الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مطاردة الاحلام

15 نوفمبر 2011 21:45
اعود لإكمال قصة رحلتي الطويلة في الولايات المتحدة الأميركية، التي عبرتها من الشرق إلى الغرب، مستخدماً ما تيسر لي من وسائل مواصلات، ذلك أنني مجرد عابر سبيل أجوب الآفاق بحثاً عن شيء ما فأعيش على حافة التشرد أحياناً، والتسكع والتصعلك أحياناً كثيرة.. في ظهر ذلك اليوم توقفت الحافلة البائسة - التي ركبتها من بلدة «ستينس» المعزولة في مكان ما من الصحراء- في استراحة جانبية ومحطة للتزود بالوقود في الطريق السريع إلى «سيلفر سيتي»، وجدت حافلة أصغر متجهة إلى «ويل كوكس» فتطفلت عليها لأنها توفر عليّ الوقت فهي على خط سير رحلتي الطويلة نفسه، خصوصاً أن «سيلفر سيتي» في عكس اتجاهاتي. في «ويل كوكس» حتما سأجد قطاراً يوصلني إلى «توكسون» التي يوجد بها محطة قطارات مركزية لأنتقل منها إلى «سان دييغو».. الواقع أن الحافلة كانت تحمل فرقة موسيقية مغمورة تسافر في جولة في هذه البقاع التي لا تصلها الفرق الغنائية المعروفة، غير أن كثيرين غيرهم يجوبون الأراضي الأميركية بحثاً عن مستقبل أفضل ويطاردون أحلامهم، غير أن تلك المطاردة صدعت رأسي بعزفهم التدريبي غير المتجانس على آلاتهم الموسيقية الإيقاعية.. فجأة توقفوا عن العزف، وأخذ أحدهم يدندن، ويعزف على جيتار يحتضنه برفق، فأخرج موسيقى حالمة جعلت من رحلتنا الطويلة تعبر بسلاسة، وأدخلتني في عالم التأمل مع الذات، ربما لأبحث عن أحلامي التي أطاردها حيناً، وأهرب منها أحيانا كثيرة.. كل منا لديه أحلامه، لكنها قد تبقى لدى كثير منا مجرد أحلام لا يؤمن بتحقيقها، بينما يسعى آخرون بجهد وجدية لتحقيقها لأن لديهم إيماناً قوياً بأن لا شيء مستحيل.. لم أعرف إلى أي فريق انتمي غير أنني عشت أحلامي كأنها واقع لدرجة أنني لم أعد أفرق بين الواقع والأحلام، أحياناً لدرجة بت أجزم فيها بأننا نعيش جميعاً في مرحلة الأحلام، وعندما نموت ننتقل إلى مرحلة الواقع.. تلك الفكرة سحبتني إلى مكان آخر، فلطالما حلمت كثيراً حتى بنيت أبراجاً من الأحلام لم يتحقق منها شيء ربما لأنني بت أعيش كالطريدة، هارباً من أشباح الماضي لدرجة لم يعد لديّ وقت لالتقاط الأنفاس والتفكير في الأحلام أو في المستقبل.. في الخارج، من نافذة الحافلة، يتراءى لي السراب من بعيد تماماً، كما هي أحلامي تبقى مجرد سراب، على الأسفلت الباهت كانت الخطوط البيضاء المتقطعة تتسابق حتى شعرت أنها تشبهني، فهي تجاهد مثلي للحاق بما فات، فلا ألحق بما فات، ولا أصل لما هو آت، واشعر بأنني ما زلت في مكاني لا أبارحه على الرغم من أنني أجوب الآفاق بحثاً عن ذات هائمة في صحراء الشجون.. rahaluae@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©