السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الدولة» حلم مؤجل

14 نوفمبر 2011 22:09
هي مجرد صدفة جمعت في أسبوع واحد بين ثلاثة أحداث متفاوتة الأهمية، أولاً، واقعة "القرصنة" غير المتعمدة لحديث هامشي بين أوباما وساركوزي، وفيه نعت الثاني نتنياهو بـ "الكاذب" فأظهر الأول أنه لا يقل سأماً من رئيس الوزراء الإسرائيلي ثانياً، استقالة دنيس روس مستشار البيت الأبيض لشؤون "إفساد" أي مساعٍ للتفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ثالثاً عدم توصل "لجنة العضوية" في مجلس الأمن إلى اعتماد طلب فلسطيني عضواً في الأمم المتحدة، وتكتمها على مبررات رفض الطلب، ما عنى أن اللا قرار كان سياسياً مئة في المئة، رغم أن الشروط التقنية للعضوية كانت مستوفاة بشهادة هيئات مثل الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي اللذين درسا خطوات تأهيل إدارات "الدولة" ومؤسساتها وفقاً لمعايير كانا قد حدداها. معروف أن "روس" كان يعتزم المغادرة، وها هو يفعل بعدما تأكد أن عمله المكثف طوال الشهور الماضية لإحباط المسعى الفلسطيني في الأمم المتحدة قد حقق هدفه. لم يعد لديه ما يخربه، لأن "عملية السلام" في الشرق الأوسط رُفعت من جدول أعمال الإدارة الأميركية، ولن تعود إليه إلا بعد الانتخابات الرئاسية التي تتأرجح فيها حظوظ أوباما نزولاً على وتيرة تقلبات الأزمة الاقتصادية وارتفاعاً على وقع فضائح خصومه المرشحين المفترضين عن الحزب "الجمهوري". هذه هي المرة الثانية على الأقل - بعد كامب ديفيد عام 2000 - التي يكون فيها روس حاضراً للسهر عن كثب على مصالح إسرائيل داخل الدائرة الضيقة التي يُصنع فيها القرار الأميركي. جاء به أوباما للإفادة من خبراته ولكي يساعده على التواصل مع حكومة نتنياهو وإقناعها بصواب سياسته وضرورة التقدم في مساعي السلام لمصلحة أميركا وإسرائيل معاً، بل كلفه خصوصاً بلورة خيارات الإدارة في التعامل مع الأزمة الإيرانية. ومن الواضح أنه ساعد أوباما خصوصاً على تغيير توجهاته مئة وثمانين درجة. فبعدما كان مدافعاً متقدماً عن حق الفلسطينيين في دولة أصبح مهاجماً عدوانياً ضد هذا الحق. ليس معروفاً كيف أمكن أوباما أن يوفق بين حرمان الفلسطينيين من دولتهم إلا إذا ولدت في كنف المفاوضات مع إسرائيل، وبين مفاوضات يلح عليها ولا تستطيع الولايات المتحدة ولا أوروبا الضغط على إسرائيل لتوفير الشروط اللازمة لإحيائها، والجميع يعلم أن برنامج حكومة نتنياهو قام أساساً على إحباط المفاوضات إلا إذا انطلقت بقبول فلسطيني للشروط الإسرائيلية المجحفة. ومنذ راح أوباما يخضع شيئاً فشيئاً لابتزازات نتنياهو لم يعد يستطيع إيقاف الأخير عند حد، حتى تحول زعيم "ليكود" من مجرد كاذب إلى أشبه بـ "ترمينيتور"، القاتل الذي يمحق خصمه وينهيه. لم يوسع نتنياهو الاستيطان في الأراضي الفلسطينية فحسب، بل استوطن الأسطورة الأوبامية، وصفّى كل الأبعاد الطيبة التي اكتسبتها عربياً وإسلامياً، حتى لم يبق منها شيء، إلى حد أن إدارته خاضت أبشع الأدوار لمنع قبول فلسطين في "اليونسكو". كانت البوسنة هي الدولة التي قلبت الحسابات في مجلس الأمن، فطار الصوت التاسع الذي كان يمكن أن يرجح قبول طلب العضوية الفلسطينية، البوسنة دولة رأسها مثلث وفقاً لمكونات المجتمع، وأحد هذه الرؤوس صربي اخترق الضغط الأميركي ليملي على سراييفو التصويت ضد فلسطين رغم تضامن الدول العربية والمسلمة معها أيام محنتها، ورغم المساعدات الهائلة التي تدفقت عليها. في أي حال، كانت المعركة في مجلس الأمن محسومة سلفاً، بسبب "الفيتو" الأميركي المبكر. قد تكون واشنطن ارتاحت إلى احرازها "انتصاراً" على فلسطين جنبتها احراجاً لا تريده باستخدام "الفيتو"، لكنها لا تحرج بالمسؤولية السياسية و"الأخلاقية" لتزكية إسرائيل كدولة احتلال ممقوتة عالمياً. هذا "الانتصار" هو بالأحرى فضيحة أخرى تضاف إلى التراث الأميركي - الإسرائيلي الأسود، الذي لا تنفك بريطانيا تفشل في التمايز عنه رغم التردد الذي أبدته ثم تبين أنه كان مصطنعاً. أما فرنسا التي أيدت عضوية فلسطين في "اليونسكو" فالتزمت منذ البداية خطاباً صريحاً مع الفلسطينيين، ونصحت بالتوجه فوراً إلى الجمعية العامة لا إلى مجلس الأمن، وليس للفلسطينيين أن يتوقفوا أمام "هزيمة" كانوا يتوقعونها، وليمضوا إلى "الدولة المراقبة" بتأييد من الجمعية العامة، فمن خلال نشاطهم في منظمات الأمم المتحدة يمكنهم أن يدافعوا عن قضيتهم بوسائل لم تكن مناسبة لهم سابقاً، المهم ألا يستسلموا لمثل أوباما وغيره، ولا لأكاذيب نتنياهو. عبدالوهاب بدر خان كاتب ومحلل سياسي - لندن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©