الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تونس الجديدة...ازدهار المجتمع المدني

14 نوفمبر 2011 22:08
في اليوم الذي فر فيه بن علي من تونس تاركاً البلاد بعد حكم دام ربع قرن تقريباً كانت هناك أكثر من 9600 جمعية، بما فيها المنظمات غير الربحية مثل الجمعيات الخيرية والأندية الرياضية وغيرها تتوزع في مختلف المناطق التونسية. ومع أن المشهد كان يبدو براقاً من الخارج مع كل هذا الكم من الجمعيات والمنظمات الأهلية، بحيث بدا أن أصوات المجتمع التونسي ممثلة على اختلافها، إلا أنه في الحقيقة وعلى غرار باقي الحريات في عهد نظام بن علي لم تكن سوى واجهة للاستهلاك الخارجي، وهو الواقع الذي يؤكده "مالك بكلوتي"، المحامي الذي يعمل مع مركز النساء العربيات للتدريب والأبحاث الذي تموله الأمم المتحدة، قائلًا: "مع الأسف كانت أغلب تلك المنظمات خاضعة لرقابة النظام، ولا يمكننا الحديث عن ثقافة العمل الجماعي أو روح مدنية متطورة"، لكن اليوم وبعد عشرة أشهر فقط على فرار الرئيس السابق وانطلاق شرارة "الربيع العربي" لم تنفتح الحياة المدنية فقط في تونس، بل انفجرت مولدة المئات من الجمعيات، بحيث يمكن الإشارة إلى الجانب السياسي من هذا الانفجار في عدد الأحزاب التي سجلت نفسها في استحقاق انتخابات الجمعية التأسيسية التي ناهزت 110 أحزاب، ليمتد هذا التوسع الكبير إلى العمل الأهلي الذي شهد هو الآخر ظهور العديد من الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني. فمنذ شهر يناير الماضي تم إنشاء ما لا يقل عن ألف جمعية التي تتوزع مهامها بين الدفاع عن حقوق المرأة والإنسان، إلى الجمعيات المتخصصة في المبادرات الشبابية، ويرصد هذا التكاثر اللافت في أعداد الجمعيات بتونس "بشير بوراوي"، مؤسس جمعية "جيل تونس حرة" قائلاً: "تحت بن علي لم يكن أحد يجرؤ على الحديث، واليوم الجميع يريد المشاركة والحديث". وبكل بساطة، أصبح هذا الانفتاح الذي يشهده النقاش العام أهم تغيير تشهده تونس خلال الأشهر الأخيرة، فلكي تنجح الديمقراطية في البلد الصغير بشمال أفريقيا بعدد سكانه البالغ عشرة ملايين نسمة، لن يكفي تبني الآليات الانتخابية التي كانت موجودة في عهد بن علي، بل لا بد من رغبة شعبية تؤكد الانخراط في العملية والاهتمام بتفاصيلها. والحقيقة أن الانفجار الكبير في عدد الجمعيات والعمل الأهلي الذي يميز تونس يختلف عن البلدان الأخرى التي تأثرت بـ"الربيع العربي"، ففي مصر تتعرض المنظمات الأهلية لمضايقات كثيرة في ظل التحقيقات التي تطال الجمعيات بتهم الخيانة. أما في اليمن وسوريا اللتين لا تزالا تخوضان معركتهما مع الأنظمة لم تخرج بعد العديد من المنظمات الأهلية من العمل السري، فيما ليبيا منشغلة بهموم إعادة البناء وتوفير الاحتياجات الإنسانية الضرورية بما لا يتيح مجالًا لتشكل منظمات المجتمع المدني، وهو الأمر الذي يختلف في تونس التي تبدو أنها في طريقها لإرساء نظام ديمقراطي حي وتشاركي. فخلال الفترة التي سبقت انتخابات الجمعية التأسيسية في 21 أكتوبر الجاري، ساهمت العديد من منظمات المجتمع المدني في توعية المواطنين وتثقيفهم بضرورة المشاركة والإدلاء بأصواتهم، بحيث انتقلوا بالحافلات الصغيرة إلى المناطق المختلفة للتواصل مع الشباب، كما أنشأوا مواقع إلكترونية للتواصل.ويؤكد الناشطون في المجتمع المدني أنهم سيواصلون الانخراط في النقاش العام حتى بعد تشكل الحكومة الجديدة التي سترأسها حركة "النهضة" عقب فوزها بـ 40 في المئة من الأصوات خلال الانتخابات الأخيرة. وقد كان لهذه المشاركة الواسعة للمجتمع المدني في تأطير المجتمع التونسي والمشاركة في النقاش العام وقع المفاجأة حتى على نشطاء متمرسين مثل "خديجة شريف"، الأمينة العامة للفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان بتونس، معترفة بأنها دُهشت لتغير الناس "فالمواطنون الذين لم يشاركوا من قبل في فعاليات المجتمع المدني يريدون اليوم القيام بدورهم كمواطنين والاستفادة من حقوقهم". وفي هذا الإطار أيضاً تقول "فيليبا نيف"، التي تعمل مع منظمات المجتمع المدني التونسي من خلال البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة "رغم التباين أحياناً في توجهات المنظمات الأهلية، فإن ذلك أمر عادي، فقد رأينا انبثاق أعداد كبيرة جداً من الجمعيات في فترة وجيزة"، فمباشرة بعد نجاح الثورة وسقوط النظام الذي هرب رمزه إلى الخارج كان أمام المواطنين خياران: إما العودة إلى حياتهم الطبيعية باستئناف دراستهم وأعمالهم، أو الانخراط في تنظيمات، والعمل على تشكيل أنفسهم ضمن الجمعيات، وفيما اختار العديد من الناس التوجه الأول، فضل البعض الآخر مواصلة مسيرة النضال من خلال المجتمع المدني والدفع بالتغيير إلى منتهاه. ورغم الجهود التي بذلتها منظمات المجتمع المدني في الفترة السابقة ودعمها للمشاركة السياسية والتصويت في انتخابات الجمعية التأسيسية، تظل الكثير من التحديات التي يتعين على المجتمع المدني مواجهتها قائمة وعلى رأسها تمويل أنشطتها للتواصل مع شرائح أكبر من المجتمع. ومع ذلك يبقى وضع المجتمع المدني في تونس أفضل منه في مصر التي ورغم إسقاط النظام، ما زال العمل جارياً بالقوانين القديمة التي تحد من العمل الأهلي، هذا بالإضافة إلى حساسية السلطات الجديدة في مصر إزاء التمويل الخارجي للمنظمات الأهلية واتهامها بالعمالة، لاسيما بعدما أعلنت السفيرة الأميركية "آن باترسون، في الصيف الماضي عن تخصيص بلادها لحوالي 40 مليون دولار لتدعم الديمقراطية في مصر، وهو الأمر الذي دفع بالمجلس العسكري إلى فتح تحقيق مع المنظمات غير الحكومية التي تلقت أموالاً أجنبية. إليزابيث ديكنسون - تونس ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©