق كي يأخذ مساره الطبيعي نحو التجدد والتطور. وتحدث الفنان مرعي الحليان بحرقة وأسى لما أصاب المسرح العربي والثقافة العربية عموماً من أفول وتشتت وخيبات خلال السنوات القليلة الفائتة، وبرر الحليان أسباب هذا التراجع والاضمحلال إلى وجود دوافع مريبة عند البعض لتهميش دور الثقافة والفنون، وتحويلها إلى ثقافة سلعية ومهمشة وتفتقر للعمق والتأثير والتطور الفكري والحضاري. وقال الحليان: «هناك من يعمل بخبث حتى لا يرتفع الخطاب العالي للمسرح الجاد والحوار الفكري العالي للمثقفين»، وذكر نماذج مشرقة للفترة الذهبية التي شهدها المسرح العربي، مثل حيوية مسرح سعد الله ونّوس الذي كان يحمل راية خفاقة للمسرح الاحتفالي. وذكر التأثيرات الفكرية العميقة لأدونيس في فترة السبعينيات والثمانينيات، موضحاً أن الحيوية الثقافية تلك كانت سائدة في وسائل الإعلام مثل الإذاعة والتلفزيون والصحافة لوجود همّ أيديولوجي عربي عام ومشترك، أما اليوم كما قال، فإن هذه الوسائل أصبحت تنحاز للخفة المعرفية والضحالة الفكرية وتروّج للعابر والسطحي والغرائزي حتى يظل الفرد العربي مخدراً وضحلاً ومتخلفاً عن ركب التجديد والتطور واستقلالية التفكير والإبداع.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©