الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الربيع العربي»... هندسة جديدة لتحالفات المنطقة

«الربيع العربي»... هندسة جديدة لتحالفات المنطقة
15 نوفمبر 2011 22:50
تركيا وإيران، البلدان الجاران اللذان كانت تربط بينهما علاقة صداقة في يوم من الأيام، أخذا يجدان أن ردي فعلهما على ثورات "الربيع العربي" بدأت تُبعد بينهما وتعيد إحياء تنافس إقليمي. وأحد المؤشرات على ازدياد الانقسام بين البلدين كان واضحاً من لائحة الحاضرين في مؤتمر دولي حول أمن أفغانستان افتتح في الأول من هذا الشهر في مدينة اسطنبول. فكل اللاعبين الرئيسيين كانوا حاضرين: 14 دولة إقليمية، إلى جانب مشاركة الرئيسين الأفغاني والباكستاني، وأكثر من اثني عشر بلداً آخر من بينها الولايات المتحدة. غير أن إيران كانت قد خططت لإيفاد مسؤول غير رفيع هو نائب وزير خارجيتها، على الرغم من حدودها الطويلة مع أفغانستان وادعاءات بكونها قوة إقليمية. ولئن كانت إيران قد تراجعت عن ذلك في آخر لحظة وأرسلت وزير خارجيتها علي أكبر صالحي، فإن التوتر الدبلوماسي يؤشر إلى أي مدى ساعدت الانتفاضات الشعبية على تحويل الصداقة التركية الإيرانية إلى تنافس متزايد. وحسب عدد من المحللين، فإن تركيا حتى الآن تبدو هي الفائز بالدفع في اتجاه نتائج ديمقراطية علمانية في تونس وليبيا ومصر، وسوريا خصوصاً، في حين تبدو إيران التي لا تقدم شيئاً أكثر من حكم إسلامي غير ديمقراطي ومشاعر عداء مناوئة للغرب، تبدو في هذه اللحظة هي الخاسر. والنتيجة هي إعادة إحياء تنافس قديم عمره قرون حول النفوذ نتيجته "ستؤثر على الهندسة الأمنية للشرق الأوسط على مدى سنوات عدة مقبلة"، حسب "جونول تول" و"ألكس فاتانكا" من "معهد الشرق الأوسط في واشنطن"، وذلك ضمن تحليل صدر مؤخراً. فإيران تزعم، من دون أدلة تدعم ما تذهب إليه، أن تحولات الربيع العربي هي "صحوة إسلامية" على نموذج ثورة إيران الإسلامية عام 1979. والاحتجاجات العربية ضد أقرب حلفاء النظام الإيراني في المنطقة - سوريا - تمثل الاستثناء، كما تقول طهران. غير أن هذه الآراء – وقمع إيران الوحشي لاحتجاجات مطالبة بالديمقراطية في 2009 – تُضعف جاذبية إيران في العالم العربي في وقت تكتسب فيه تركيا جاذبية أكثر كنموذج يمزج الحكم الديمقراطي العلماني مع نزعة إسلامية. ولعل الانقسام المتزايد بسرعة بين الحليفين السابقين هو أكثر وضوحاً في سوريا، حيث تتبنى تركيا وإيران اليوم آراء متعارضة على نحو دراماتيكي حول أعمال الرئيس بشار الأسد القمعية. ففي وقت سابق من هذا الشهر، أشاد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان بالانتفاضة التي بدأت قبل أشهر في سوريا، واصفاً الـ3 آلاف سوري الذين ماتوا هناك على أيدي قوات الأمن بـ"الشهداء". وقال أردوجان: "إن الشعب السوري سيحقق نتائج من المقاومة المجيدة"، مضيفاً "إن الديمقراطية ستُظهر حقيقتها في سوريا. والشعب السوري سيحصل على العدالة والحرية بإرادته". غير أنه قبل أن يتقوى زخم "الربيع العربي" في وقت سابق من هذا العام، كانت تركيا تتقرب من القوى الأوتوقراطية من دون مراعاة لـ"الديمقراطية" الإقليمية التي تتبناها اليوم. ففي 2009، وصف الرئيس السوري ونظيره التركي أحدهما الآخر بـ"الأخ"؛ وقال أردوجان إن سوريا هي "وطننا الثاني" بينما وصف الأسد "مستقبلهما المشترك" باعتباره نموذجاً لـ"العلاقات الأخوية". ولكن أولوية تركيا الأولى كانت على ما يبدو هي علاقات سياسية واقتصادية لا تخضع للإرادة الشعبية. وفي هذا السياق، يقول "إيرجين كالايجوجلو"، المتخصص في العلوم السياسية بجامعة سابنجي في اسطنبول: "لقد تحمست تركيا وبالغت كثيراً في القيام بهذا النوع من الخطوات"، مضيفاً "في السابق، كانت القوى الرئيسية الوحيدة التي كانت تدعمها تركيا هي القوى المتشددة نسبياً المناوئة لإسرائيل مثل حماس. أما اليوم وفي وقت باتت فيه الديمقراطية قوة صاعدة، فيبدو أن تركيا أخذت تغير آراءها حيث تخلت عن القذافي أولًا، ثم بشار، كما بدأت تدعم التطورات في مصر قدر المستطاع". على عدة جبهات، كان خطاب تركيا – ومن ذلك مواقفها المتشددة والمناوئة لإسرائيل بشكل متزايد – قد دفع المحللين الغربيين إلى التساؤل حول ما إن كان حليف الناتو قد بدأ يتخلى عن موقفه للانضمام إلى محور مقاومة بقيادة إيران. ولكن "الربيع العربي" غير حسابات تركيا، وقد يكون ذلك عاملاً أُخذ في عين الاعتبار بخصوص قرار تركيا في سبتمبر الماضي إنهاء سنوات من التلكؤ والمماطلة وقبول إقامة وحدات رادار أميركية مضادة للصواريخ على التراب التركي – في إطار درع صاروخية لـ"الناتو" موجه إلى التصدي لصواريخ باليستية إيرانية. ويقول "كالايجوجلو" إن مقاربة تركيا المعدلة ليست "عدداً من الخطوات المنسقة، التي يتبع بعضها بعضاً، ويكمل بعضها بعضاً"، مضيفاً "وبدلاً من ذلك، هناك العديد من التباين والتفاوت، والمحاولات والأخطاء، وبعض الخطوات غير المنتظمة، ويبدو كما لو كانت الحكومة التركية تقوم حالياً بتجربة شيء جديد... السياسة السابقة القائمة على مبدأ "لا مشاكل مع الجيران" باتت من الماضي. واليوم لدينا مشاكل متزايدة مع الجيران". العلاقات الإيرانية- التركية بدأت تتحسن عندما وصل حزب أردوجان "العدالة والتنمية" ذو الجذور الإسلامية، إلى السلطة عام 2002. فحينئذ، أصبحت إيران تنظر إلى تركيا باعتبارها مخاطباً جديراً بالثقة حول الملف النووي، من بين مواضيع أخرى. وفي مايو 2010، سهلت تركيا والبرازيل اتفاق تبادل الوقود النووي مع طهران في محاولة لعرقلة جولة رابعة من عقوبات أممية ضد إيران. ثم جاء الرد التركي القوي على إسرائيل عقب حادث أسطول الحرية الذي كان متجهاً إلى غزة في ذلك الشهر ليزيد من الشعور بأن تركيا أخذت تخرج من الفلك الغربي، وذلك في أعقاب غارة قام بها "كوماندوز" إسرائيلي على السفينة الأم ضمن أسطول مساعدات تركي في معظمه يرمي إلى كسر الحصار الإسرائيلي على غزة، ما أسفر عن مقتل ثمانية أتراك ومواطن يحمل جنسية مزدوجة أميركية تركية. وهكذا ساء التحالف التركي- الإسرائيلي، وقطعت العلاقات العسكرية، وتوقف التدفق الكبير للسياح من إسرائيل – وكلها تطورات كانت وراء مزيد من الخطاب الإيراني الذي يرى أن تركيا باتت على الجانب الصحيح من التاريخ. وكان هذا رأي طهران أيضاً عندما نسج أردوجان علاقة شخصية مع الأسد، الذي تحكم عائلته سوريا بقبضة من حديد منذ أكثر من أربعة عقود. ولكن أشهراً من المظاهرات الاحتجاجية في الشوارع والمحاولات القمعية لسحقها دفعت الآلاف من السوريين إلى الفرار عبر الحدود إلى مخيمات في تركيا، دفعت أردوجان إلى قطع العلاقات أخيراً مع الأسد في سبتمبر الماضي. ومنذ ذلك الوقت، استضافت تركيا عدداً من اجتماعات المعارضة السورية – ومن ذلك اجتماع في اسطنبول شهد تأسيس مجلس وطني سوري منفي في سبتمبر الماضي – ومؤخراً قامت بتوفير ملاذ لضباط انشقوا عن الجيش السوري. إيران، باعتبارها الداعم الرئيسي لسوريا في المنطقة، غاضبة، ولكنها لم تكن تستطيع القيام بشيء غير الشكوى بأعلى صوتها - ومراقبة ما يجري من خط التماس في وقت قام فيه أردوجان بجولة "نصر" عبر مصر وليبيا وتونس في سبتمبر الماضي الهدف منها توطيد العلاقات مع الأنظمة الثورية الجديدة، والدعوة إلى "ديمقراطية إسلامية". أما المسؤولون الإيرانيون فلم يقوموا بزيارات لافتة من هذا القبيل. ويقول "كالاجوجلو": "لم يكن ثمة قلق (من قبل الأتراك) بشأن الديمقراطية حتى صيف 2011 في سوريا"، مضيفاً "في ما مضى، كان ثمة النظام الأوتوقراطي نفسه (في سوريا) وكنا نتقرب منه كثيراً، على نحو غير ضروري. وبالتالي، فلا أعتقد أن الديمقراطية لعبت أي دور، وسأستبعد ذلك باعتباره خطاباً فارغاً". سكوت بيترسون - اسطنبول ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©