يظن بعض السذج من بني البشر أن الحرية سلعة رخيصة، بل وقد تعطى بلا ثمن، ونسوا أن الحرية ''حق'' لا يعطى ولم يعط إلا لمن بذل غالي ما يملك ليأخذها، فهي حق للأحرار، ولكن حق الحر وحريته قيد في يد من يريد أن يفسد ويتجبر، ويعتقد البعض أن باب الحرية يقف عليه جلاد لا يمرر إلا من يركع، أما من وقف شامخاً فلابد أن تلطمه عصا الجلاد· والغريب في هذه العقلية أنها تنتمي لطبقة المثقفين الذين يدعون أنهم ''أحرار'' وحملة الشهادات العليا والمفكرين الذين يقرؤون ويفهمون ويعرفون قيمة أنفسهم، كما يعرفون أن رقيهم ورقي أمتهم وأوطانهم لا يأتي من فراغ، بل من كلمة الحق التي يقولونها، والبذور الذي ينثرونها هنا وهناك، حتى إذا وجدت الأرض الصالحة أخرجت أطيب الثمر·
ثم يقول البعض، وهم كثر: ماذا تريد؟!! لديك وظيفة ومنزل وتأكل وتشرب وعندك كل وسائل الرفاهية فلماذا ''تكفر'' بالنعمة؟ وماذا تريد أكثر من ذلك؟!!
فأقول لأحدهم، أنا عندي لك وظيفة راتبها الشهري 40 ألف دولار ومسكن وسيارة وتذاكر سفر، ولكن شرطي الوحيد أن تقبل الإهانات عندما تخطئ وأمام الملأ، ولا تتوقع التكريم عندما تبدع وتحسن، فهل تقبل؟!!·
فهذا وضع الإنسان الذي يقبل بأن تسلب منه حريته ويقبل أن يكون في وضع دوني وأن ترسم له دائرة ليجلس بداخلها ثم تتسع هذه الدائرة وتضيق حسب هوى من رسمها·
لذلك قيل إن الحقوق لا تعطى بل ''تؤخذ''، وأن الحرية هي ثمن قدمه طابور طويل من الرجال المخلصين الذين دفعوا أرواحهم وأموالهم، وفقد الكثير منهم حريته لينعم الآخرون بها·
فيا من وقف عند باب الحرية·· لا تنتظر أن يفتح لك الباب دون أن تقرع، وإذا كان الذي بالدار لص فلا تنتظر أن يفتح لك، بل لا بد لك أن تكسر الباب لتدخل دارك التي أخرجت منها، ولا تنس أن ''الأحرار'' هم الذين يصنعون التاريخ أما ''العبيد'' فلهم العصا·· ولا كرامة·
محمد صقر الزعابي
عدد اليوم
